صفحات مميزة

الإعلام الشعبي في سوريا


رزان غزاوي

حرص الإعلام الغربي على إبراز دور المدوّنين في كل من ثورتي تونس ومصر ووصف هؤلاء بمشعلي الثورات في كلا البلدين. غير أنّه لدى لقائي مع بعض المدونين المصريين والتونسيين في ملتقى التدوين العربي الثالث الذي احتضنته تونس منذ شهور, سارع بعضهم إلى الاختلاف مع هذه الفرضية، لا بل قلّلوا من شأن المدوّنين ودور مواقع التواصل الاجتماعي التي, وحسب الإعلام الغربي, هم من لعب الدور الجوهري في إسقاط المستبدين.

هناك جدل حقيقيّ دائر في تسمية هذا الدور الذي لعبه المدوّنين أو مواقع التواصل الاجتماعي في الثورات. فهناك “خبراء” يسارعون إلى مديح موقعي الفيسيوك وتويتر إلى حد أن ذهب بعضهم لوصف الثورات بـ”ثورات الفيسبوك,” ممّا أثار امتعاض العديد من الثوّار الذين يجابهون الرصاص بصدورهم العارية بالإضافة إلى خطر الاعتقال, بينما ذهب البعض الآخر إلى إلغاء أهمية هذا الدور نهائيّاً, بداعي أنّ الثورة التي تسقط نظاماً لا يمكن لها أن تسقطه افتراضياً.

رغم أنّني وبشكل شخصي أميل إلى إبراز من هم على الأرض من الثوّار الذين لايزالون يحتجون يوميّاً مخاطرين بحياتهم بشكل حقيقيّ, من يتعرضون للضرب والاعتقال التعسفي بظروفه القاسية -حيث نسمع مراراً في سوريا أخبار استشهاد معتقلين تحت التعذيب, أجد الحديث عن دور التواصل الاجتماعي والمدونين مضلّل في سياق ما يمر به شعوب بلدان ثائرة من قتل منهجيّ وحصار انسانيّ وصولاً الى سياسات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفيّ.

لكن رغم ذلك, هناك من يسأل محقّاً, إن لم يكن لنشطاء الانترنت دوراً مهماً في الثورات, لم اذن يتم إيقاف خدمة الانترنت في المناطق الساخنة أو لحظة حدوث مظاهرة في سوريا؟ يجدر بنا أن نذكّر القارئ بأنّ معظم النشطاء في سوريا ومن يتم اعتقالهم أو اختطافهم, يتّهمون بـ”نشر أخبار كاذبة من شأنها أن توهن بنفسيّة الأمة,” وهذه التهمة تطال غالباً نشطاء الانترنت.

هناك حرب إعلاميّة في سوريا, الدولة تمتلك “الحقيقة,” ومن يقول الحقيقة هي وسائل إعلام الدولة, وكل من يعارض ويخالف هذه الحقيقة ينشر “أخباراً كاذبة من شأنها أن توهن نفسيّة الأمة.” أحاكم شخصيّاً حاليّاً بهذه التهمة الباطلة.

أيضاً, إن أردنا تقييم التدوين في سوريا ونشطاء الانترنت, علينا فعلاً الحديث عن الإعلام الشعبي, والذي أعتقد أنّه أبرز الانجازات التي حققتها الثورة السورية.

في ظلّ نظام منع تشكيل مؤسسات وجمعيّات المجتمع المدني ومحاصرة حريّات الصحافة وفرض الرقابة على الانترنت والنشاط الإلكتروني, وجد السوريّون أنفسهم أمام تحديّات كبيرة, كيف ننظّم أنفسنا ونخبر العالم بما يجري داخل سوريا, خصوصا بعد منع السلطات السورية للإعلام العربي والأجنبي من دخول الأراضي السورية. قام السوريون بعد انطلاق ثورتهم باختراع “التنسيقية,” وهي عبارة عن مجموعة من النشطاء الذين ينظمون المظاهرات وتصويرها وتحميلها وإرسال الأخبار وتسجيلات الفيديو إلى وسائل الإعلام. كما تشارك التنسيقيّة بإنشاء خطاب لرؤية ومسيرة الثورة, وتختلف التنسيقيّات على هذه,  فالبعض يعارض تدخل خارجي بشدة, والبعض يرى أنّه الخلاص رغم تحفّظاته الأخلاقيّة والسياسيّة على هذا الخيار. وتجد أغلب التنسيقيات تعزز في خطابها وبياناتها العمل السلميّ وتنادي بإضراب عام منعاً من الانزلاق إلى خطر الحرب الأهلية أو إلى عسكرة الثورة.

يتفق كثيرون على أنّ أهم منبر إخباري ثوريّ في سوريا اليوم هي “اللجان التنسيق المحليّة,” والتي تُعتبر مصدراً لدى العديد من وسائل الإعلام العالميّة بالإضافة إلى منظّمات حقوقيّة عربيّة ودوليّة. استطاعت اللجان رغم كونها إعلاماً شعبيّاً, رغم اعتمادها بشكل أساسيّ على مجموعة من النشطاء المتفانين في عملهم ليلاً نهاراً كي ينقلوا حقيقة ما يجري, أن تكوّن صوة عامة عمّا يجري في سوريا لدرجة اعتماد وكالات أنباء وجرائد عالميّة على أخبارها. وتسارع اللجان إلى تصحيح أخطاءها فوراً ما إذا ثبت عدم صحّة خبر من الأخبار, وتكمن أهميّة دور اللجان في خطابها السلمي والسياسي, حيث كانت من الأوائل الذين عارضوا التدخل الخارجي في سوريا.

لكن رغم هذه الانجازات, أجد أنّ هناك تقصيراً حادّاً في أنسنة الأخبار. الأخبار التي ينشرها الإعلام الشعبي في سوريا, سواء كان تدويناً أم تغريداً, أو عبر الفيسبوك من مجموعات أو تنسيقيات أو حتى شبكات أخباريّة كاللجان, جميعها تنشر أخباراً دون إدراج سياق هذا الخبر. أدرك صعوبة البحث عن السياق الانساني للخبر, لكنني أعتقد بوجوب لجنة خاصة تقوم بجمع المعلومات عن الشهداء والمعتقلين حول حياتهم وأفكارهم ونشاطاتهم وأصدقائهم بالإضافة إلى صورهم الشخصية. أنسنة أخبار الثورة برأيي هي ما تحتاجه الثورة إعلاميّاً وبالدرجة الأولى في ظلّ بقاء هوّية أصحاب هذه الشبكات الإخبارية غير معلن حماية لأمنهم وأمان عائلاتهم.

ختاماً, يطول الحديث عن دور الإعلام الشعبي في الثورة السوريّة, لكن ربّما من المهم أن نشير هنا إلى أنّ التدوين, لا محلّ له من الإعراب ممّا يحدث في سوريا, فمثلاً, لم يتم سؤالي أثناء فترة اعتقالي في الأمن السياسي عن مدونتي, لا بل لم يقم المحقق بفتح مدونتي, بل كانت أسئلته مركّزة على حسابي الشخصي على الفيسبوك وعلى بريدي الالكتروني.

لا تعلم الأجهزة الأمنيّة ما هو التدوين, لكنّها تعلم أنّ النشطاء يعتمدون على الفيسبوك في نشاطهم من أجل الثورة, ومن هنا, ربما يجدر على الإعلام العربي, والغربي بشكل خاص, أن يسلّط الضوء على هذا الإعلام الشعبي في كافة أشكاله, لا على مجموعة المدوّنين فحسب, فالانترنت عالم واسع وله من الإمكانيات ما يتجاوز تدوينة.

..

مدوّنة سورية

Accueil

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى