صفحات العالم

الازمة السورية وصراع مرجعيات المنطقة


خالد عبد القادر احمد

لست من الذين يؤمنون بتشكل الواقعة السياسية بفعل العامل الواحد, كما يفعل فقراء الثقافة العربية فيحصرون تعاملهم معها من منطلق مع من وضد من من اطراف الصراع, في حين يجب ان نؤمن بتعدد العوامل الفاعلة في تشكيل نتائج الصراعات, فمثلا اجندات الصراع المحلي في انتقاضات المنطقة غير معزولة او مستقلة تماما عن الاجندة الاجنبية, لكن اصحاب الثقافة العرقية العربية يظنون ان علاقات الدول العربية ليست علاقات اجندات اجنبة بالنسبة لبعضها البعض, فهم يحصرون مفهوم مصطلح الاجندة الاجنبية بالحركة السياسية لغير الدول العربية, الامر الذي يلحق بقراءاتهم للوقائع خلل كبير. فهم مثلا لا يتعاملون مع جامعة الدول العربية الا من منطلقهم الرغبوي في اعتبارها ممثل الوحدة عربية المفترضة, التي لا وجود لها الا في اوهامهم. وذلك عوضا عن قرائتها باعتبارها اطارا لتجمع اجندات اجنبية تتصارع فيما بينها على ما تختلف عليه من مصالح وتتفق على ما هو مشترك بينها منها, تماما كما هي حالة اجتماع الفصائل الفلسطينية في منظمة التحرير,

ان الحقيقة هي ان اجندة دولة عربية بالنسبة لدولة عربية اخرى هي اجندة اجنبية بنفس قدر المضامين والمسافة التي تعنيها لاجندة الاوروبية او الامريكية او الروسية او الصينية او غيرها لاي اجندة عربية , وقد ان اوان ان يقرأ مثقف المنطقة الواقع من هذا المنطلق, خاصة بعد ان اثبته تاريخ العلاقات الاقليمي بحال لا يقبل الشك, بدءا من اقتسام بعضها لفلسطين, ومرورا بكافة التجارب الاخرى, والافضل ان نكف عن مقولة تخوين الانظمة والدول وان ننتقل للاعتراف باغتراب الاجندات فيما بينها. فالفكرة العرقية حول وهم الوحدة العربية هو منطلق مقولة تخوين الانظمة في حين ان مقولة التعددية القومية ذات الاصل العرقي العربي المشترك تتيح لنا بصورة سليمة قراءة اغتراب اجندات هذه الدول والانظمة عن بعضها البعض, وحقيقة وجود اغتراب اهداف واتجاهات تصيغ التفاعلات فيما بينها,

لم يكن غريبا اذن ان تكون لكل انتفاضة في المنطقة ليس خصوصيتها فحسب بل وايضا خصوصية تعامل الاجندة الاجنبية الاقليمية والعالمية معها, رغم ان سمات مشتركة وحدت _اتجاه_ تفاعل الاجندة الاقليمية والاجندة العالمية مع واقعة الانتفاضة, وان لم توحد وزن تقاطع وتدخل الاجندة الاجنبية الاقليمية والعالمية معها, حيث نجد ان حدة تدخل الاجندة الاجنبية العالمية في ليبيا وصل حد العمل العسكري المباشر, في حين يحجم عن ذلك في سوريا, ويفسح المجال لوزن اعلى من حدة تدخل الاجندة الاجنبية الاقليمية, وذلك لحساسية الموقع السوري في الصراع الاقليمي والعالمي لعامل تماسه الخاص مع الكيان الصهيوني بصورة رئيسية ومع حركات المقاومة بصورة ثانوية,

ان الكيان الصهيوني يعلن بوضوح ان بقاء النظام السوري الراهن يصب في مصلحته, فهو من موقعه في محور الممانعة اسهم بصورة رئيسية في تعطيل مسار مفاوضات تسوية الصراع الفلسطيني الصهيوني, وبتعطيله لمسار التسوية عمل على تحرير الكيان الصهيوني من الضغوط الامريكية والاوروبية, في نفس الوقت الذي عمل به على لجم حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية عن العمل المسلح من خلال ربطها بمنظوره الخاص حول زمان ومكان معركة حسم الصراع عكريا مع الكيان الصهيوني, الامر الذي حولها عمليا الى حركات سياسية سلطوية تستند الى درجة من الانقسام والانشقاق والتميز عن كيانية قوميتها السياسية وشرعيتها الدولية, ومن الواضح ان التفوق العسكري للكيان الصهيوني اقليميا وامكانية ان يستخدمه في توريط المنطقة واوروبا والولايات المتحدة في حرب اقليمية, انما يقدم مظلة حماية تسند بقاء واستمرار النظام السوري, وهو امر يدركه تماما النظام السوري ولذلك يهدد بزلزال يجتاح المنطقة في حال وجهت له ضربة عسكرية, وهو تهديد يحمل مضمون اعطاء المبرر للكيان الصهيوني ليطلق عقال تفوقه العسكري, ويدمر سلاسة عملية الاصطفاف السياسي التي تتم لصالح اوروبا والولايات النتحدة

نعم ان بيد النظام السوري اقوى اوراق المساومة السياسية, وهي قطعا ليست قوته العسكرية بل قوة الكيان الصهيوني وتفوقه, لذلك ومنذ بدء الازمة السورية قلنا ان قيام الاجندة الاجنبية العالمية ضده بعمل عسكري احتمال مستبعد, نظرا لما ستطلقه من شياطين سياسية وعسكرية اقليمية,

للصورة السابقة لم يكن غريبا ان تلجأ الاجندة الاجنبية العالمية الى منهجية حصار النظام السوري وانهاكه اقتصاديا وسياسيا في محاولة للضغط على اوضاعه الداخلية للتحرك باتجاه اغتيال الرئيس بشار الاسد او الانقلاب عليه, الامر الذي رفع من وزن الحاجة لتفعيل دورالاجندة الاجنبية الاقليمية العربية والتركية ضده لتسريع عملية انهاكه, وتضييق نطاق حركته, في حين تكتفي الاجندة الاجنبية العالمية بتظليل الاجندة الاجنبية الاقليمية وكتل المعارضة السورية بمظلة الشرعية الدولية,

ان الصورة الحقيقية للازمة السورية تنطوي اذن على حقيقة وجود انتفاضة شعبية فعلية وحقيقة وجود قوى فوضى خلاقة مندسة بينها في مقدمتها حركة الاخوان المسلمين, كما تنطوي على حقيقة وجود اجندة نظام يتمتع شرطه السياسي بصلابة ومناعة تتيح له الاغراق بنهج دموي في التعامل مع الحركة الشعبية التي تجمع بين القوى الانتفاض الشعبي وقوى الفوضى الخلاقة, حيث يقدم ذلك عذرا للنظام في انه لا يستطيع التفريق بين هذه القوى وتلك في الحركة الشعبية,

ان الاجندات الاجنبية الاقليمية والعالمية تدرك تماما هذا الخلط في القوى الشعبية والذي يمنع النظام من القدرة على التعامل السليم مع الحركة الشعبية ويرفع من مستوى لجوءه للنهج الدموي, بل ان خلط القوى هذا هو اداة رئيسية من ادوات الاجندات الاجنبية, كما تبين في تجربة الانتفاضات التي حدثت في المنطقة, وتثبته النتائج, وهي ايضا اداة تبتز بها الاجندات الاجنبية سياسيا ومنهجيا الانظمة التي تواجه احتمال خطر الانتفاض مستقبلا.

ان على مثقفي المنطقة ان يكفوا اذن عن الدوران في حلقة مع من وضد من, خاصة ان حسم امر الصراع في سوريا لا يعود للاجندة _الثقافية_ الاجنبية الاقليمية والعالمية , بل يعود الى وضع واتجاه موازين القوى الداخلية السورية وتوازنات القوى _الرسمية_ الاقليمية والعالمية, وايضا لان فاعلية الحركة الثقافية الاقليمية لا تزال على استاتيكية حركة الثيران الابيض والاسود والاحمر, بل انها اسوأ من ذلك

ان المرجعيات التي تحدد الى اين سيؤول مصير المنطقة غير مقيدة الى حالة الموقف الثقافي الشعبي الاقليمي بل الى اجندات محاور الصراع الاقليمية واجنداتها, وفي مقدمة هذه المحاور والاجندات محور الاجندة الصهيونية ومحور الاجندة التركية بمواقعها اللوجستية ومحور اجندة دول مجلس التعاون الخليجي باهميته الاقتصادية, حيث من الواضح الان ان الاجندات العالمي والاقليمي و التركي يخوض صراعا حاسما مع محور التحالف الصهيوني السوري العراقي الايراني, اما الباقين فدورهم لا يتعدى دور التبعية والتنفيذ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى