صفحات العالم

الاسد ونصيحة العاهل الاردني


رأي القدس

عندما ينصح العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني صديقه القديم بشار الاسد بالتنحي عن الحكم كمخرج من الازمة الحالية التي تعيشها سورية، فإن هذا يعني ان هناك توافقا عربيا ـ امريكيا على ان جميع الجهود الدبلوماسية المبذولة حاليا، ومبادرة الجامعة العربية على وجه الخصوص، هي خطوة الهدف منها كسب الوقت لا اكثر ولا اقل، تمهيدا لتنفيذ السيناريو الذي جرى اعداده في غرف مغلقة، للتدخل العسكري لاطاحة النظام الحاكم في دمشق.

العاهل الاردني لا ينطق عن هوى، وهو من اكثر الزعماء العرب علما ببواطن الامور، بحكم علاقاته الوثيقة بالولايات المتحدة الامريكية اولا، والدول العربية الخليجية التي باتت تقود العمل العربي المشترك، وتفرض ارادتها على المنطقة من خلال هيمنتها على جامعة الدول العربية.

وتتزامن نصيحة العاهل الاردني هذه، او رسالة التحذير الواضحة الى النظام السوري ورئيسه على وجه الدقة مع تصعيد تركي ملحوظ، فرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان اعرب عن اعتقاده بان الرئيس السوري اضاع كل الفرص، ولم يعد امامه اي فرصة اخرى، وطالبه بالاعتذار علانية عن حرق سفارة بلاده في سورية. اما وزير الطاقة التركي تانير يلديز فهدد باعادة النظر في امداد سورية بالكهرباء، كما اعلن ان تركيا قررت وقف انشطة التنقيب عن النفط التي تجريها مع سورية.

وليس من قبيل الصدفة ان يأتي التصعيد التركي، ورسالة التحذير الاردنية في وقت تتكثف فيه الاحاديث عن قرب اقامة مناطق عازلة في شمال سورية وعلى حدودها مع تركيا، واخرى في جنوبها على الحدود مع الاردن، تتحول هذه المناطق الى نقطة استيعاب للمنشقين عن الجيش السوري، وبعد ذلك منصة انطلاق لاعمال عسكرية تكون عنوانا لحرب استنزاف ضد النظام الحاكم في دمشق.

رئيس الوزراء التركي لم يجاف الحقيقة عندما قال ان النظام السوري اضاع كل الفرص الممكنة لتجنب تدهور الاوضاع في سورية الى الدرجة التي نراها حاليا، فادارة النظام لهذه الازمة كانت سيئة بل وكارثية، لانها ارتكزت على العناد، والتعاطي باحتقار مع المطالب الشعبية المشروعة في التغيير الديمقراطي.

كان باستطاعة النظام السوري ان يتعاطى مع الانتفاضة الشعبية في محطتها الاولى في مدينة درعا بطريقة اكثر عقلانية وتبصرا، من حيث عزل ومن ثم محاكمة المحافظ الذي اذل اولياء امور الثلاثين طالبا الذين رددوا شعارات تطالب باسقاط النظام تأثرا بشعارات مصرية وتونسية مماثلة، ولكنه لم يفعل، واعتقد ان اعتماده على الحلول الامنية الدموية يمكن ان يرهب الشعب، ويقضي على الانتفاضة في مهدها، مثلما حدث في انتفاضات سابقة، ولكن الوقائع اثبتت كم كان هذا التفكير قاصرا بل مغرقا في السذاجة وعدم قراءة التطورات في المنطقة بشكل صحيح.

الدول الخليجية رفضت طلب النظام السوري لعقد قمة عربية لدراسة الازمة، وكان هذا الرفض متوقعا على اي حال. فكيف تتم الدعوة الى هذه القمة في الوقت الذي تتعرض سفارات هذه الدول للاقتحام والحرق من قبل عناصر محسوبة على النظام او مرسلة من قبله؟

لا احد يستطيع ان يتنبأ كيف ستكون عليه الخطوة المقبلة، لكن ما يمكن الجزم فيه ان زمن الحلول الدبلوماسية قد انتهى، وان التدخل العسكري بشكل شامل او على مراحل بات هو العنوان الرئيسي للفترة المقبلة، ويبدو ان النظام يدرك هذه الحقيقة جيدا ويتضح ذلك من خلال انتقال آلته القمعية الدموية الى مرحلة اكثر شراسة، حيث تم قتل اكثر من ستين شخصا بين مدنيين وعسكريين في اليومين الماضيين فقط.

لا نعتقد ان الرئيس بشار الاسد سيستمع الى نصيحة العاهل الاردني ويترك السلطة الى منفى آمن، فلا يوجد اي مؤشر يوحي بذلك، ويبدو انه يسير قدما في خياره العسكري للتعاطي مع الانتفاضة، ولذلك علينا ان نتوقع مفاجآت دموية كثيرة، مثلما علينا ان ندرب انفسنا على التعايش مع هذه الازمة لاشهر ان لم يكن لسنوات قادمة، لانها ازمة مفتوحة على كل الاحتمالات.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى