صفحات سوريةعلي العبدالله

حرب “داعش” والنصرة/ علي العبد الله

 

 

تجددت المعارك بين الدولة الاسلامية في العراق والشام(داعش) وجبهة النصرة لأهل الشام وحلفائها من الكتائب الاسلامية والجيش السوري الحر بعد ساعات من اعلان “الجبهة” قبولها دعوة الدكتور ايمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، لوقف القتال ضد ما أسماه “اخوانهم المجاهدين” والتفرغ لقتال أعداء الاسلام من “البعثيين والنصيريين وحلفائهم من الروافض”، فقد قامت “الجبهة” وحلفاؤها، وبمؤازة قوات من عشائر المحافظة، بشن هجوم واسع النطاق على مواقع “داعش” في الريف الشرقي لمحافظة ديرالزور، بعد اتهامها للأخيرة بخرق الهدنة المعلنة بهجومها على حاجز للـ”الجبهة” في بلدة البصيرة(40 كم شرق مدينة ديرالزور).

لم هذا القتال بين “جهاديين” يتبنون ذات الافكار والتوجهات الدينية والسياسية؟.

ليست المرة الأولى التي يقاتل فيها “جهاديون” ضد “جهاديين”، فقد انخرطت حركات المجاهدين في أفغانستان في تسعينات القرن الماضي في قتال شرس ضد بعضها البعض، قتال دمر مدنا وبلدات أفغانية، بما فيها العاصمة كابول، على خلفية صراع على السلطة واقتسام الغنيمة بعد هزيمة القوات السوفياتية، أما ما يتم الآن بين “جهاديين” كانوا قبل أشهر يتبعون ذات التنظيم ويتلقون تعليماتهم من ذات الأمير، وهم فوق ذلك منخرطون في صراع دام مع قوات نظامي العراق وسوريا من جهة وضد كتائب وحركات اسلامية وغير اسلامية لا تدين بالولاء لتنظيم القاعدة من جهة ثانية، فأمر يدعو للتساؤل حول الاسباب والمبررات التي تقف وراء القتال.

لم تكن رسالة الظواهري الصوتية، التي تشي لهجتها بنزوع تصالحي مع “داعش”، كافية لوقف القتال، فالذين تلقوها(الجبهة) تركوا لأنفسهم منفذا لمواصلة القتال عندما ربطوا التقيّد بوقف القتال بتقّيد الطرف الآخر، ما يعني ان ثمة اسبابا محلية خارج حسابات الظواهري تجعل وقف القتال أمرا شبه مستحيل. ذلك ان للـ”جبهة” حسابات محلية مرتبطة بتحالفاتها من جهة، ومن جهة ثانية توجهها لتمتين علاقاتها مع المجتمعات المحلية وتوسيع حاضنتها الاجتماعية، في ضوء مؤشرات ميدانية تقول باستمرار الصراع لفترة طويلة وتشكّل خطوط تماس شبه ثابتة مع قوات النظام، واحتمال الدخول في قتال مع قوات المعارضة، وهذا يمنح الحواضن المحلية أهمية فائقة في توفير احتياجات المقاتلين اللوجستية، بالإضافة الى تجنيد مقاتلين منهم، ناهيك عن ما تقدمه محافظة ديرالزور من موارد مالية عبر وضع اليد على انتاج النفط والغاز وبيعهما في السوق المحلية او لمهربين من دول الجوار( قالت مصادر النظام انه يتم ضخ 60 الف برميل في اليوم تباع بواقع 10 دولارات للبرميل الواحد، ما يعني دخلا يوميا قيمته 600 الف دولار)، هذا بالإضافة الى انتاج المحافظة من الحبوب والقطن والمنتجات الحيوانية من لحم وسمن وجبن وصوف( ليس من فراغ اطلاق “داعش” اسم ولاية الخير على المحافظة).

اما الحسابات التي تدفع الدولة الاسلامية في العراق والشام “داعش” لمواصلة القتال للسيطرة على المحافظة فتختلف عن حسابات “الجبهة”، مع تقاطعها معها في جزئية الموارد المالية التي توفرها المحافظة، في نقطة مركزية تتعلق بالجغرافيا السياسية للمحافظة التي تتواصل اراضيها مع اراضي محافظة الانبار في العراق، حيث تقاتل “داعش” ضد قوات النظام العراقي وحلفائه من عشائر المنطقة، لذا فان سيطرتها على محافظة ديرالزور حاجة ماسة لتوفير التواصل بين مقاتليها في الدولتين، وتحريك المقاتلين بين البلدين وفق التطورات الميدانية واللوجستية، وتقديم الدعم البشري والتسليحي وفق مستدعيات الوضع الميداني على جانبي الحدود. فقد نقلت مصادر مطلعة على الموقف داخل تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام “داعش” عن وجود خلاف في وجهات نظر قادة التنظيم في محافظة الرقة بين من يرى اعتبار محافظة الرقة مركزا للامارة في سوريا، والتخطيط لإحكام السيطرة عليها، وتأمينها من هجمات جيش النظام او هجمات مقاتلي المعارضة المناوئين للدولة، ومن يرى ان محافظة الرقة ليست المكان المناسب للاستمرارية، فالقدرة على تأمينها عرضة للاختراق في ضوء بعدها عن مناطق سيطرة الدولة في العراق ما يستدعي نقل التركيز الى محافظة دير الزور واسترجاعها من الكتائب المناوئة، وأضافت المصادر بحصول توتر بين الطرفين هدد بحصول مواجهة مسلحة بينهما ما دفع عددا من المهاجرين العرب وغير العرب الى ترك الرقة والتوجه الى العراق، ما حدا بالبغدادي الى ارسال مندوب شخصي لفض الاشتباك هو ابو عمر الانباري.

غير ان السبب الأهم من وجهة نظر محللين متخصصين بشؤون الجماعات “الجهادية” وراء استمرار القتال، وعدم التعاطي مع نداء الظواهري بالجدية المطلوبة، حيث جاء رد “الجبهة” المشروط ممهورا بتوقيع “الجبهة” وليس بتوقيع أميرها أبو محمد الجولاني، وتجاهل “داعش” للهدنة المعلنة بهجومها على حاجز للـ”جبهة” في بلدة البصيرة، وعدم ارسالها ردا على اقتراح تشكيل هيئة شرعية للتحكيم بين الطرفين مكونة من “علماء” الطرفين بالإضافة الى “علماء” من ابناء المحافظة، الذي طرحته “الجبهة” وتبنته عشائر في المحافظة، رغم قرب انتهاء المهلة المحددة لذلك ومدتها اسبوع تنتهي اليوم الثلاثاء 6/5/2014، خاصة وان العشائر المتحالفة مع الطرفين قد اعلنت انها ستقاتل الجهة التي ترفض هذا الاقتراح، فالسبب الاهم هو الصراع على قيادة “الجهاد” وزعامة تنظيم القاعدة بين الظواهري والبغدادي، وهذا ما عكسه الظواهري في رسالته الصوتية حين تحدث عن اعتراف البغدادي السابق بزعامته ومخاطبته له بمفردة “أميري” قبل ان ينفجر الخلاف بين جناحي القاعدة( الدولة الاسلامية في العراق “داع” وجبهة النصرة لأهل الشام) في سوريا على خلفية الحاق البغدادي للـ”جبهة” بدولته وتحولها الى الدولة الاسلامية في العراق والشام “داعش” دون استشارة الظواهري ورفض الخطوة بتوجيهات من الظواهري من قبل الجولاني.

يبدو ان القتال الذي حصد ارواح المئات من مقاتلي التنظيمين سيتواصل حتى يحقق احدهما النصر الكامل بسحق الطرف الآخر وإجباره على رفع الراية البيضاء، ما يعني بقاء محافظة ديرالزور ساحة حرب وأبنائها ضحايا رغما عنهم.

\\ كاتب سوري \\

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى