صفحات سورية

الاقتصاد والثورة السورية


د. محمد المرعي

كما هو معروف إن الاقتصاد يلعب دورا أساسيا في تحقيق الاستقرار السياسي لأي دولة و يحدد قوتها وموقعها السياسي في علاقاتها الدولية، و يتحكم بقراراتها الداخلية والخارجية.

ولكن دور الاقتصاد يصبح أكثر أهمية وتعقيداً عندما يكون اقتصاد الدولة ضعيفاً ويرافقه اضطرابات سياسيه وحراك شعبي معارض للنظام، كما هو الآن في سورية، حيث بدأ العامل الاقتصادي يؤثر بشكل فعلي في تهديد النظام السياسي وهو ما أشار له الأسد في كلمته الأخيرة عندما دعا إلى إعادة الثقة بالاقتصاد الوطني.

وأود أن أشير هنا إلى أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد ريعي، ويعاني من مجموعة كبيرة من المشاكل، وذلك نتيجة لسوء الإدارة والمحسوبية السياسية في اختيار الكوادر الإدارية. و إن الاقتصاد السوري يمر بمرحلة متقدمة من الفساد ، وهي مرحلة اختلاط التجارة بالإمارة و التي تعتبر من أسوأ أنواع الفساد. هذه المشاكل أدت إلى انخفاض مستوى الدخول، وانحسار الطبقة الوسطى في المجتمع السوري حيث إن 5% من السكان تستحوذ على أكثر من 80%من الدخل الوطني.

كما أن هذا الاقتصاد السوري هو اقتصاد ظل. حيث أن أكثر من 40% من فعالياته تعمل خارج إطار الرقابة الحكومية، وان معدلات البطالة قد تصل في بعض المناطق الشرقية إلى أكثر من 30% من حجم القوى العاملة، وأن ترتيب سورية قد وصل عام 2009 حسب منظمة الشفافية العالمية من حيث درجة الفساد الى 136 بين دول العالم، و في المرتبة ما قبل الأخيرة بالنسبة للدول العربية. ويضاف إلى هذا المحسوبية السياسية في توطين الاستثمارات الداخلية والوافدة من الخارج، وبعض المشاكل الأخرى مثل التضخم وانخفاض الإنتاجية والبطالة المقنعة والترهل في القطاع العام.

الآن، وبعد مرور أكثر من 100 يوم على الثورة السورية، فإن الآثار التي أحدثتها هذه الثورة على الاقتصاد السوري كثيرة ومتعددة والتي منها توقف جميع التحويلات النقدية للسوريين المقيمين في الخارج والتي تقدر بحوالي 3 مليار دولار سنوياً. حيث أن هذه التحويلات تعتبر من أهم مصادر الدخل القومي والقطع الأجنبي في سورية بعد النفط والسياحة. كما أن الاضطرابات دفعت بعدد كبير من السوريين إلى تحويل مدخراتهم من الليرة السورية إلى العملات الأجنبية خوفاً من انهيار العملة الوطنية، وهو ما يلقي بالمزيد من الضغط على سعر صرف الليرة. ويشار إلى أن قيمة السحوبات والتحويلات هذه وصلت إلى حدود أكثر من 14 مليار دولار، والأخطر من كل ذلك هو أن النظام في سورية بدأ فعلا في استخدام المخزون الاستراتيجي من القطع الأجنبي والذي على أساسه يمكن تحديد قوة الاقتصاد و دعم قيمة الليرة. وكما هو معلوم فإن قيمة هذا المخزون كان قبل الثورة السورية حوالي 25 مليار دولار أما اليوم فقد انخفض إلى اقل من 18 مليار. أي أن الدولة قد أنفقت 7 مليار دولار خلال فترة الثورة في دعم الليرة السورية، وهذا مؤشر خطير في السياسة النقدية.

أيضاً، نتيجة الوضع الراهن المتمثل في المظاهرات المعارضة للنظام ، فقد بدأت بعض الاستثمارات الخارجية بالهروب من السوق السورية، والتي تقدر قيمتها بحوالي 8 مليار دولار بالإضافة لتوقف الاستثمارات القطرية عن الاستمرار في تنفيذ مشاريعها، والتي تقدر أيضا بحوالي 6 مليار دولار. والأسوأ من ذلك كله، إذا ما توترت ا لعلاقات السورية التركية أكثر، فإن توقف الاستثمارات التركية في سورية قد يؤثر على الإنفاق والتشغيل.

أما بالنسبة للقطاع الخاص الصناعي فقد بدأ فعلا بتسريح عمالته، وهو ما يؤدي إلى زيادة معدلات البطالة، وبالتالي انخفاض حجم الدخول و الإنفاق. وكذلك توقفت عائدات قطاع السياحة، التي قدرت عام 2010 بما يعادل 7 مليار دولار، وهذا يدفع في اتجاه تعميق الأزمة التي يمر بها الاقتصاد السوري.

كما كان الأثر واضحا فيما يتعلق بسوق دمشق للأوراق المالية، حيث انخفضت أسعار الأسهم بنسب مابين 50% – 100% وذلك حسب نوع السهم . كما انخفض حجم التداول اليومي لقيمة الأسهم.

الاقتصاد السوري بدأ الدخول في مرحلة انكماش اقتصادي قوي، حيث وصل هذا المعدل حسب مراكز الدراسات العالمية إلى 5% وان هذا الرقم له أثار كبيرة على الاقتصاد.

إن كل المؤشرات تشير إلى إن النظام السوري بدأ فعلا يعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة نتيجة للوضع السياسي الراهن، وأصبح بحاجة ماسة إلى دعم الاقتصاد الوطني خوفاً من انهياره. وقد ظهر ذلك جلياً في خطاب الأسد وفي حملات التبرع التي يقوم بها النظام لدعم الليرة، وكذلك في السماح لثلاثة بنوك تملكها الحكومة بقبول ودائع بالنقد الأجنبي وحصر سحب الإيداعات الشخصية بالليرة السورية.

يضاف إلى كل ماسبق بعض المشاكل الأخرى التي سوف تظهر في القريب العاجل وذلك نتيجة لزيادة حجم الاضطرابات سياسيه والحراك الشعبي المعارض للنظام والتي منهاتراجع حجم التحصيلات الحكومية من الرسوم والضرائب، وذلك نتيجة للوضع الأمني السائد ولعدم مقدرة بعض المواطنين على الدفع ، وامتناع البعض الأخر، لأسباب أخرى، مثل اعتبارهم إن عدم الدفع في هذه المرحلة هو دعم للثورة، وكذلك محاولة بعض الإفراد تهريب السيولة النقدية والامتناع عن الإنفاق خوفاً من الظروف المستقبلية التي قد تعصف بسورية ( وذلك على قاعدة خبي قرشك الأبيض إلى يومك الأسود) وان كل ذلك يؤثر سلباً على الاقتصاد .

وفي ضوء كل ذلك فان هذا الوضع سوف يؤدي إلى تراجع حجم الإنفاق العام نتيجةً لتراجع موارد الدولة من التحصيلات والتي إن وجدت سوف تخصص في الإنفاق على الأمور الأمنية والعسكرية .

في النهاية، تشير معظم الدراسات والتحليلات الاقتصادية العالمية إلى إن الاقتصاد السوري قد يصمد من ثلاثة إلى ستة اشهر فقط أمام الوضع الأمني الراهن. ويعود ذلك إلى كون سورية لا تتمتع بإمكانيات اقتصادية كبيرة وثروات باطنية و طبيعة تمكنها من العيش كدولة معزولة. ومما يزيد الأمر سواء، أن سورية بدأت تعاني من عزلة دولية حقيقة.

السؤال الأهم إلى متى يستطيع النظام السوري الاستمرار في دعم الاقتصاد وهذا ما تجيب عليه الأسابيع القادمة ولكن باعتقادي إن ثبات النظام السوري اقتصاديا مرهون بشكل أساسي بحجم ومدة المظاهرات في الشارع السوري.

اكاديمي سوري مقيم في بريطانيا

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى