صفحات سوريةغازي دحمان

الانتقال إلى صيغ جديدة من الدولة

 

غازي دحمان *

لا بدّ لأية مقاربة جدية للأزمة السورية أن تنطلق من جملة الحقائق التي باتت مترسخة في الواقع السوري، بعد ما يقارب العامين على انطلاقة الثورة:

– لقد ثبت، بما لا يدع مجالاً للشك والمداورة أيضاً، أن عائلة الأسد استفادت من تجربة 1936، حينما خاض الجد سليمان معركة استقلال دولة العلويين وهزمه حينها «التيار الوحدوي» في الطائفة، فقد نجح الأبناء والأحفاد الأسديون في القضاء على كل تيار في الطائفة يخالفهم الرأي والتوجه، وأقنعوا العلويين بالانفصال السيكولوجي عن «شركائهم» السوريين تمهيداً للانفصال الجغرافي.

– ثبت أيضاً أن الطوائف الأخرى، غير السنّية، ليست مؤيدة للحراك الثوري، بل لا تعترف له بهذه الصفة، ولا ترى فيه سوى نوع من التقية، يخفي وراءه رغبة في الوصول إلى السلطة لفرض معتقدات القيم الدينية للطائفة السنّية على بقية المكونات.

– وثبت أيضاً أن بين ظهراني الطائفة السنّية تيارات متطرفة، وهي على قلة تأثيرها الحالي، مؤهلة، نتيجة استمرار الصراع واحتدامه، لأن تصبح تيارات جاذبة وحاكمة، الأمر الذي سيحول قضية التعايش الوطني إلى قضية معقدة.

– كل ما سبق أدى إلى انهيار الثقة بين مختلف المكونات الوطنية السورية، وأحدث خلخلة عميقة في الأنسجة الوطنية، وزاد من حال الانغلاق الطائفي.

أمام هذا الواقع، بكل تعقيداته ومصاعبه، لم يعد مفيداً أن تصرف النخبة السياسية والفكرية السورية طاقاتها في البكاء على مجازر النظام وانتهاكاته، ليس لأن النظام مستمر في سلوكه وحسب، بل لأن سلوك النخب لن يكون من الممكن إدراجه بعد ذلك في إطار الفعل السلبي بل في خانة الشراكة في القتل ما لم يتم الانطلاق إلى البحث عن مقاربات عملية لحل الأزمة.

في هذا الإطار يتوجب التنبيه إلى عدم ضرورة تجريب الكثير من نماذج الحلول السياسية التي تم اختبارها في حالات سابقة، كالشراكة في الحكم، والمحاصصة، وتداول المواقع الرئاسية، ودمج الجيش. فلم ولن تكون تلك الأنماط سوى «فيزا» لرحلة مديدة في أفق العطالة والجمود. ذلك أن الصيغ التوافقية التلفيقية لن تثمر واقعاً متطوراً، بحكم أن الجماعات ستبقى محكومة بهواجسها ومخاوفها من وقوعها تحت سيطرة الجماعة الأقوى.

الحل في سورية يجب أن يبدأ بالبحث عن صيغة جديدة غير صيغة الدولة السورية «البسيطة»، التي فشلت في إنجاز عملية التعايش الوطني، وانتهت بعد عقود من القهر والتخلف إلى نموذج مروع من القتل والدمار. وقد ثبت أن التمسك بهذه الصيغة كان وصفة سهلة لتدمير الإمكانات والطاقات.

فالإصرار على الوحدة القسرية نوع خاص من الانتحار أو القتل القصدي، إضافة إلى حقيقة أن المجال السياسي الدولتي فضفاض ومرن ويتيح أشكالاً للدول، أكثر مرونة وقابلية للعيش، كالفيديرالية، والكونفيديرالية، واتحاد السوق، في حال تطلبت مصالح هذه الشعوب البقاء في إطار كيانات تحميها.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى