صفحات العالم

الانقلابية السورية؟

 


حسن البطل

أعرف. يتبادر إلى أذهانكم انقلاب الجيش على الحكم والنظام. لا أقصد هذا الجانب الغني من تاريخ العسكر والحكم.. بل أعني انقلاب الدور من لاعب إقليمي إلى لعبة، ومن مصدّر للشعارات والمشاكل إلى مستورد لها!.

مع هذا، سأختصر ما يتبادر إلى الذهن، وأقول: سورية هي بلد الانقلابية العربية ـ العسكرتارية الأول، ففيها حصل أول انقلاب عسكري على النظام، قاده الزعيم (العقيد) حسني الزعيم، وأحفظ من شعارات أشياعه: “ما في زعيم إلاّ.. حسني الزعيم” (لاحقاً في العراق: لا زعيم إلاّ كريم قاسم؟) وتلاه انقلاب الزعيم أديب الشيشكلي مرتين.. وأحفظ من شعارات معارضيه: شيشكلية عتيقة.. شيشكلية جديدة”!

هذان الانقلابان، لا يعنيان أن سورية ـ الاستقلال لم تكن رائدة عربية من رواد الحكم البرلماني، مثل رئاسة رشدي الكيخيا وشكري القوتلي، الذي تنازل عن التنافس مع جمال عبد الناصر بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة.. فنال وسام “المواطن العربي الأول”.

لكن الوحدة السورية ـ المصرية، أيضاً، كانت انقلاباً سياسياً، فهي تمت برغبة شعبية جارفة حقاً، لكن بقيادة الضباط القوميين ـ الناصريين في الجيش السوري. الانقلاب العسكري الانفصالي أيلول 1961 وُوجِهَ بالمعارضة الشعبية العامة، واستمر أقل من عامين، حتى الانقلاب العسكري “الناصري” ـ “البعثي” في آذار 1963.

ناصر رفض دعوة الضباط القوميين ـ الوحدويين لاستعادة الوحدة. قال: غير مقبول عليّ وحدة تحت ضغط العسكر. انفصال عسكري.. ثم وحدة تحت ضغط العسكر!

بين أعوام 1961 و1966 تتالت الانقلابات العسكرية، وأقساها وأكثرها دموية كان انقلاب اللواء البعثي أمين الحافظ على اللواء الناصري لؤي الأتاسي (شغل أمين الحافظ سبع حقائب: من قائد الجيش إلى الحاكم العرفي)، ثم انقلاب البعثي القومي صلاح جديد على أمين الحافظ، وكان أول قتال جرى داخل الجيش السوري، لأن الانقلابات العسكرية السابقة كانت سلمية وشبه سلمية.

انقلاب وزير الدفاع حافظ الأسد عام 1971 على القيادة القومية (رئيس الدولة صلاح جديد ـ رئيس الوزراء يوسف زعيّن) كان مديداً وهادئاً وسلمياً، أيضاً.. وبه دخلت سورية عهداً لا سابق لها به، أي عهد الاستقرار، وخاض الأسد الكبير، حروبه الخارجية (لبنان، العراق، منظمة التحرير الفلسطينية، حزب العمال الكردستاني). وملأ شوارع سورية بصوره وتماثيله، وأدخلها مرحلة عبادة الفرد.. وقمع بلا رحمة تمرداً إخوانياً في حماة، سوف يشكل “عقدة خوف” كأداء أمام الشعب.. لن تتحطم إلاّ مع الانتفاضة الحالية.

بعد أزمة اقتصادية طاحنة أواسط الثمانينيات، دخلت سورية حقبة تنمية ملحوظة و”ثورة زراعية” وعمرانية، وأيضاً، غدت “جزيرة استقرار” وسط فوضى في لبنان والعراق وفلسطين.. وأهم شيء، هو إعادة هيكلة الجيش ليغدو “جيشاً عقائدياً” أي جيشاً موالياً للحزب البعثي الحاكم، وكذلك “تبعيث” الأجهزة الحكومية. استقبلت سورية مئات الألوف من النازحين اللبنانيين والعراقيين، وقبلهم عشرات الآلاف من الفلسطينيين بعد “أيلول 1970” في الأردن، و”حرب لبنان”، أيضاً.

لصالح سورية ـ البلد، سأقول: النزعة الوطنية القومية الاستقلالية قوية جداً في سورية، سواء سورية الليبرالية أو العسكرتارية. لا يمكن الادعاء بأن حاكماً سورياً كان موالياً للأجنبي، وبقيت الصداقة مع روسيا السوفياتية والروسية حذرة، خلاف مصر مثلاً، التي انقلبت من صديقة لموسكو إلى صديقة لواشنطن. سورية دولة عربية وطنية بامتياز، وفيها أعرض فئة ثقافية عربية قياساً لحجم سكانها، نظراً لمجانية التعليم الأكاديمي.

النظام تكلّس في مبناه، لكن شعاراته القومية لم تتكلّس، وبقيت فلسطين هَمّ الشعب والنظام، ولكن وفق رؤية وحسابات الشعب “القومية” والنظام الاستئثارية ـ الأبوية.. وانفجار الانتفاضة كان متوقعاً، لأن الشعب السوري شبابي جداً، والمثقفون لا يجدون عملاً كافياً ومُرضياً.

الآن، سورية تغلي. الشعب على حق في مطالبه بالإصلاح والتغيير، والنظام على درجة من الحق بالزعم أنها “مؤامرة” على سورية العروبة (بعد تحطيم العراق ولبنان وفلسطين).. هذه أول ثورة عربية تحصل في بلد عربي وتدور حول الشعار القومي والواقع الوطني (خلاف مصر وتونس وليبيا واليمن).

هل أن الرئيس الشاب بشار غدا أسير الطائفة، والطائفة أسيرة العائلة.. والنظام أسير “عبادة الفرد” الأب، والابن.. وحتى الشقيق باسل الأسد؟ أم سيطر على النظام تحالف الضباط البعثيين مع برجوازية جديدة متحالفة مع البرجوازية الشامية والحلبية؟

الجيش السوري قد لا ينشق وينقلب على النظام، فإن فعل فإن على نظام مقبل أن يعيد بناء مؤسسة الجيش من أساسها، لتعود مؤسسة وطنية كما كانت قبل الانقلابات العسكرية البعثية.

للأسف، سورية اللاعبة عادت لعبة وتسير نحو عزلة إقليمية ودولية، وصارت بلداً مصدراً للاجئين بعدما كانت بلداً يستقبل اللاجئين من دول الجوار.

العروبة السياسية هي شمال خط العقبة ـ البصرة، حيث التنوّع الديني والمذهبي والقومي، خلاف الجناح الإفريقي عموماً. العالم العربي الجديد يولد في سورية أو يموت!.

 

الأيام

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى