صفحات سورية

الايديولوجيات و”الأنا” الغت الرموز والقادة في الثورة السورية


إبراهيم إبراهيم

في تاريخ الأمم والشعوب رجال عظماء يظهرون في لحظات الحسم التاريخي التي ترتبط بمصير شعوبها و أممها ، رجال تتفاعل معها كل عناصر الزمكان يخلقون منطق اللحظة التي ينتمون إليها بنبوغهم الفكري و وعيهم المعرفي لتنقلب معادلة القوة الكونية من مسيِّر إلى مسيَّر بفعل قوة الفكر و المعرفة لديهم , يتبعهم التاريخ بعناصره و يحسمون المعركة في لحظة الصحوة من العهود السوداء الظالمة ليبتكرو فلسفة اللحظة الجديدة التي صنعوها و يحسمون معركتهم الابدية ضد ظلم الطبيعة أولاً و ضد ظلم البشر للبشر ثانياً و تلغي عناصر الكبح الحضاري و التقدم البشري.

هذا هو منطق الحراك التاريخي و هذه هي ديمومة المجموعات البشرية على خلاف أصنافها و انتماءاتها الزمانية و المكانية و الاجتماعية , من زرادشت إلى جلجامش (Gilgamesh) و عيسى ( ع ) و محمد ( ص ) و من بعدهم سقراط و افلاطون إلى بسمارك و ماركس و غيفارا , هتلر, موسو ليني سلطان باشا الاطرش و ابراهيم هنانو و عمر المختار و غورباتشوف حديثاً.

هؤلاء من غيروا المسار التاريخي للفكر الانساني و هم من خططوا و قادوا الثورات في الفكر و ضد قوى الطغيان و الاستبداد وأصبحوا رموزاً لشعوبهم و للعالم سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر و أصبحوا بعظمتهم الجزء الاساسي في التأثير و بقوة في الفعل الجماهيري و وعيه الساعي لعملية التغيير لتكتمل معادلة تحرير الانسان و بناء الحضارة و تتكافئ طرفيها الاول وهي تلك الرموز الرجالات العظيمة و الثاني الشعب تلك القوة و المحرك الاساسي في عملية الحراك ورسم ملامح المرحلة و التي ينتمون إليها والقادمة.

في سوريا و حدها و على عكس تاريخها القديم و الحديث و المليء بالعظماء و الرموز , لم تكتمل معادلة التغيير الثورية المنشودة , فالعظيم و الرمز الموجود هو الشعب , المحرك الاساسي لهذه العملية التاريخية الجارية في سوريا و هو الوحيد القادر للسيطرة على عناصر اللحظة و عناصر المكان لكن…. المحرك العظيم هذا ينقصه المقود و الوقود أي النخبة و القادة الذين سيقودون هذا المحرك في هذه الثورة , ينقص الثورة رمز الوطني كبير , رمز شامل يجتمع حوله الشعب السوري بأكمله , ككل الثورات العربية التي اجتمعت حول قائد أو على الاقل رمز لها , ففي تونس اجتمع الشعب على الشهيد محمد بوعزيزي كرمز لبدء اشتعال الثورة و في مصر كان وائل ابو غنيم و في ليبيا كان مصطفى عبدالجليل و في اليمن ظهرت توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام.

إلا في سورية لم يظهر سوى أسماء الشهداء العظماء القادمين من قلب الجرح السوري , لم يظهر في سوريا سوى رمز واحد هو الشعب في بابا عمر و الرستن و ادلب و القامشلي و حماه وادلب و درعا لكن…. و هنا سأطلب المعذرة من هذا الشعب العظيم بتضحيته , و سأطلب السماح من مشعل و القاشوش و ساروت و فدوى سليمان و… و… و… و ما أكثرهم , لأدخل و بكل تواضع في صميم العملية التي سرتم بها و يسيروا بها الشعب السوري من بعدكم ليس لأهدم و لا لأجرح كما سيقولها البعض المتسلق و الجاهل بل لأرمم و أبني و أُظهر , و كمواطن سوري مناطق الخلل في ثورتنا التي يحاول البعض من الطارئين عليها خربشتها دائماً بعقليته القروية و العشائرية لا بل الدينية المغلقة و ايديولوجيه المغامرة.

إن الشعب كما ذكرنا سابقاً هو وقود التاريخ و هو الاساس في الحراك التاريخي و لكن…. هل صحيح ما تتبناه المعارضة السورية على الاقل واقعياً و علمياً و سياسياً بأن ( الشعب أو الجماهير ) هو الذي يجب أن يقود و يرسم خارطة الثورة و يخطط للتعامل مع الظروف التي تمر بها الثورة…؟؟ و هل هذا هو المنطق العلمي و السياسي الذي سيقود إلى انتصار ثورتنا…؟؟… أم أنها شعارات و فلسفات تبرر بها عدم إدراكها الوعي السياسي المطلوب للتعامل مع الحدث.

 إن قاعدة الانطلاق لدى قوى المعارضة السورية هي الشعب هذا منطق تاريخي و لكن… يقابله منطق آخر و هو أنه لا يمكن للشعب أن يقود المعارضة أو الثورة أقصد هنا اساليب و وسائل الحراك الثوري و وضع قراءات سياسية علمية للظروف التي تمر بها و رسم رؤى واضحة و خطط عمل للثورة و ما يليها من مستقبل سواء كان المستقبل اخفاقاً أو نجاحاً و عدم الإمكانية هذه محصورة في أسباب كثيرة و كثيرة و من أهمها : أن الشعوب عادة و خاصة الشعب السوري يضم بين طياته شرائح اجتماعية و ثقافية و علمية و جاهلة ” أمية ” و بسطاء من قروين و بائعين متجولين و العمال و الفلاحين و النساء و الاطفال ذات اختلاف واضح في المنبت الثقافي و المعرفي و هذا ما يخلق مجموعة من التناقضات الاجتماعية و الثقافية و السياسية التي عادة ما تقف حائلاً بين التوحيد في وجهات النظر في القضايا التي تهم هذا الشعب وهذه الحالات العادية , فكيف بحالة حراك سياسي ثوري يصعب السيطرة عليه و وضع سياسات للتعامل معه…؟؟؟ أضيف إلى ذلك أن ثقافة و وعي الشعب المختلف عمودياً لا يستطيع و خاصة في عالم كعالمنا اليوم المتشابك و المعقد بمفاهيمه و مصالحه و قواه التكنولوجية و ملعب السياسة الكبير و التي تحتاج للاعبين كبار و عظماء ليمتلك زمام المبادرة و الامور , إن الديمقراطية و الحرية و المدنية بمفهومها السياسي و العلمي و الاخلاقي ليست منوطة بكم من الشهداء يسقط أو سيسقط , و بحجم الدمار الذي سيلحق بالوطن , و ليس أن فقط أن تطلق بأعلى صوتك شعارات طنّانة , إن العملية الثورية و الحراك الثوري المطالب بالمبادئ الاساسية لحقوق الانسان من الديمقراطية و الحرية و التنمية تتطلب عقول عظيمة و رموز وطنية بمستوى العصر والوطن يؤسس مفاهيم و رسائل فكرية و سياسية , يُنتجها من قراءاته الصحيحة و العلمية عن اللحظة الاجتماعية التي ينتمي إليها و ليس الظهور فقط على الشاشات الملونة و الفنادق الضخمة و إطلاق فلسفات إنشائية فارغة و حذلقات سياسية التي لا تعبر بشكل صحيح عن الواقع , و رغم هذه الحقيقة العلمية فإن أكثر قيادات المعارضة السورية مازالت دون المستوى المطلوب و مازالت تجتر الفلسفة نفسها , فلسفة الشعارات و الوطنيات.و في ذلك شقان من الخطورة على الثورة السورية:

 أولا : إذا كانت ما تسمي نفسها قيادة الثورة تعلم هذه الحقيقة أي حقيقة أن الرجال أو النخبة هي التي تخطط و تقرأ و تصنع التاريخ و الشعب داعم و أن ضعف خططه و حججه في إقناع الشعب بذلك يجعله دائماً يبرر أن الشعب هو الذي يقرر و نحن ننفذ و بذلك تكون العملية الثورية في خطر لأن من يقودها هو الشعب هو البساطة و اللاوعي و المتناقضات و عدم و جود خبرة و تجربة سياسية لمن يقود الثورة و خاصة إذا كانت هذه الثورة ضد نظام مجرم معقد مجنون.

أما الخطر الثاني : و هو أن هؤلاء أو من يسمون أنفسهم قيادة يضحكون على أنفسهم أولاً و على الشعب ثانياً و على التاريخ و الوطن ثالثاً و يجعلون من الشعب حصان طروادة و دماء الشهداء علاّقة لجهلهم مبررين أمراضهم النفسية و قلة إدراكهم بالمفاهيم الحديثة لقياد العملية الاجتماعية و السياسية.

و الحقيقة أن ما يحدث في سوريا ثورة ضد نظام ديكتاتوري مستبد و بكل المعايير و المقاييس بمعنى آخر ثورة سياسية اجتماعية اقتصادية بكل ما تحمل من معنى و هذا ما يحتم ظهور رجال و قادة اليوم قبل الغد , رجال و رموز وطنية قادرة على استيعاب الحالة و عناصرها , مؤثراُ , تلتم الجماهير حوله و حول فكره و عيه , مدرك لحقيقة اللحظة التي يعيشها تفادياً لظواهر سلبية أخرى تسيء للثورة و مجرياتها وعلى مستقبلها , إن ثورة تطالب بالحرية و الديمقراطية تعيش في خطر أزمة يفتعلها البعض و هي بالفعل ستكون كذلك إن لم نستطع التعامل معهما بعقلانية و واقعية سياسية , علينا أن ندرك أن المفاهيم تغيرت و أن المعادلات السياسية التي كانت سائدة في فترات سابقة تغيرت و أن العالم يتابع عن كثب ثورتنا و أن لعبة القوانين و المعادلات و السياسات و المصالح التي تقودها و تنتجها القوى العظمى من اقليمية و دولية و على ضوء ما ينسجم مع مصالحها و ايديولوجيتها هي التي ستحدد و بنسبة كبيرة انتصارنا أو إخفاقنا.علينا أن نعي المسار الحقيقي للعملية الثورية الجارية في سوريا والتي تملك خصوصية لم تملكها الثورات الاخرى و أن نكون على قدر المسؤولية الاخلاقية على الاقل تجاه أولاد و امهات الشهداء بان نتغلب على العقليات غير القادرة على التحرر من أطرها المغلقة التي صنعت في المعامل المهترئة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى