صفحات العالم

البرج السوري

 


ساطع نور الدين

في خطابه في مدرج جامعة دمشق، قال الرئيس السوري بشار الأسد إنه ليس حاكما مطلقا. هو مجرد مرجع او حكم بين الدولة وبين الشعب. وقد قام بهذا الدور منذ بدء الأزمة، وسيظل يقوم به، الى ان يقول الشعب ماذا يريد، وإلى ان تنفذ الدولة مشيئته من دون زيادة او نقصان.. حتى ولو استغرق الامر شهورا او حتى سنوات. أكد انه يريد الاصلاح، لكن القرار ليس له، بل التوقيع فقط.

لم يكن الاسد يتكلم بالثقة المفرطة في النفس، التي اعتاد الظهور بها حتى في أحلك الظروف. افتتح خطابه بالقول انه يريد ان ينفي شائعات تناولته شخصيا وتناولت عائلته. لم يذكر تلك الشائعات، واكتفى بالإشارة الى ان ظهوره امس هو الرد عليها، لكنه ترك الانطباع بأنها تمس موقعه، اكثر مما تتعلق باجتهادات سياسية داخل النظام حول سبل الخروج من الازمة، او حول الاصلاح وشروطه وسرعته.

لم يرد الاسد على اي من اسئلة الشارع، او توقعات الخارج. قال ان الشعب يريد الاصلاح وكذا النظام. المشكلة هي فقط في التواصل المقطوع بينهما، الذي عوضه هو شخصيا بلقاءات مع مجموعات مختارة من ابناء المحافظات والمدن السورية، وخرج منه باستنتاجات بديهية عما يمكن ان تنشده وفود شعبية تتوجه الى القصر الرئاسي بدلا من ان تتوجه الى مقرات رسمية او سياسية او حزبية اخرى، لنقل مطالب او مظالم تكاد تكون شخصية.

لم يقدم اي تنازل جدي. وعد بتوسيع هامش العفو عن الاخوان المسلمين كأفراد، لا كتنظيم، وباعادة الحقوق المسلوبة منذ الثمانينيات الى اصحابها، او بالاحرى الى ورثتهم. وأشار الى انه يعارض الغاء المادة الثامنة من الدستور التي تنص على ان حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع، لانه يميل الى وضع دستور جديد لسوريا. واقترح تأجيل الانتخابات النيابية المقررة في آب المقبل، والتركيز على القانون الانتخابي، وعلى قانوني الاحزاب والاعلام، وغيرها من القوانين الاصلاحية التي انجزتها اللجان او تكاد.

المشكلة ليست في القصر. هي في الشارع الذي يجب ان يتوقف عن التظاهر والهتاف وعن خرق الامن والوحدة الوطنية، وأن يأتي الى لجنة الحوار الوطني وقبلها الى الهيئة التشاورية التي ستعود الى الانعقاد خلال ايام، وهي ايضا في النازحين الى تركيا الذين لم يعد هناك مبرر لبقائهم بعيدا عن بلداتهم وقراهم.. وهي كذلك في المؤامرة الخارجية، التي أحجم عن تفصيلها وتحديد مصادرها وأدواتها، وترك الامر الى موعد لاحق.

كان الخطاب اقرب الى عرض وساطة قدمته جهة خارجية، بدأت للتو في جمع المعلومات والوثائق عن الأزمة، وقررت ان الوقت قد حان للتدخل.. لكن عرضها جاء متأخرا ثلاثة اشهر، شاهد فيها السوريون بلدهم ينهار، وشهد فيها العالم كله ان في دمشق برجا مقفلا على الاصوات التي لا تزال تنادي باتخاذ خطوات جدية سريعة من اجل تفادي الكارثة الاكبر من تهاوي البرج.

السفير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى