صفحات العالم

تنحِّي بشار من الإعلام إلى طاولة الحوار


محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ

كلُّ المؤشرات والتوقُّعات تؤكد أنّ النظام السوري في طريقه للسقوط، ونهايته آتية لا ريب فيها، ومع ذلك نجد أنّ بشار يتشبّث بالبقاء رغم أنه مستحيل. والسؤال الذي يطرحه السياق: لماذا لا يستفيد من الفرصة الأخيرة للنجاة بنفسه وبأهله وذويه وأركان نظامه من نهاية القذافي، ويقبل بالخروج والتنحِّي كما فعل الرئيس اليمني؟

نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل، كان أهم مسؤول من النظام أشار إلى أنّ تنحِّي بشار أمر ممكن ؛ وكان تصريحه هذا إبان زيارته إلى روسيا وللمكان دلالاته، ولكنه – كما قال – يجب أن يكون هذا التنحِّي من خلال الشعب السوري ولا يُفرض عليه من الخارج. هذا التلميح اعتبره كثير من المتابعين أول تصريح لمسؤول سوري كبير يتحدث عن التنحِّي، ويعتبره ضمناً ممكناً، غير أنّ العائق – كما فهم من تصريحه – هو (إجرائي) وليس اعتراضاً على الفكرة نفسها، أي أنّ فكرة تنحِّي بشار عن السلطة يجب أن تتم (إجرائياً) من خلال السوريين وليس من الخارج. هذا المسؤول عاد وحاول أن يُقلل من أبعاد مقولته تلك، حين صرّح للتلفزيون الرسمي السوري وقال: (تفاجأت بشكل كبير من ردود الفعل التي بدأت من البيت الأبيض ووصلت إلى قناتي الجزيرة والعربية، حيث قاموا بتشويه ما قلته في موسكو والذي لم يكن موقفاً جديداً، بل تحدثت عنه أكثر من مرة، وهو أنّ التنحِّي كشرط لبدء الحوار هو شرط تعجيزي ويمنع بدء الحوار، والقصد منه عدم بدء الحوار، ولكن بعد أن يبدأ الحوار لا يمكن لأحد أن يمنع أحداً من اقتراح ما يريد إذا اتفقنا على مبادئ الحوار العليا، وهي رفض التدخل الخارجي والعنف بكل أشكاله) .. انتهى. واضح أنّ قدري جميل رغم محاولته التقليل من انعكاسات تصريحه، بقي مصرّاً على أنّ المشكلة إجرائية وليست مستحيلة، ولم يلغ الفكرة أو (يلحسها) كما قيل في حينه؛ وهذا يؤكد أنّ التصريح كان مقصوداً، وأنه كان بمثابة بالونة اختبار على ما يبدو.

ولأنّ الهدف كما يقولون: (أكل العنب وليس قتل الناطور) لماذا لا تتخلّى المعارضة – ولو تكتيكياً – عن شرط تنحِّي بشار قبل التفاوض، وتجلس مع النظام على طاولة واحدة خارج سوريا، دون أن تلتزم بإلقاء السلاح (وهذه نقطة جوهرية)، وتطرح تنحِّي بشار على طاولة الحوار، وتسمع ردود أفعال النظام، بدلاً من إزهاق مزيدٍ من الأرواح؟

كلُّ المؤشِّرات تقول إنّ إصرار بشار وحلفائه على الحوار (أولاً)، وإصرار المعارضة على تنحِّي بشار (أولاً)، يجعل حل القضية لا يبدو متاحاً على الأقل في الأمد المنظور، فمسرح الأحداث اليوم يؤكد أنّ حسم القضية عسكرياً مُتعذّر سواء بالنسبة للنظام السوري أو للمعارضة، والثمن هذا الكم الهائل من الدماء الذي يتزايد مع كل يوم جديد، إضافة إلى مليوني لاجئ داخل سوريا وخارجها، وهذا الدمار الرهيب الذي لم تسلم منه مدينة أو قرية سورية، فضلاً عن أنّ انعكاسات استمرار هذه القضية كما هي عليه، قد يُعرّض المنطقة برمّتها إلى تبعات في غاية الخطورة، خاصة على دول الجوار السوري، وبالذات على لبنان تحديداً وكذلك الأردن وإنْ بدرجة أقل.

ربما أنّ العائق الوحيد لتنفيذ هذا الاقتراح الذي أراه مخرجاً معقولاً وفق الظروف الراهنة، هو أن تتحد المعارضة تحت تنظيم واحد، يكون بإمكانه أن يفاوض النظام ويفرض شروطه، وهذا ما يجب أن تتبنّاه القوى العالمية الفاعلة، وتضغط بكلِّ قوة على فصائل المعارضة، للانضواء تحت تنظيم تمثيلي واحد، يضم أغلب أطياف المعارضة في الخارج والداخل؛ فالوضع لم يَعُد يُحتمل، ولا بد من إيجاد مخرج لهذه القضية الدموية المدمّرة، وإخراجها من الطريق المسدود التي وصلت إليه.

إلى اللقاء.

الجزيرة السعودية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى