سمير سليمانصفحات مميزة

التدخل الخارجي : إنهاء النظام مقابل إنهاء الثورة: سمير سليمان

 

سمير سليمان

      يتواتر الحديث عن سيناريوهات الحل القادم للصراع في سوريا ,عبر التدخل الخارجي لمجموعة دول , بقيادة أمريكية بالطبع . وتتشارك جميع تلك السيناريوهات , المتخيلة أو المفترضة , بكونها تحقق مصالح الدول المعنية بالتدخل , وتهمل مطلب الشعب السوري الرئيسي في الدولة الديموقراطية الحديثة . وتكتسب هذه الإفتراضات معقولية متزايدة لسببين : الأول أن الصراع الداخلي في سورية ينحو بشكل مطرد لتتوضع شروطه وآفاقه بما ينسجم والشروط الخارجية للتدخل والحسم , مبتعدا أكثر فأكثر عن شروط وأهداف الثورة التي قامت من أجلها , أي شروط بناء دولة المواطنة , دولة الديموقراطية لجميع السوريين . والثاني : بسبب الشلل والضياع الذي أصاب الثورة , والذي خلقه عجز المعارضة السياسية عن قيادتها , وتمثيلها , وبلورة برامجها , مما خلق فراغا سياسيا لايتناسب مع الإنجازات العسكرية المحققة على الأرض , من قبل الكتائب المسلحة المتنوعة الأهداف والإنتماءات . وهذا ما يجعل من مسألة إنهيار الدولة خطرا حقيقيا باتجاه حلول الفوضى كبديل عن الثورة . فإذا كان هذا التصور ممكنا ومحتملا , يصبح من اللازم طرح التساؤلات : ماهو الشكل البديل لدولة الأسد ولنظامه الذي يمكن للحسم الخارجي أن يقدمه ؟ وماهي معالم الهوية السياسية لتلك الدولة ولذلك النظام ؟ وكيف يمكن ترتيب العلاقة بين طوائف المجتمع السوري وأعراقه , بعدما بلغت هذه العلاقة ذروة التأزم خلال الثورة ؟

     طبعا , ليس للولايات المتحدة والدول التي تقف خلفها في الموضوع السوري , حرية مطلقة في العمل بالساحة السورية . فهناك , من جهة , النظام وحلفاؤه , والأصح القول : إيران وحلفائها , النظام السوري أولا , ثم يأتي البقية : روسيا وحزب الله والميليشيات الشيعية التي يمكن لإيران أن تدفعها بزخم أكبر للمشاركة بالدفاع عن النظام , مثل جيش المهدي وفيلق بدر ومجموعات من الباسيج .. الخ . كما نفترض أن المجموعات الجهادية الإسلامية السنية سيكون لها نشاطها المستقل ضد السيناريو الأمريكي المقترح . وهناك , من جهة ثانية , العناصر الأصيلة , الداخلية , للثورة السورية , وهي هنا الجيش الحر أساسا , والتيارات والقوى الإجتماعية المتفاعلة مع الثورة . ونفترض أنها ستتعاون مع هذا التدخل بعد تحقق شرطها المتبقي الوحيد : إزالة الأسد وكبار معاونيه المجرمين الوالغين بالدم السوري . وهو شرط مقبول الآن عند الأطراف الداعمة للتدخل والدول التي ستنفذه . أما المعارضة السياسية التي يمثلها الإئتلاف والمجلس الوطني , فسيكون دورها تعبئة الفراغ حيثما سيكون ذلك ضروريا لاستكمال السيناريو من وجهة نظر الأطراف الداعمة لها .

     هل يعني هذا أن شروط التقسيم أصبحت متوفرة ؟

    يبدو أن إيران أصبحت مقتنعة مثل الجميع , بعدم إمكانية نظام الأسد , ليس فقط في استعادة المناطق خسرها , بل في العجز عن البقاء في المناطق التي لايزال يسيطر عليها حاليا . فالتقسيم إذن , يمكن أن يكون , بالتصور الإيراني , حلا مشتركا مع دول أخرى , يحافظ على مصالحها ونفوذها على الساحل السوري , ويرضي حليفها الأسد والطائفة العلوية من ورائه , كما يضمن بقاء واستمرار حزب الله في لبنان . وتركيا , من جهتها , قد يناسبها التقسيم كحل لمشكلتها المزمنة مع الأكراد السوريين , وبما يحقق شهية الأكراد في الإستقلال كما جرى معهم في الحالة العراقية . أما إسرائيل , فالتقسيم يحقق لها هدفا استراتيجيا فيما يتعلق بشروط سيطرتها على مرتفعات الجولان , وبشروط بقاء هيمنتها في المنطقة عموما . أما الأردن والعراق , فلا رأي لهما في الموضوع , بل لأمريكا ودول الخليج بالنسبة للأردن , ولإيران بالنسبة للعراق .

    ولكن قد لاتشكل التوافقات الدولية بالضرورة شرطا كافيا لتحقيق التقسيم , فإذا كان تقسيم سورية يتوافق مع مصالح أطراف إقليمية عديدة , فإنه لايشكل حلا يؤمن الإستقرار الإقليمي والدولي , فتشابك الأمن القومي في سورية مع الأمن الإقليمي والعالمي هو ما يعطي سورية أهميتها الإستراتيجية , ومايعطي ثورتها خطورة عظيمة , وأهمية فائقة , إقليميا وعالميا . وهذا مايعيدنا للمعطى الداخلي للصراع في سورية , فمن المؤكد أن الأكثرية السنية من الشعب السوري لن تقبل بالتقسيم , ولو أضطرها ذلك إلى الآستمرار بالقتال . والمثال العراقي لايصح على الحالة السورية , فإذا قبلت الأكثرية الشيعية في العراق بالتقسيم وبالدولة الطائفية على أنقاض دولة الإستبداد البعثي الصدامي , فقد تحقق ذلك بتنفيذ أمريكي ومشاركة غربية , وتشجيع إيراني , ليتضح فيما بعد أن المستفيد الأكبر من ذلك هي إيران والقوى الجهادية بنوعيها , الشيعية والسنية . فلا نرجح بالتالي أن تعيد أمريكا نفس السيناريو الذي يحقق المصلحة الإيرانية قبل أية مصالح أخرى , بل سيكون على الضد من المصالح الغربية في المنطقة . ومن وجهة نظر الصراع السني الشيعي , سيكون تقسيم سورية تكريسا للنفوذ الشيعي على ساحل المتوسط في سورية ولبنان , وتفويتا للفرصة في وضع حد لهذا النفوذ . وهنا سيكون لدول الخليج العربي كلمة قوية ضد تقسيم سورية , من وجهة النظر هذه .

   بهذا المعنى , ستلعب الطائفة السنية في سورية , موضوعيا , دور الضامن لوحدة البلاد , بغض النظر عن سلوكها الطائفي في صراعها مع النظام . إذ أنها سوف تضطر إضطرارا , لأخذ دور الأمة , في مرحلة تشتت وتفسخ هذه الأمة وصراع مكوناتها الإجتماعية . وهي من سيقرر في النهاية علاقة الأقليات الطائفية والعرقية معها . وبهذا الشأن , لايستطيع المرء أن يتفاءل كثيرا , فهذا دور المعارضة الديموقراطية القائدة للثورة , والناطقة بأهدافها , والصائغة لبرامجها . المعارضة التي لاتزال مفتقدة في الثورة السورية , كما هي مفتقدة في عناصر هذا المقال .

   لجميع سيناريوهات التدخل الخارجي عرض واحد يقول : نحن سننهي لكم النظام , وأنتم , أيها السوريون , عليكم بإنهاء الثورة .

 فهل سيقبل السوريون ؟ نعم سيقبلون .

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى