بدرالدين حسن قربيصفحات سورية

التغيير السوري على غير الطريقة القذّافية


بدرالدين حسن قربي

مانشرته الصحافة والمواقع الإخبارية السورية منذ أيام عن مقابلةٍ في الصندي تلغراف مع بشار الأسد والتلفزيون الروسي، يذكرنا بكلام ملك ملوك أفريقيا الراحل، الذي اختار مظاهرة مليونيةً له في طرابلس أول تموز/يوليو الفارط ليطلق وعده ووعيده الدولي، في حين أن الأسد اختار صحيفة بريطانية وفضائية روسية ليكون التالي في توعده وتهديده العالمي.  مايعنينا فيما قاله القذافي الراحل والأسد المحتضر عدم وجود كبير فرق بين تهديد الاثنين ووعيدهما في مواجهة حتميّة التغيّر والتغيير التي حانت ساعتها، فأودت بالأول، ومازالت تلاعب الثاني المتجاهل لمصير سلفه وخبره، والنائم على أوهام السلطة الموروثة المؤبّدة.

مصير القذافي المهين ومصرعه إلى جانب أحد أقنية الصرف الصحي يؤسس لطريقة حديثة في دولٍ من مثل بلاد القذافي، وزعاماتٍ من أمثاله ومشتقاته عمادها القمع والاستبداد، أسّست وعملت وشقيت وتعبت وناضلت وقاومت ومانعت حتى امتنع فيها ومعها التغيير بالتي هي أحسن. ومن ثم فقد بات تداول السلطة والخلاص من الرئيس المقاوم والقائد الملهم والزعيم الأوحد ممتنعاً بل مستحيلاً إلا من بعد آلاف الطلعات الجوية للطائرات وآلاف الأطنان من القذائف المدمّرة واستخدام أحدث أنواع التكنولوجيا، وانشقاقات في الجيش واستقدام المجتمع الدولي بقواته، ومقتل عشرات الآلاف من الناس ومثلهم من الجرحى والمعوّقين.

أن يكون التغيير والتداول من سنن الحياة، وفي معظم دول العالم شكل من التحضر، وفي غالبيتها غاية في اللياقة واللباقة تسليماً واستلاماً، بعيداً عن العنف والاقتتال والتخريب، فإن أبجدية التسليم والاستلام في بلادٍ تماثيلُ القائد وجدارياته وصوره فيها، وقبيح شعارات التأبيد ومعاً إلى الأبد منشورة مرفوعة في الشوارع والساحات تذكّر المقهورين بعين الرقيب عليهم، هي على الطريقة القذافية التي لابد لتغيير النظام فيها من نشر الموت والدمار وخراب الديار. ولكل من شاهد التداول المعيب والمخجل للسلطة في تونس ومصر، فإن الطريقة الليبية تبقى الأذلّ، والقذافي فيها بقدْره ومقداره ملقى شبه عارٍ على الأرض والذباب يتطاير على جثته، وتتناقل الخلائق صوره عبر اليوتوب بأقبح أنواع الخزي والبهدلة والشرشحة لرئيس آبق طريد بين يدي ثلة من الليبيين.

مايلفتنا أنه لا أحد من الرؤساء الراحلين الأشاوس على اختلاف الحال والطريقة، اعتبر واتعظ من سابقه، فأتى رحيله أشد قباحةً ومهانة من سابقه، والحبل على الجرار والقادم أعظم لنظام فاشي شمولي، يظهر معه النظام الليبي صناعة تقليد.  فالنظام السوري وشبيحته أوصلونا إلى واقع حالٍ من الأسى، نُسام فيه أشد أنواع الجور والإجرام، وتُمارَس علينا فيه كل فواحش التشبيح والبلطجة واللصوصية تحت غطاء المقاومة وحجية الممانعة، وكأن مقاومتهم وممانعتهم مومس داعر لايرضيها أن يكون لأصحابها ذرة من شرف الحرية أو طهر الكرامة، بل ونسوا أن عاقبة الظلم وخيمة، وأن لكل ظالم يوم هو آتيه وإن طال عليه الأمد.  وحسبوا أن لن تطالهم ثورة الربيع العربي فطالتهم وأذلّتهم، وهم في طريقهم إلى الرحيل سِراعاً وإن كانوا يواقحون، وهم وشبيحتهم ودبّيكتهم وأنصارهم يماروون.

النظام الليبي بتركيبته القذّافية قبيح جداً وقميء، والتدخل الأجنبي للمساعدة في تغييره ورحيله ضرره بليغ جداً وكبير، والحرب الأهلية والعياذ بالله أشد وأنكى.  وإنما في إطار هذه القباحة الثلاثية المركبة والمعقدة والخطيرة جداً، يبقى الاستمرار مع رئيس كالقذّافي بشخصه وعائلته ونظامه، هو الأشد قبحاً ووقاحةً، والأقسى مرارةً وفجارةً وبجاحة.  وعليه فلو أننا استبعدنا خيار رحيل الشعب الليبي عن بلده وتَركِ ليبيا للقذّافي وعائلته ومرتزقته، فهل كان من الممكن الخلاص من قائد ثورة الفاتح العقيد الأشوس ورحيله بغير هذه الطريقة من الضحايا والدمار وخراب الديار..؟

قد نجد الجواب على مثل هذا السؤال عند السوريين، وقد نحار فيه اختلافاً واتفاقاً، سببه أن بعضهم يخوّفنا من النهاية المرعبة ليبقينا في النتيجة مع رعبٍ بلا نهايةٍ، وبعضهم يرى النهاية المرعبة أفضل بكثير من رعبٍ مع قمع ونهب لانهاية له.  وحده النظام السوري فيما يبدو حسم جوابه بأن تكون الطريقة القذّافية اللعينة على الأقل قدراً مقدوراً على السوريين ثمن رحيله وتغييره، وإنما هل من الممكن للسوريين أن يقفزوا خارج شباك طريقته ويتخلصوا من قاتلهم وقامعهم وشبيحته بغير هذه الطريقة؟

http://www.youtube.com/watch?feature=player_detailpage&v=4JaASmCFd-4

http://www.youtube.com/watch?feature=player_detailpage&v=j8_PxllppG4

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى