صفحات العالم

الثورة السورية.. الأمور مرهونة بأوقاتها!

 


عطاء الله مهاجراني

كان قصف حماة – وهي مدينة جميلة جدا فيها مواطنون متدينون – أمرا لا يصدق وغير مقبول، ومما زاد الطين بلة أن المدينة تعرضت للقصف من جانب حكومتها ذاتها، وليس من جانب قوات أجنبية!

لا، لست أتحدث عن ليبيا، لقد وقع حادث حماة في سورية خلال شهر فبراير (شباط) 1982.

كنتُ في سورية خلال هذه الأيام، وشهدت حالة الطوارئ داخل البلاد، ورأيت السماء تزخر بطائرات «ميغ». سألت حينها سفيرنا هناك عما يحدث في سورية. قال إن جماعة الإخوان المسلمين داخل حماة قامت بتشكيل بعض المجموعات المسلحة المناهضة للحكومة. وقال إن هناك تقريرا رسميا! ودائما ما نسمع روايتين عن مثل هذه الأحداث، تكون إحداهما رواية رسمية، فيما تكون الأخرى رواية غير رسمية.

كانت هذه صفحة مظلمة جدا ودموية في تاريخ سورية. لكن كما تعرف، فإن هناك من لا يقرأ التاريخ، وإذا قام بذلك، فإنه لا يصدقه، حيث يبدو أنه لا يأخذ درسا من التاريخ. والآن نعرف تفاصيل مذبحة حماة. ويعني ذلك أنه يمكننا سماع أصوات الضحايا.

خلال عامي 1980 و1981، شهدت مدينة حماة الكثير من الهجمات التي أودت بحياة المئات من علماء الدين والشخصيات البارزة والمواطنين العاديين. لكن وفقا لما أفاد به شاهد عيان، وما جاء في تقارير متواترة، فإن ما حدث خلال مذبحة فبراير يمكن تسميته بعملية «قتل جماعي»، فقد قتلت السلطات السورية آلاف الأشخاص، بعد أن قامت باستدعاء القوات الخاصة وألوية الدفاع وألوية نخبة من الجيش (اللواء 47 واللواء 21)، وبالإضافة إلى ذلك كان هناك دعم قوي من القوات الجوية. ولذا أصبحت المدينة منطقة عمل عسكرية كبرى، وقامت المدافع ومنصات الصواريخ بقصف المدينة بصورة عشوائية خلال أربعة أسابيع بلا توقف، جرى خلالها إغلاق المدينة ولم يسمح لأي مواطن بالخروج. ويمكن لك أن تتخيل ما حدث حينها.

وفي هذه الأيام، تعد مدينة درعا هي نقطة المواجهة في الثورة الجديدة داخل سورية. وبعد مرور 30 عاما على مذبحة حماة، نجد أن العالم قد تغير. فهذا وقت الوجبات السريعة! ويبدو أن الوقت الحالي قد أصبح وقت الثورات السريعة أيضا، فمن كان يتخيل أن مصر ستتحول خلال 18 يوما؟ والآن يبدو لي وكأن مبارك من أيام الفراعنة!

يقول الخيام:

غدا سنترك هذا المعبد القديم

وسننضم إلى تلك التي بنيت قبل سبعة آلاف عام

حقا إنه شيء مدهش، فما حدث قبل سبع ثوان يبدو وكأنه قبل سبعة آلاف عام. ويعد ذلك نوعا من الغموض المرتبط بالوقت والبشر. لكن على الجانب الآخر، يبدو التاريخ مثل سلسلة طويلة.

وعلى سبيل المثال فإنه في ذاكرة السوريين التاريخية يوجد رابط بين ضحايا درعا وضحايا حماة، فهاتان المدينتان والأحداث ذات الصلة مرتبط بعضها ببعض.

وفي الوقت الحالي أمامك سؤال مهم جدا: هل يستطيع بشار الأسد أن يسيطر على الأزمة والثورة المحتملة مثلما فعل أبوه حافظ الأسد؟ واضح جدا أن حالة الطوارئ لا تزال قائمة داخل سورية، بعد أن بدأت في عام 1963. ولد بشار في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) 1965، ويعني ذلك أنه عاش حياته حتى الآن في ظل حالة الطوارئ داخل سورية!

وأود التأكيد على الأخبار الواردة بشأن درعا كما نشرت في «سانا»، وهي وكالة أنباء رسمية، و«تشرين» وهي صحيفة حكومية داخل سورية، وكيف يتم التعامل مع الأخبار الواردة بشأن درعا.

كيف تريد سورية أن تتعامل مع المطالب داخلها؟ هذا هو الخبر في صحيفة «تشرين» في عددها الصادر يوم 24 مارس (آذار) 2011: «وذكر مصدر رسمي أن قوى الأمن القريبة من المكان قامت بالتصدي للمعتدين، واستطاعت أن تصيب عددا منهم وتعتقل بعضهم، وسقط شهيد من قوى الأمن، مضيفا أن قوى الأمن ستواصل ملاحقة العصابة المسلحة التي تروع المدنيين وتقوم بعمليات قتل وسرقة وحرق المنشآت العامة والخاصة في درعا. وكشف المصدر أن العصابة المسلحة قامت بتخزين أسلحة وذخيرة في الجامع العمري، واستخدمت أطفالا اختطفتهم من عائلاتهم كدروع بشرية، مؤكدا أن قوى الأمن تقوم بملاحقة هذه العصابة المعتدية التي قامت بترويع سكان المنازل المجاورة للجامع العمري باحتلالها هذه المنازل واستخدامها لإطلاق النار على المارة والقادمين للصلاة، وقد تصدت قوى الأمن لأفراد العصابة المسلحة وقامت بملاحقتهم لتقديمهم للعدالة. وقد عرض التلفزيون السوري صورا للأسلحة والذخائر والأموال التي خزنتها العصابة المسلحة في الجامع العمري بدرعا. وقد وصل أكثر من مليون رسالة (إس إم إس) من الخارج، مصدر أغلبها إسرائيل، تدعو السوريين إلى استخدام المساجد منطلقا للشغب».

لا يعد نشر هذا النوع من الأخبار بالشيء الجديد، حيث إنه إحدى الوسائل التقليدية التي تستخدم في مواجهة مثل هذه المواقف، حيث يقولون إن كل مظاهرة لها أصل خارج البلاد، وإن المتظاهرين يستخدمون أسلحة، وإنهم يحصلون على تمويل من الولايات المتحدة وإسرائيل.. وإن المتظاهرين يريدون أن يقتلوا المواطنين، ويستخدموا الأطفال كدروع بشرية. وكان غريبا تصريح بثينة شعبان، المستشارة البارزة للرئيس بشار (بالاعتماد على تقرير «سنا»): «ودعت شعبان كل وسائل الإعلام حول العالم أن تحاول أن تكون ذات مصداقية في نقل الأخبار والأحداث التي تحدث في سورية، لذلك فإن التلفزيون السوري هو الذي ينقل الحقيقة وليس أي شخص آخر». وأثناء مقابلة مع بثينة شعبان، ألقت القوات الأمنية القبض على مازن درويش.

داخل طهران، وفي 14 فبراير، عندما نزل مئات الآلاف من المحتجين إلى الشوارع من أجل الاحتجاج في ميدان أزدي، قال وزير الاستخبارات إنهم وجدوا رجلا معه قنبلة مولوتوف، وإنه كان عضوا في حركة «مجاهدين خلق». ويظهر ذلك أن الوسائل والكلمات التي تستخدمها الحكومتان الإيرانية والسورية متشابهة.

وعلى الجانب الآخر، عندما ننظر إلى الصفحة التي أنشئت من أجل يوم «جمعة العزة» الموافق ليوم 25 مارس على صفحة «فيس بوك»، يمكن أن نرى الجانب الخفي من الحقيقة. وعلى سبيل المثال، فإنه بشأن ما حدث في درعا يمكن الانتباه إلى هذا التعليق الذي بعث به شخص على «فيس بوك»:

«تحية طيبة؛

نقل الإعلام الرسمي السوري أن عصابة مسلحة قامت بقتل أبرياء في المسجد العمري بمحافظة درعا، وهنا لا بد من لفتة إلى أن محافظة درعا محاصرة منذ أيام بعناصر الأمن وفرقة من الجيش السوري والحرس الجمهوري وممنوع الدخول إليها.. فكيف دخلت العصابة؟

ألا يسيطر بشار على المظاهرة؟ قالت مستشارته البارزة بثينة شعبان إن بشار لم يأمر بإطلاق النار على المواطنين. هل هذا نوع من النفاق؟ هل يريد بشار قبول ما يطلبه السوريون؟ هل يعتقد أن مطالب بلاده مطالب اقتصادية؟».

يبدو لي أن بشار يواجه أياما وليالي صعبة. وربما بحلول عيد ميلاده في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) يكون في منصب جديد!

لقد وصلت موجة تغيير قوية جدا. والآن نحن لسنا في فبراير 1982، لكن في مارس 2011. وكما قيل: الأمور مرهونة بأوقاتها.

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى