صفحات مميزةمازن كم الماز

الثورة السورية – العسكرة , العنف الطائفي , الأقليات , و تضامن شعوب الشرق

مازن كم الماز

الثورة و العسكرة – لا ثورة من دون دماء , سواء من الثوار أم من أعوان الاستبداد , نحن جميعا مثلا ننتظر لحظة معافبة القتلة , بشار و ماهر الأسد , رامي و حافظ مخلوف , الخ , التي ستكون لحظة دموية بامتياز بالضرورة , لكن حديث العسكرة هو حديث عن تكتيك انتصار الثورة و ليس عن سلميتها من عدمه , يصبح السؤال هنا هل يمكن حسم الصراع مع نظام القمع و الاستبداد بالوسائل “العسكرية” , قضية أخرى هنا لا تقل أهمية , هي أن العسكر , خاصة الضباط منهم , هم جنس اعتاد أن يعيش على الأوامر , على تلقيها و تنفيذها بشكل آلي دون تفكير , هذا يتنافى تماما مع الحرية كأسلوب و طريقة حياة بين البشر حيث لا يوجد من يعطي الأوامر و من عليه تنفيذها , أنا شخصيا أشك في هذا الجنس بل و أكرهه حتى كممثل أو قائد للمؤسسة الاستبدادية الأمثل و الأكثر كمالا في المجتمع , كفئة من البشر تتماهى بالطاغية , تضع نفسها فوق الناس , فوق “الناس المدنيين” و تمنح نفسها حق قتل بعضهم , قضية الغاية و الوسيلة هنا ليست مجرد نقاش أخلاقي بحت , بل هي تتلخص في استخدام وسائل تؤدي إلى الأهداف و الغايات المطلوبة و تتوافق مع تلك الغايات , الوسائل التي قد يبدو أنها قد تؤدي إلى ما نريد لكنها تتناقض تماما مع هذا الهدف ستؤدي بنا إلى أهداف و غايات أخرى تتوافق معها و ليس إلى أهدافنا , أنا أزعم أن الثورات التي يقودها ضباط ستكون في النهاية على شاكلة “ثورات” البعث في سوريا و العراق و “ثورة” عبد الناصر , لكي نصل إلى حريتنا يجب أن نستخدم وسائل تتوافق مع هذه الحرية , من بينها بكل تأكيد الجنود العاديون لكن أشك أن يكون من بينها الضباط المحترفون , باختصار و من الآخر , ثورة يصنعها الفقراء و المهمشون لا يمكن أن يحميها جيش نظامي تقليدي على رأسه ضباط محترفون و يقوم على تنفيذ الأوامر بشكل أوتوماتيكي و سحق أو إلغاء شخصية الجنود العاديين , لماذا لا يكون هناك مجند , جندي عادي على رأس الجيش الحر , و لماذا سارعوا بتشكيل مجلس عسكري أعلى على وزن مجلس المشير الطنطاوي في مصر الذي يشكل الوكر الأهم لبقايا نظام مبارك و هيئة الأركان الحقيقية للثورة المضادة هناك , بالمناسبة لهذا الموضوع دلالات اجتماعية كبيرة جدا , ثورة يقوم بها الفقراء لكي ينتزعوا حريتهم و يصبحوا أحرارا و متساوين ستنتج جيشا ثوريا من الأحرار و المتساوين , إذا أردت بلدا لا تريد إعادة إنتاج فقر الفقراء و تهميشهم , بلد سيوجد على رأسها فقير أو الفقراء أي يعيش فيها الفقراء سادة و يحصلون على نتاج عملهم , سيكون على “رأس جيش” هذا البلد أيضا جنديا عاديا بالضرورة , عندما تريد أن تخلق نظاما يساوي بين الجميع , الأكثر منطقية أن يكون إنسانا عاديا على رأس هذا الجيش , هذه فقط صورة مبدئية عن “النظام الجديد” القادم , و أين مكان الناس العاديين فيه , القضية بسيطة جدا , جيوش يقودها ضباط اعتادوا على إعطاء الأوامر ستحمي فقط أنظمة , نخب , تحكم مجتمعاتها , أو شعوبها , “جيوش” يقودها جنود عاديون هي فقط التي تحمي شعوبا حرة , تتألف فقط من بشر أحرار و متساوين , حيث لا سادة و لا عبيد

–                     العنف الطائفي – لأن نقد العنف الطائفي و الدعوة إلى إيقافه أصبحت لازمة تتردد في كل مرة لذلك سأحاول هنا أن أتجاوزها لمحاولة بحث أعمق في ظاهرة العنف الطائفي المتركزة أساسا في حمص , لا شك أنه من السهل دائما تقمص شخصية القاضي و إلقاء العظات على الآخرين , لكن يجب الاعتراف أن الوضع في حمص معقد جدا , الحقيقة أنه معقد جدا في كل سوريا , العنف الطائفي بدأه النظام , هذا ما لا شك فيه , و قد ترافق مع “تطهير” حقيقي لكل من يرفضه بين العلويين أنفسهم , و بدرجة أقل بين السنة أيضا , كما في كل وضع مشابه تصبح الكلمة الفعلية للأكثر تطرفا , و حتى الأكثر دموية , لكن هذا لا يعني أن هذا العنف , مهما حاولنا تبريره و تفهم “أسبابه” , أنه يمكن في نهاية المطاف “تبريره” , أو أنه لا يعني تراجعا حقيقيا على صعيد الثورة , و تفوقها الأخلاقي على خصمها – الديكتاتورية , و حتى في إضعاف قدرتها على التمدد , كلما شابهت خصمك في همجيته , كلما تراجع تفوقك الأخلاقي عليه , هذا لا يمكن أن يعني التسليم بهمجية الخصم و الاستسلام لها , هناك شيء يمكننا الاتفاق عليه – عندما تقاتل دفاعا عن نفسك فأنت متفوق تماما على خصمك الشبيح , عندما تقاتل دفاعا عن حريتك فأنت حتى أكثر تفوقا لأن المجتمعات السلطوية الهرمية تفعل كل ما بوسعها لتحول دون اعتبار الحرية , العيش بحرية , على أنه حاجة إنسانية أصيلة , بل إنها تفعل كل ما بوسعها لتجعل الخنوع شرطا للبقاء على قيد الحياة في معظم الأوقات , عندما تقتل الآخر لأنه آخر فقط أي مختلف فإنك تتحول إلى شبيح أو مشروع شبيح , ما أعتقده هو التالي , مبدئيا يجب التوقف عن محاولة التفوق على شبيحة الديكتاتورية في مجال من هو الأكثر همجية , و يجب ثانيا استبعاد كل إنسان سوى الشبيحة أنفسهم من دائرة العنف , من الواضح أن العنف ضد الشبيحة لن يؤدي لإسقاط النظام لوحده , لكنه ضروري , و ضروري جدا أحيانا , للتخفيف عن الناس أو كبح جماحهم , لكن الوسيلة الأفضل لهزيمة الشبيحة و استئصالهم هي بإسقاط النظام الذي أنتجهم و يستخدمهم ضد الثوار و السوريين عموما , يمكن ملاحظة أن البلطجية في مصر , البلاطجة التابعين لنظام صالح في اليمن , شبيحة الأسد , هم جميعهم نتاج للنظام , لسياساته لإفقار الناس , و في نفس الوقت سلاح بيده لتأديب المحتجين , فقراء تنتجهم سياسات هذه الأنظمة في إفقار شعوبها و من ثم يستخدمون ضد هذه الشعوب بالذات , طابعهم الطائفي الصريح في سوريا هو إذن مجرد نتيجة للواقع السوري , و محاولة النظام العب بالورقة الطائفية بكل قوته , من نافل القول أن ديكتاتورا سنيا سيستأجر شبيحة من السنة , كما كان صدام حسين يفعل مثلا , لكن يجب ألا يغيب للحظة عن أذهاننا أن هدفنا هو سوريا من دون شبيحة , من دون حراس و سجون , من يحتاج الشبيحة و السجون هم الطغاة فقط و ليس البشر الأحرار , إن هدفنا هو إلغاء و استئصال العنف و الإكراه من علاقة الناس ببعضهم , بممارسة الجميع لحريتهم على قدم المساواة , دون أن يكون بمقدور أي كان أن يفرض عليهم إرادته تحت أي مبرر ,

–                     الأقليات – لا شك أن من المهم أن نفهم أن ممارسات الشبيحة و همجيتهم و العنف الذي تستفزه أحيانا من الضحية , تلعب دورا آخر مهم جدا للنظام , هو تذكير طوائف الأقليات بممارسات تشبيحية تعرض لها آباءهم و أجدادهم في الماضي , و على امتداد قرون ربما , من قبل عسكر لدول و سلاطين ادعوا أنهم يمثلون شعارات دينية يستخدمها كثير من الثوار اليوم ليعبروا عن رغبتهم بالحرية , لقد دمرت بيوت آبائهم و أجدادهم , اغتصبت النساء و استبيح عالمهم مرارا على يد هؤلاء , بأمر من سلاطين و أمراء زعموا أنهم يمثلون نفس الشعارات التي يرفعها قسم كبير من الثوار اليوم , تماما كما كان أمراء أوروبا و بابواتها يتسلون بمذابح اليهود طوال العصور الوسطى قبل أن تخلق “الحداثة” الرأسمالية أيضا النازية التي ستجعل اضطهاد و ذبح اليهود سياسة منهجية لدولتها , طبيعي أنه لا يمكن إلغاء التاريخ , و لا يعقل أيضا أن تطالب الناس بتغيير قناعاتهم , الحقيقة أن الحصة الأكبر و الأقسى من قمع النظام على مدى عقود حكمه لسوريا قد انصب على التيارات الإسلامية , صحيح أن كل الحراك السياسي كان مقموعا عمليا , و أن ساحاته اقتصرت على السجون أو أقبية المخابرات أو الاجتماعات المغلقة لأقلية معزولة عن الشارع مراقبة بشدة من أجهزة النظام , لكن القمع الذي مورس على الإسلاميين كان هائلا , و استئصاليا , إن جيلا بأكمله لا يعرف شيئا عن الإسلاميين إلا من خلال الأساطير و الحكايات التي تركوها وراءهم , و إن جزءا هاما من استعادة الحياة إلى الشارع السوري تعني عودة الإسلاميين إلى المجال السياسي بكل تفاصيله , و صحيح أيضا أن هؤلاء الإسلاميين الذين سيعودون قريبا مع انتصار الثورة يستسهلون اللجوء للقضية الطائفية للتعويض عن الضعف المريع , إن لم نقل الغياب الطويل عن المجتمع السوري و خاصة عن الجيل الصاعد من الشباب تحديدا , لكن صحيح أيضا أن خطابهم الطائفي هذا هو عقبة كبرى في وجه هذا الانتصار نفسه , لا يمكن لقوى طائفية أن تمثل وجه سوريا الحرة بالنسبة لطوائف الأقليات , و لا أن “تطمأنها” أو “تكسبها بعيدا عن النظام” , هذا يزيد من تعقيد الظروف التي تعمل فيها الثورة لكنه لا و لن يجعل حرية السوريين عسيرة الولادة , إلى جانب البحث عن مؤسسات يمكنها تجاوز كل هذه السلبيات في ممارسات المعارضة و العسكر و رجال الدين كقيادة للثورة , يجب أيضا طرح فكرة خلق مؤسسات مشابهة , تنسيقيات مثلا , للشارع الذي ما زال خارج الانتفاضة , النظام لا يعبر عن أحد سوى عن أقلية محدودة جدا من القتلة و اللصوص , و على الشارع السوري بكل أقسامه أن يخلق مؤسساته التي تعبر بأصدق ما يمكن عن همومه و هواجسه و أحلامه في نفس الوقت , يمكن لهذه المؤسسات , لهذه التنسيقيات إن شئتم , و للفقراء في الشارع السوري , من كل الطوائف و الأديان أن يتفاهموا عندها مع بعضهم أفضل مما يمكن لرجال الدين و العسكر و الشبيحة أن يفعلوا من نفس هذه الطوائف و الأديان و القوميات ,

–                     تثبت التطورات المتلاحقة أن ما يسمى بالمعارضة السورية قد امتطت قطار الثورة متأخرة فقط لكي تبطئ من سرعة القطار , لا المجلس قادر على الوفاء بوعوده و هو يهرب إلى الأمام فقط بالتشويش على الثوار في قصة التدخل الخارجي التي لا تعد إلا كما قال الكاتب غسان المفلح مؤخرا بتحويل قضية ذبح السوريين على يد النظام إلى قضية فلسطينية أخرى , و لا الهيئة قادرة على تجاوز موقفها النخبوي المتعالي من الثورة و الثوار و المهادن تجاه النظام , أيضا فإن الضباط و رجال الدين هم أسوأ من يقود الثورات , هذا يختلف طبعا عن مجتمعات و دول هادئة مسالمة توادع سادتها و حكامها , كما أن البشر المدربين على قيادة الآخرين و تدجينهم و إعطاءهم الأوامر عندما يكونون مستعدين لتنفيذها كرجال الدين و الضباط هم الأقدر على قيادة شعوب مستسلمة فإن أفضل من يقود الثورات و يصنعها هم أكثر الناس فقرا و تهميشا و تعرضا للاستغلال , أشد الناس تعرضا للإفقار و التهميش و الاستعباد على أيدي الديكتاتورية هم الأقدر على قيادة ثورتهم , باختصار , التنسيقيات هي أدوات هذه الثورة الأقدر على قيادة الجماهير نحو أهدافها , نحو حريتها , و في اصطلاح الديمقراطية المباشرة للجماهير , هي أيضا النواة لممارسة حقيقية لحرية الناس العاديين , أعتقد أن فيدرالية بين هذه التنسيقيات ستشكل القيادة الأصدق و الأقدر للثورة السورية , على المجلس و الهيئة و غيرهما أن يمارسا السياسة بشكل مختلف عن استثمار الثورة و دماء الضحايا , أن يبدؤوا بصياغة تصوراتهم عن سوريا المستقبل , للتنافس السياسي , ليس على إطلاق الوعود و التشويش على الثوار و بيعهم الأوهام أو محاولة إعطائهم دروس و محاضرات فاشلة في صنع الثورات ,

–                     الحقيقة أن نجاح نظام لوردات الطوائف اللبناني في احتواء و إسقاط الحملة المنادية بإسقاطه كان بشكل من الأشكال إضعافا لنضال الجماهير السورية من أجل حريتها , و كذلك تمكن نظام لوردات الحرب الأهلية في العراق من احتواء نسبي للحركات الاحتجاجية المعادية له , هناك واقع موضوعي اليوم هو وجود ترابط كبير بين الواقع السياسي , على صعيد السلطة و الطبقات الحاكمة و بالتالي على صعيد الجماهير , بين العراق و سوريا و لبنان , إن قوى 8 آذار مثلا في لبنان حسمت خيارها نهائيا إلى جانب ديكتاتورية بشار الأسد بسبب طبيعتها الطائفية السلطوية المعادية للديمقراطية , قوى 14 آذار بالمقابل تريد أن تستثمر فقط إنهاك النظام السوري حليف عدوها لكي تحصل على مكاسب أكبر في لعبة المحاصصة الداخلية , نفس الشيء ينطبق عمليا على العراق , هذا يعني أن بناء حركة شعبية جماهيرية من بغداد و أربيل مرورا بدمشق و انتهاءا ببيروت , مناهضة للوردات و ملوك و أمراء الطوائف و من يدعمهم من رجال دين من كل الأديان و الطوائف , و مناهضة للأنظمة القائمة , و لسلطة الطبقات المهيمنة , و أن تضامن الجماهير اللبنانية و العراقية مع نضال و ثورة الجماهير السورية و العكس سيفتح المجال أمام هزيمة القوى السائدة و أنظمتها في كل الشرق , أو في أضعف الأحوال سيعزز نضال الجماهير في كل مكان ضد الأنظمة الطائفية القائمة و ما تمثله من طبقات حاكمة مستغلة , و سيعيد شيئا من العقل إلى الرؤوس الطائفية الحامية التي ترى في الحروب الأهلية و العنف الطائفي مدخلا لسيطرتها على الجماهير , و سيعيد الصراع في الشرق إلى حقيقته , أي صراع من أجل حرية الجماهير و حقها في التحكم بمصيرها و بنتاج عملها و ليس صراعا على السيطرة عليها

مازن كم الماز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى