صفحات سورية

الثورة السورية… ورهان المرحلة


هيفيدار ملّا

تبدأ أي مرحلة شعبية وحراك جماهيري بامتداد واسع، متسارع تارةً ومتفاوت تارةً أخرى، يشوبها بعض الإيجابيات كما لا تخلوا من السلبيات المؤثرة على مراحلها تباعاً، خاصةً في حال تأخرها، الثورة السورية شارفت على عام من انطلاقتها، وهي على عكس باقي ثورات الربيع العربي لم تلقّ الدعم الكافي والمساندة الواجبة من قبل الدول الإقليمية والعربية والعالمية، مما سبب للثورة فجوات جمّة، ومسارات غير معروفة عقباها على الصعيد السياسي القريب، في حين أن الشعب السوري صنع بشجاعته، والتفاف الجماهير بكل مكوناته لوحة بطولية، ومعجزة نادرة لم يرى العالم لها مثيل من قبل، وهو يواجه آلة قتل موحشة وعنيفة يتّبعها نظام يبيد شعبه في سبيل البقاء على الحكّم!!.

برهنت المجريات والأحداث أن سوريا لها خارطة جيوسياسية مغايرة في المنطقة، وهيكلية معقدة في نظامها، مع تنوع أثني وعرقي وطائفي كبير يختلف عن باقي الدول العربية ، كل هذه الفجوات كانت تتطلب تصالب وتلاحم شعبي تغطيه مظلة سياسية. يبدو أن المطلب الأول نجح على أقل تقدير في الشارع السوري، إلا أنه لم يوفق حتى الأن على الأقل في المطلب الثاني بخلق معارضة سياسية حقيقية متفقة على المطالب الجماهيرية وإسقاط النظام، ما أدى لتحمل الشعب وحده عبأ المرحلة، ومواجهة مصيره دونما مساندة تذكر من قبل معارضة “هشّة”، سارت خلف أهدافها وأيديولوجياتها ومصالحها أكثر من أهداف الثورة.

الأزمة السورية تتعقد يوماً بعد يوم في ظل التهرب العالمي والدولي وهو ما يمنع إيجاد حل يرضي مطالب الشعب وتطلعاته، أيضاً الثورة اصطدمت – سياسياً على الأقل – بأبواب مغلقة لم تعد تنفع لا التكهنات و لا التأملات في حلها، لتنذر كل التنبؤات بأن المستقبل السوري متروك لوقائع ربما يشفع لها الزمن!!، إن تماسك النظام في إجرامه ومحاولته الالتفاف على الثورة، والتمادي في قتل الشعب مع مسانده وإهمال عالمي تام، وتشتت في بنية المعارضة، أدى لفتح عدة قنوات واحتمالات غير واضحة المعالم، ووضع العديد من إشارات التعجب – ضمن إطار رؤية غير جلية – بأن خطرٍ ما بات يظهر في الأفق يحّيق بالأزمة السورية، ما جعل الشعب في حالة يرثى لها، يتكّل على الانشقاقات الحاصلة في الجيش، علّها تفتح له أبواب تفاؤل مرحلية وخلاص مستقبلي من هذا النظام البائد، رغم أن تلك الحالات العسكرية (الفردوية) في ظل عدم وجود غطاء سياسي ودعم مادي ولوجستي لها لن تؤتي ثمارها، بل ربما تصبح هذه العناصر المنشقة عبأً على الأهالي كما حصل في “بابا عمرو” بحمص مؤخراً، وحجّة للنظام في قصف المدن كونه يعتبر هؤلاء المنشقين فارين أو إرهابيين، إن الغطاء السياسي المقصود به يتمثل في المعارضة وبكل أطرها دون استثناء والتي لم تصل لمستوى يرتقي لبطولات الشعب السوري حتى الأن، حيث ما برح كل منها يصول ويجّول في أروقة العواصم الأممية، والمدن والمجالس الدولية طارقةً أبوابها، ليس لحل جذري يرضي الشعب السوري، إنما البحث عن من يعترف بها ويتقبلها كمعارضة في سبيل الوصول لأهدافها ومصالحها وما تحدده رؤاها وتطلعاتها المستقبلية، ومنها من ذهب لأبعد من ذلك في المزاودة و مغازلة السلطة والنظام بين الفينة والأخرى، دونما النظر بأفاق ثاقبة وتطلعات إنسانية بحتّة نحو شعبها المكلوم الذي يتلقى اليوم أعتّى أنواع البطش!!.

المسألة السورية في الآونة الأخيرة أخذت حيزاً من الاهتمام غير الفعّال والمقنع، من خلال فشل إثر فشل، تمثل بجلسات مجلس الأمن التي اصطدمت للمرة الثانية بفيتو روسي – صيني، مروراً بالضغط العربي المتمثل بجامعتها ومجلس التعاون الخليجي، لم تنتهي المسألة وتحّل في الجمعية العمومية للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان أدت لخيبة أخرى في مؤتمر أصدقاء سورية في تونس مؤخراً، ليعول الشعب مرغماً على مؤتمر أخر لن يكون أفضل من سابقاته في إسطنبول قريباً؟؟، كل هذه المؤتمرات والمجالس باءت بفشل ذريع مع عنّاد روسي – صيني يقف حتى اليوم لجانب نظام قاتل، في حين أن العالم لم يأخذ البتّة بتعنت (روسيا) في البوسنة وليبيا!! وكأن هذه المجالس والمؤتمرات باتت حبل نجاة وإنقاذ للنظام السوري، تمنحه الشرعية الكاملة في ارتكاب أفظع الجرائم والقضاء على الثورة دونما رقيب.

إن الشعب السوري أدرك كل المعادلات والمؤامرات الخارجية والداخلية، حتى بات مدركاً أن معارضته لم تصل لمستوى النجاح المطلوب، فالمجلس الوطني الذي من المفترض أنه أخذ شرعيته من الشارع السوري بعدما تبنى بعض مطالبه، بات اليوم في حالة حرجة وفشل كبير، يوهم نفسه والعالم متفاخراً أنه الممثل الوحيد للشعب السوري ، دونما وضوح رؤية عملية “براغماتية” في برنامجه القائم الذي لم يتوصل حتى الأن إلى القيام بأي تغير سياسي يذكر يفيد الشعب السوري على الصعيد الدولي، أقلها الاعتراف به رسمياً كبديل للسلطة، في الجانب الأخر نرى أن “هيئة التنسيق” ذات اللاءات الثلاث أيضاً غير واضحة بأهدافها ، فهي مازالت تعتبر نفسها معارضة داخلية، رغم أنه ليس لها تمثيل شعبي واضح وصريح في الحراك، هذا ما أقره الشارع السوري وهو يرفع لافتات “هيئة التنسيق لا تمثلني” ، فهي تعترض أي تدخل خارجي وفتح ممرات آمنة، كما تقف في وجه تسليح العناصر المنشقة من جيش النظام، وهي حتى الأن لم توضح -على الأقل من وجهة نظر الثوار- معالم برنامجها الذي سيخدم الثورة ويسقّط النظام، فلا نرى لها وضوح فعلّي إلا في انتقاد سلبيات الحراك والمعارضة أكثر من انتقادها للنظام!!، إن كل أخطاء المعارضة آنفة الذكر تظهر جلياً حالة التشرذم داخل الحراك السياسي للمعارضة ككل، والغريب أنه في الآونة الأخيرة بدأت تطفو على السطح بوادر ورسائل غير واضحة الرؤية والخلفيات من قبل بعض أطراف المعارضة الداخلية، تدّعو إلى عقّد مؤتمر داخلي لحل الازمة، محاولة إقناع شباب الثورة بوجوب وقف شلال الدم الذي يمتد بشكل متزايد، وأنه لا بد من الوصول لحل تسوية داخلي يوقف هذه الدماء!!، هو نفس الحل الذي بدأت تلوح به واشنطن والأمم المتحدة من خلال مبعوثها إلى سوريا “كوفي عنان” وهو حلّ التفاوض مع السلطة، برأي أي حل للتسوية سيكون مرفوض من قبل الشعب السوري الذي صمد عاماً كاملاً وهو يدفع دماء شهداءه ثمناً للحرية، كما أن الشعب السوري لم ولن يقبل بحل يساوي بين الجلاد والضحية ويجعل من الضحايا والشهداء والعوائل التي شردّت مجرد ذكرى في مخيلتهم!!، هذا يؤكد أيضاً أن النظام بعد تلطخ يديه بدماء الشعب لن يتفاوض على تسوية، وهو يدرك أن أي تسوية أو تفاوض تعني انتهاءه، إن لم يكن عاجلاً فلا بد أجلاً.

إن الأزمة السورية باتت دمّية بيد المصالح الدولية، ومصيدة تحاول الدول المتناحرة محاسبة بعضها البعض فيها، أما مصير الشعب السوري فقد بات في زمن يسيّطر عليه عهرٍ سياسي ومصالح عالمية منعدمة القيم والأخلاق، وكأن كل هذه الشهور الماضية من الاحتجاجات المطالبة بالحرية، والدماء المستنزفة، وألاف الشهداء لم يكن لها حيّز في أرشيف الأجندة العالمية التي باتت تتعامل مع الشعوب حسب أهواءها ومصالحها تاركتاً القيم الإنسانية خلفها، وهنا نتساءل ألا يستحق هذا الشعب الآبي النظر بطّرفة عين له، ومساندة للخلاص من نظام جائر؟؟.، وهو اليوم يستبسل ببطولاته من خلال ثورته العارمة!! ، إلا أن الشعب السوري بكل أطيافه وحراكه رسم خارطة طريقه في الحرية، وسطرها بدماء شهداءه، وأقسم بعدم العودة عن أهداف ثورته النبيلة حتى أخر قطرة من دمه، لتكون الثورة السورية عبّرة تكتب لعقد نضالي جديد لن يُسقط نظام حكم قائم فقط، بل سيسقط كل الخونة والمتلاعبين بدماء وقدسية الشعب السوري وثورته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى