سمير سليمانصفحات مميزة

الثورة المغدورة: الوباء الجهادي بين جبن الديموقراطيين ونذالة الإخوان المسلمين: سمير سليمان

 

سمير سليمان

     يلوح في أفق الثورة السورية الآن شبح مقلق , هو شبح الجهاديين الإسلاميين , ويستحضر معه الكثير من الأشباح المرافقة له , كالحرب الأهلية , واستطالة الصراع , وتسيد الفوضى , وانهيار الدولة , وتفتت الوطن …. الخ . ويجبر إنتشار الجهاديين الجميع على مراجعة الحسابات , والتهجس بالخطر القادم , وتعديل سقوف التوقعات والآمال .  وقد أودى بالبعض إلى تعديل الموقف جذريا من الثورة باعتبارها كفت عن أن تكون ثورتهم .

     ومن المفهوم أن يقتصر التوجس من الجهاديين الإسلاميين , في المرحلة الراهنة , على الفئات الديموقراطية من المجتمع السوري ,  ويشتد خصوصا في مجتمع الأقليات . فلا يفاجئنا بالتالي أن يصدر منها خطابا أشبه بالنفير المستمر , المنذر من الخطر المحدق , والقادم مع استمرار توافد الجهاديين إلى سورية من كل حدب وصوب . دون أن يتضمن هذا الخطاب أي تصور عما يجب عمله لمواجهة هذا الخطر الداهم . بمعنى أن الديموقراطيين يعيشون في هذه الأيام , سريا , السؤال الملح : مالعمل لمواجهة وباء الجهاديين ؟ . ولكنهم يتمنعون عن استبطان أي جواب , وهم لايفعلون ذلك لنقص معرفي , بل لعجز نضالي كرسوه هم أنفسهم , ولايزالون يكرسونه بالعبارة التي أصبحت مستهلكة والقائلة أن النظام هومصدر جميع الشرور , بما في ذلك الجبن والخراعة المميزة للمعارضة السياسية الديموقراطية , في زمن الثورة .

     لم يرتسم خطر الجهاديين الإسلاميين على الثورة في سورية بقوة قاهرة كالقضاء والقدر الإلهيين , بل ولد وتنامى على مرأى ومسمع من الجميع , وخصوصا التيارات الديموقراطية , وبرعاية أطراف عربية وإقليمية , إضافة لمساهمة النظام بالأمر . و مانود الإشارة إليه في هذا السياق هو دور المعارضة السياسية السورية في خلق هذا الواقع . فقد تنامى الوباء الجهادي في الثورة السورية , بفعل عاملين لم يعد إنكارهما مجديا . وهذان العاملان هما سياسة النذالة والنفاق المعتمدة من قبل الإخوان المسلمين , وسياسة الإنسحاب الجبان من المعركة من قبل الديموقراطيين . وإذا بدا أنه من العبث الطلب من الإخوان المسلمين أن يضعوا حدا لنفاقهم السياسي , وأن يعقلنوا شهوتهم للسيطرة في صفوف المعارضة السياسية والعسكرية , وفي البيئة الإجتماعية للثورة , وأن يتوقفوا عن الإستثمار الإنتهازي لثورة مخذولة , ولشعب منكوب , فإنه لايزال ممكنا التوجه بالحديث إلى صفوف الفئات الديموقراطية , الشباب منهم خصوصا , لطرح السؤال : أما حان الوقت , أيها الديموقراطيون , لتنخرطوا فعليا في الثورة ؟

     لايملك الديموقراطيون السوريون , كما يعرف الجميع , أية تمثيلات سياسية مستقلة ذات قيمة , ولا أحزابا ذات شأن , وليس لديهم تنظيمات إجتماعية , ولانقابات مهنية , ولااي شيء آخر ذو بأس سياسي . فما معنى سؤالنا إذن ؟ ولمن هو موجه ؟

نرجح أن السؤال سيبقى هائما لايجد مكانا يحط فيه , وسيصطاده فقط أفراد يشاركون كاتبه البحث عن جواب لسؤال : مالعمل لمواجهة الخطر المحدق بالثورة ؟

    يعطي المشهد السوري الآن انطباعا مقلقا , فالأفق غير واضح , والثورة متعبة , ومعنوياتها تنحدر ببطء , ولكنها تصر على المتابعة , ومضطرة لذلك , فطريقها أصبح إجباريا باتجاه واحد . والنظام من جهته منهك , ومعنوياته بالحضيض , ويسعى بكل عنف لخلق شروط تنقذ رأسه من المقصلة , من خلال تعقيد الصراع , وجعله مستحيل الحل من دونه . والمعارضة السياسية – إذا جاز وضعها تحت مسمى واحد – تنتظر إعطاءها دور البطولة من خارج المسرح , حيث ينتظرها الجمهور , لسيناريو لم يكتبه أحد بعد , ولكنها لاتنجح سوى بدور الكومبارس الفاشل بلا مواهب . وفي هذا المشهد البائس , يتنهد الديموقراطيون السوريون بحسرة , وعينهم على السرطان الجهادي المتنامي , قائلين : الثورة خالفت الشروط , لم تعد هذه ثورة , لقد خذلنا . دون أن يحددوا طبعا , من الذي خذلهم بالضبط . النظام ؟ الإسلاميون ؟ النظام الدولي ؟ . من الذي خذل الديموقراطيين في الثورة ؟ .

      إذا كان هناك من خذلان في الثورة السورية , وهو موجود بوفرة , فهو خذلان القوى الديموقراطية لها أكثر من أية جهة أخرى . لأن الإسلاميون لم يكونوا يوما , ولن يكونوا , أصحاب ثورة ديموقراطية , ولديهم الإستعداد لخذلان جميع آلهتهم وأنبيائهم في سبيل الوصول للسلطة . أيضا , ومن وجهة نظر آفاق الثورة ومضامينها في بناء الديموقراطية والدولة الحديثة , من الطبيعي أن  يكون الديموقراطيون هم الأولى من غيرهم في الإدعاء أن الثورة ثورتهم , ولهم الأحقية الأولى في تمثيلها , إذا كانوا ديموقراطيين فعلا كما يدعون . ويكون عليهم بالتالي , الواجب الأول في الإنخراط فيها بكل إندفاع , وبلا تردد أواشتراطات . ومواكبتها في تطوراتها وتدرج اشكال مقاومتها , وليس التمنع الجبان عن تبنيها تحت الغطاء المهتريء المسمى ” السلمية ” .

     لم يضع الديموقراطيون أي نقدا أو تصورا سياسيا لدور السلاح في الثورة السورية , ولم يشرحوا لنا , ولا لأنفسهم , مايعنونه بمبدأ السلمية في النضال الثوري , ومتى يكون هذا المبدأ صالحا , وماهي حدوده . ورغم أن الموضوع بحث نظريا في أماكن عديدة من تاريخ الثورات , إلا أن ” السلميين ” في سورية تمسكوا بمبدأ ” السلمية ” كفلسفة خالدة لاتقبل النقاش . وكل من عرف بنية النظام السوري , أدرك منذ البداية أن السلاح سيكون رفيقا لازما للثورة بقدر ماسيكون النظام عدوا لها . لذلك لم يكن التمسك اللاعقلاني بمبدأ السلمية ينم عن جهل ببنية النظام الذي يعرفه السوريون جيدا , بقدر ماكان يدل على جبن وخراعة , سيدفع الديموقراطيون جميعا ثمنها , بمعية الشعب السوري , في المستقبل القريب والبعيد .

     من ناحية أخرى , لم يفعل الجهاديون شيئا سوى أنهم جاؤوا مع بنادقهم , بعد سنة كاملة من إندلاع ثورة مستمرة , ليقاتلوا بشجاعة نظاما لايفعل شيئا سوى قتل شعبه . ولم يفعل الشباب الثائر الذي قاد المظاهرات السلمية في أشهر الثورة الأولى شيئا , سوى الإلتحاق بمن يعطيهم السلاح , ويؤمن لهم بيئة القتال . بينما بقي الديموقراطيون خارج ساحة الفعل في الحالين , قبل عسكرة الثورة وبعدها , كما بقوا خارج الفعل , قبل أسلمة الثورة وبعدها . فكان من المنطقي نتيجة ذلك , أن  تسيد ” المسلحون بلا سياسة ” ساحة الصراع . بينما حشر الديموقراطيون ” كارهو السلاح ” أنفسهم في زاوية ضيقة لايراهم فيها أحد , و يتباكون الآن على الثورة . والحقيقة أن المعارضة السياسية بكل تشكيلاتها , نأت بنفسها عن الإنخراط الفعلي في صفوف الثورة منذ البدايات الأولى , عندما كانت السلمية المقدسة لاتزال هي السائدة .

     إننا  نرى الآن , أن الساحة السورية تتطلب العمل الديموقراطي المقترن بالسلاح الوطني , تتطلب النضال السياسي الديموقراطي المقترن بالسلاح المرفوع تحت رموز وشعارات وطنية وديموقراطية جامعة . وإذا كان الإخوان المسلمون يظهرون الترحاب بالجهاديين الإسلاميين , فلأنهم , أي الأخوان , لايجدون غضاضة في شطب الهدف الديموقراطي من الثورة , ويجدونها فرصة لإلغاء التزامهم  بالدولة المدنية بعد إسقاط النظام . فهم يعرفون أن هؤلاء الجهاديين لن يكونوا رجال دولة ولا أصحاب سلطة , بل يمكن إستثمار مساعدتهم في إسقاط هذه السلطة في أحضانهم , وهم لايريدون أكثر من ذلك . فالديموقراطية والدولة المدنية الحديثة , من ” المنغصات ” التي توجب على الإخوان المسلمين الإقرار بها تكتيكيا في السابق , على أرضية الدجل السياسي الذي هم أربابه . أما السوريون عموما ,  والمعارضة الديموقراطية خصوصا , فهم من سيدفع الثمن لاحقا . وستكون هذه المعارضة قد ساهمت إلى حد كبير في الوصول بنفسها إلى هذا المآل .

     إنها إذن دعوة للديموقراطيين لحمل السلاح , دفاعا عن الثورة وعن المستقبل , حمل السلاح الديموقراطي ضدا على السلاح الفاشي بوجهيه , الأسدي والجهادي . دعوة لحمل السلاح دفاعا عن ديموقراطية الثورة , ودفعا للوباء الجهادي المهدد لها . وهي دعوة تأتي في لحظة صعبة بالنسبة للتيارات الديموقراطية , التي كرست وضعا خارجيا معزولا ومجردا من الفعالية والتأثير , وأصبح من الصعوبة بمكان تهيئة نفسها للإنخراط بثورة مسلحة , ليس فيها مكان لمن لايحمل سلاحه . ولكنها , رغم ذلك , دعوة ضرورية لإنقاذ الثورة قبل فوات الآوان . فمن المعروف أن القوى التي ستسقط النظام سيكون لها الكلمة العليا في مرحلة مابعد السقوط . ومن المعروف أيضا , أن القوى السياسية لاتتبادل الهدايا , فلا ينتظر الديموقراطيون أن تأتيهم الديموقراطية كهدية من الإسلاميين , الذين لن يكون لديهم مايعطونه للشعب السوري سوى استبداد جديد .

 إن هذه الدعوة موجهة في سورية , إلى لاأحد .

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى