خولة دنياصفحات سورية

الثورة والأقليات… وحالة عدم الوثوق


خولة دنيا

بعد ثمانية أشهر من الثورة، مازالت بعض التساؤلات مدار نقاش لا ينتهي حول الوثوق بالثورة، وبمستقبلها، وباحتمالات القادم ما بعد انتصارها (إن انتصرت على رأي البعض)…!!

 هؤلاء أنفسهم من يتحفنا على مدار الأيام والأسابيع بكلمة واحدة: “خلصت.. خلصت” تلك العبارة المضحكة، الملتوية، المعبرة عن رغبة لا تتحقق رغم تكرارها المرة تلو الأخرى، فمن يردد هذه العبارة؟، وماذا يأمل منها؟، ولماذا لا يثقون بالثورة؟

 هل هي مشكلة الثورة مع الأقليات فعلاً، هؤلاء الذين اتخذوا أحد أربع فرق:

 – إما الالتحاق بالثورة على صورة أفراد لا جماعات، مقامرين بعلاقتهم بوسطهم الاجتماعي والعائلي، وكذلك بفقدان الحصانة التي يتمتع بها غيرهم من الثوريين من أوساط أخرى. هؤلاء كان خيارهم نهائياً لا يمكن العودة عنه، ودفعوا ضريبة مضاعفة بفقدان حصانتهم تلك، وبكسب غضب النظام وانتقامه، والأنكى من ذلك عدم الوثوق بهم في أحيان كثيرة وكأن عليهم دفع فريضة الطاعة للثورة مضاعفة كي يثق المشككون بأن خيارهم نهائي لا عودة عنه. وهم بين مطرقة الثورة و سندان النظام

– فريق آخر اختار الوقوف مع الثورة ولكن بصمت، تفضحه بعض المواقف، وعدم موالاة النظام بشكل صريح، وعدم الإدلاء بأي تصاريح يمكن أن تعود بالوبال عليهم من طرفين: طرف الموالين الذين امتهنوا تخوين كل من لا يقف مع النظام، ويحاولوا إرهابه وإسكاته، وبأحسن الأحوال غض النظر عنه مؤقتاً، وطرف الثوار الواضحين، الذين يحاولوا دفعه لاتخاذ موقف واضح المعارضة، متهمينه كذلك بخيانة الثورة وعدم الايجابية والفاعلية، ومشككين بخوفه غير المفهوم لهم.

– الفريق الثالث: موالي للنظام بشدة، ويفعل المستحيل لعدم إنجاح الثورة، لدرجة يمكن أن يحمل السلاح للدفاع عنه ويعتبر بقاءه الشخصي من بقاء النظام. وهؤلاء هم الأصعب في التعامل، فلن يقتنعوا بزوال النظام مالم يزل بالفعل، وسيبقوا يراهنوا عليه، ولن يصدقوا ما يقال عنه، بالعكس يفبركوا القصص لدعمه، ودعم ما يقدمه من روايات صعبة على التصديق، هؤلاء منهم تتشكل فرق الشبيحة، وفرق الموت، هم الجنود المجهولون في قمع الثورة من قبل النظام، وسقوط النظام يعني سقوطهم.

 – الفريق الرابع: فريق يمشي الحيط الحيط ويقول ياربي الستر، هؤلاء ليس لهم لا بالعير ولا بالنفير، ينتظرون من سينتصر، وهم اليوم مع النظام، لأنه ضامن لهم، ولأن الرعب من البطش يملأ قلوبهم وغداً مع غيره إن كان ضامناً لهم كذلك. هؤلاء يمكن أن يبقوا على حالهم ولا ينفع معهم العمل أبداً.. ولا خوف منهم في المستقبل أيضاً لأن الشخصي عندهم يغلب على العام، ومصالحهم فوق الوطن ومصالحه..

 فما مشكلة الأقليات وماذا تعني؟

 الأقليات التي يوجه لها الجميع التهم بمساندة النظام، إذا تعاملنا معها حسب التصنيف السابق سنرتاح ونريح، فمن الواضح أن المشكلة ليست بأقلية واحدة محددة، فقد تكون مشكلة الثورة مع “العلويين” مثلاً أسهل من غيرها، فهؤلاء أيضاً يخضعون للتقسيم السابق، منهم من اختار الثورة ولكن بشكل فردي وشخصي، ويدفعون الثمن مضاعفاً، ومنهم من اختار النظام واعتبر وجوده من وجود النظام، ومنهم من اختار معاداة النظام بصمت خوفاً من تجبّر أزلام النظام أساساً.

 ولا تخرج أقليات أخرى عن التقسيم السابق كذلك: كالدروز والاسماعيليون، وقسم من المسيحيين (والمسيحيين لهم حكاية أخرى هنا في المعادلة السورية)، فبعيداً عن الثورة ومن يواليها ومن يعاديها، الكثير من المسيحيين تعودوا أن ينأوا بأنفسهم عن السياسة وأخطارها، واختاروا البقاء الآمن وقد يكون هذا موروث مئات السنين من التواجد الآمن والمطمئن، الذي يتخلله رغبة بالسفر أحياناً أو بالتعامل مع البلد كوطن مؤقت.. المشكلة هنا أن المسيحيين يخضعون للتصنيف الأخير أكثر من غيرهم (مع عدم إنكار وجود حالات غير قليلة تخضع للتصنيف الأول)، فهم صامتون ينتظرون المنتصر، وولاءهم للنظام أتى من حفظ حقوقهم الدينية و(المواطنية)، وطريقة عيشهم وهم لا يمتلكون الثقة الكافية بأن النظام القادم سيحفظ هذه الحقوق بنفس الآلية والإمكانية.

 فهل الأقليات فقط من يحتسب على النظام؟ ألا تخضع طائفة الأغلبية للتقسيم السابق أيضاً؟

 يبدو لي هذا احتمالاً قابلاً للتصديق كثيراً، فنحن ننظر كذلك إلى فئات كاملة اختارت العزلة عن الثورة وعدم المشاركة بها منتظرة تطمينات أكثر لمستقبلها الاقتصادي ربما، أو السياسي، أو نمط الحياة، أو تخوفها من نموذج الحكم المستقبلي ورفضها له مسبقاً، والتفافها حول النظام تحسباً.

 يبدي البعض اعتراضه على الثورة على أنها ثورة إسلامية! كما يبدون تخوفهم من أن الدولة المستقبلية ستكون خاضعة لأساليب حكم ما قبل وطنية، وأقرب للدينية ربما، فهل هذا حقيقة محتملة حقاً؟ وهل هناك احتمال لنشوب حرب أهلية على أساس ديني؟

 تبدو تلك الاحتمالات بنسبها الضئيلة التحقق، أكثر ما يشوش ذهن معارضي الثورة لحد الآن، وهو ما يمنع الكثير منهم من المشاركة أو الدعم أو الوقف على الحياد حتى. ولكن تخوفهم هذا لا يعني أن نعطيهم التطمينات تلو التطمينات وكأننا نملك مخطط المستقبل ونحفظ تفاصيله، وكيف ستتم الأمور. فكل ذلك برهن المستقبل والمعطيات، كما أنه برهن مشاركة جميع السوريين بصناعة هذا المستقبل والعمل من أجله.

 تبدو الأقليات في سورية وكأنها تُخضع الثورة للفحص تحت المجهر وتريد التأكد من كل التفاصيل وتصحيح كل الأخطاء، وغير ذلك لن تركب بمركبها.. الثورة لا تنتظر، أحد الثورة ماضية بطريقها وإن كان المتخوفين فعلاً متخوفين فعليهم الالتحاق بها لا نبذها ومطالبتها بإعطائهم صكوك الأمان..

 الأمان الوحيد الممنوح هو لروح المواطنة والتوحد في إطار مصلحة الوطن.

 وعدم الأمان لكل من اختار طريق الالتحاق بالنظام وأن يكون يده الضاربة للثورة وأهلها..

 ومن المؤسف مخاطبة الأقليات بلهجة أن تعالوا إلينا فنحن سنحميكم، الأصح تعالوا إلى الثورة والثورة ستحميكم، لأنكم سوريون، ولأننا أولاد سورية.. ولأننا جميعاً الضامن للمستقبل وما سيأتي به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى