صفحات العالم

الثّورة السّورية على مفترق والحاسم توحيد قوى الثّورة

 

د. نقولا زيدان

تمرّ الثورة السورية في المرحلة الراهنة في ظروف شديدة التعقيد والدقّة. فلدى الشعوب العربية والنخبة الثورية العربية، الاثنان اللذان صنعا أمجاد الربيع العربي وشاهدا تعثراته وأزماته، كثيرٌ من القلق والتوجّس والخوف المبرر.

فعلى الصعيد الخارجي, يزداد الموقفان الإيراني والروسي تصلباً في مساندة نظام الأسد الدموي. فالنظام الإيراني ما زال يراهن على إمكانية سحق الثورة السورية عن طريق المزيد من إلحاق الدمار الواسع النطاق بواسطة الألوية العسكرية التي ما زالت تدين بالولاء لحاكم دمشق، بالاضافة الى ارتكاب سلسلة متواصلة من المجازر الموصوفة بحق المدنيين العزّل والأحياء الآمنة والقرى والبلدات الوادعة، تلك التي لا ذنب لها سوى إبداء شعور العطف حيال الثوار واحتضانها لهم. وبالفعل يمد النظام الايراني نظيره السوري بالخبراء والأسلحة والمعدات في الوقت الذي يتورط فيه حليفه “حزب الله” اللبناني في القتال الدائر هناك. ولم تتوانَ طهران عن منح نظام الأسد كتلة نقدية من النقد النادر بعد أن أشرف احتياط نظام دمشق من الدولارات على النضوب والافلاس. ولم تتراجع الحكومة الايرانية بعد عن هذه السياسة رغماً عن صفقة إطلاق الرهائن والأسرى الايرانيين من هم في قبضة الجيش السوري الحر مقابل عدد محدود من المعتقلين الثوريين في سجون نظام الأسد ومراكز التوقيف التابعة له.

وتمضي موسكو، كما هي الحالة بالنسبة لطهران في منح نظام الأسد المزيد من الدعم اللوجستي وآخر مبتكرات السلاح الروسي المتطور في الوقت الذي ترسل قطعاً حربية مهمة إلى مقربة من الساحل السوري لإجراء مناورات عسكرية لا تعدو كونها رسائل مهمة توجهها الى الغرب وتلك الدول العربية الداعمة للثورة السورية. وفي هذا المجال ما زال سيرغي لافروف وزير خارجية روسية يكرّر تصريحاته المتصلبة التي تنادي علناً ليس باستحالة تنحي الأسد عن السلطة فحسب بل باستحالة إقصائه عنها بقوة السلاح. هذا في الوقت الذي تدعو فيه موسكو كما طهران، الى حل سياسي “سوري”… أي ما معناه تسوية سياسية من طريق الحوار يكون الأسد نفسه طرفاً فيه. هذه التسوية التي أدرك المبعوث العربي والدولي الأخضر الابراهيمي استحالتها الموضوعية والتي، في أية حال، نعاها الأسد نفسه الذي يرفض بعناد متصلّب تشكيل حكومة سورية انتقالية تتولى جانباً مهماً من صلاحياته الرئاسية.

ويفاقم من شعور القلق والخوف لدى الشعوب العربية ونخبها الطليعية الأحداث الخطيرة الجارية في الآونة الأخيرة في الحسكة ورأس العين من اشتباكات دامية بين الجيش السوري الحر من جهة ومقاتلي حزب العمال الكردستاني من جهة أخرى. إنه قتال تدور رحاه بين ثوريين وثوريين آخرين. فحزب العمال الكردستاني (PKK) قد دفعته السياسة غير المتبصرة لقيادته الحالية، ليتحول الى أداة مسلحة وحرس حدود للنظام الأسدي. لا بل يمضي في سياسته الحالية لتحويل المواجهات المسلحة بينه وبين الجيش السوري الحر، وخصوصاً في المناطق المختلطة حيث السكان أكراد وعرب في آن معاً، الى نزاع اثني قومي المستفيد الوحيد منه هو النظام الأسدي الذي يعمل ليل نهار على تأجيج الصراع وتوسيع المواجهات. ولم ينجح تبوؤ الكردي عبد الباسط سيدا رئاسة المجلس الوطني السوري، ولا تدخّل الملا مسعود البرزاني حاكم اقليم كردستان العراقي ولا نصائح الرئيس جلال طالباني عندما كان بعد في عافيته في ثني حزب العمال الكردستاني عن التورط في ممارسات خطرة من هذا القبيل. هذا في الوقت الذي تعلم القيادة الحالية لهذا الحزب انها تنقاد للغرق في التورط بلعبة خطيرة وعقيمة لن تقود بتاتاً لمنح حكومة الأسد الفاشية للأكراد السوريين حكماً ذاتياً بإيفاء منه بوعود كاذبة لا تهدف في حقيقيتها سوى الى تفجير اقتتال داخلي يؤدي عملياً الى مشاغلة الجيش السوري الحر وإلهائه عن إنجاز مهمته الأولى ألا وهي تحرير العاصمة دمشق. فإذا كان الظلم التاريخي اللاحق بالشعب الكردي وبخاصة في تركيا هو قضية عادلة بل ثورية بامتياز، فإن مهمة هذا الحزب يجب أن تنصب على مؤازرة الشعب السوري وقواه الثورية السياسية والمسلحة، لا أن يتحول الى فصيل مسلح يشابه في سلوكه العملي فرق المرتزقة بل يكاد يلامس ممارسات كتائب الأسد الفئوية ومجموعات شبيحته الأوغاد.

إننا نقول هذا ونحن نراقب بكثير من القلق والتوجس التحول المهم للرأي العام العالمي للاهتمام بالأحداث الجارية في منطقة الساحل الافريقي والصحراء الجزائرية (عين اميناس) حيث يتبيّن بالملموس أن تنظيم القاعدة الظلامي وحلفاءه من مجموعات إرهابية دموية استطاعا زرع خرّاج متعفّن آسن هناك استدعى التصدي له بحزم من فرنسا والجزائر قبل فوات الأوان. وتتبارى القوى العالمية والأوروبية في تقديم الدعم لفرنسا في محاولتها استئصال هذا “الخرّاج” الخطير، بل حتى روسيا نفسها تتبرّع في منحها المساعدات.

إن إطالة حرب التحرير الشعبية السورية، وإنهاك قواها الثورية حتى يفرض حاكم دمشق نفسه رغماً عن أنف الغالبية الساحقة من المجتمع الدولي، وخصوصاً الشعب السوري طرفاً في أي تسوية سياسية مرتقبة للأزمة السورية يستدعي الآن أكثر من أي وقت مضى تطوير القدرة القتالية للمعارضة السورية المسلحة، وتوحيد صفوها وتشكيل حكومة سورية موقتة في الخارج معترف بها دولياً لقلب المعادلة نهائياً لمصلحة الثورة. ان في ذلك لنقلة نوعية نحن بأمس الحاجة اليها الآن ما دامت الفرصة ما زالت بعد مواتية، هذا قبل أن تضيع منا الفرص.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى