صفحات العالم

الجامعة العربية والأزمة السورية


فؤاد التوني

صدمتني كما صدمت كثير من المراقبين تصريحات الأمين العام للجامعة العربية “نبيل العربي” عقب لقائه الرئيس السوري “بشار الأسد” في الثالث عشر من يوليو الجاري،  الرجل خرج علينا بكلام تردده أبواق النظام السوري، حين قال “إنه سعيد بتأكيد الأسد أن سوريا دخلت مرحلة جديدة وبدأت مسار الإصلاح الحقيقي، مشيرا إلى أن الجامعة العربية لت تتخذ أي قرارات ضد النظام السوري”،  لخص العربي موقفا عربياً مخزياً مما يجري في سوريا من أعمال قتل منظم لآلاف السوريين، ودفنهم في مقابر جماعية  والتمثيل بجثثهم دون وازع من ضمير، وللأسف تأتي هذه التصريحات من رجل تولى حقيبة الخارجية عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر لتصدم كل من يحلم بالحرية في العالم  العربي.

هذه التصريحات تذكرني بالقمم العربية قبل يوم من انعقادها، ترى بعض القنوات الإخبارية تتسابق على عمل استطلاع لرأي الشارع العربي في عدد من العواصم بشأن ما ينتظره من القمة فتأتي الإجابة” لا شيء”، ويجمع الشارع العربي على أنه لا يثق في الجامعة العربية،  وبالتالي في قرارات قممها، ويعدونها “مكلمة” وقراراتها لا تساوي شيئا،  وهذا الأمر من شأنه أن يزيد الفجوة بين الجامعة العربية من ناحية، والشعوب من ناحية ثانية، وربما لا يخلو الأمر من اعتبارات سياسية قد تكون حاكمة لعمل الجامعة تدفع بأمينها العام أن يدلي بتصريحات تثير أعصاب الشعوب.

كان بإمكان الأمين العام للجامعة العربية  أن يدلي بتصريحات تدين قتل “بشار الأسد ونظامه لمواطنيهم، وربما رأى بأم عينية على شاشات التليفزيون عشرات القتلى يسقطون برصاص الجيش السوري، ويدعو الأسد إلى تلبية مطالب الإصلاح فورا قبل أن يلحق بزميليه “حسني مبارك” و”زين العابدين بن علي”، كان بإمكان نبيل العربي أيضاً أن يتجنب زيارة دمشق في هذه الظروف، لكن أن يعبر عن سعادته بأن سوريا دخلت مرحلة الإصلاح، فهذا شيء يثير السخرية والاشمئزاز، فما يحدث في سوريا لا يسعد لا الأمين العام للجامعة العربية أو لأي عربي،  بل بالعكس لا نرى سوى الحزن والأسى على ألاف الشهداء وعلى رأسهم الطفل “حمزة الخطيب”، لقد فاقت جرائم الجيش السوري مذابح الصرب ضد مسلمي البوسنة، لم نتخيل أن يقوم “شبيحة الأسد” بقتل “إبراهيم قاشوش”  مطرب الثورة صاحب الهتافات الشهيرة في ساحة العاصي بحماة واقتلاع حنجرته، وإلقائه في نهر العاصي، لأنه صوت حر أراد أن يعبر عما يجيش في نفوس ملايين السوريين، من توق للحرية والعدالة والكرامة، وألهبت هتافاته الصادقة حماس ملايين السوريين الذين غنوا معه “يالا ارحل ارحل يا بشار”.

لقد سجلت الجامعة العربية موقفا طيبا إزاء ما يجري في ليبيا، كنا ننتظر مثيله في سوريا، حين اتخذت موقفا مؤيدا للثوار قبل أن تنتهي ولاية الأمين العام السابق “عمرو موسى”،  على الرغم من أننا لم نعتد تدخل الجامعة في الشئون الداخلية للبلدان العربية،  ووافقت الجامعة العربية على قرارات مجلس الأمن بشأن ليبيا،  وباركت هجمات حلف شمال الأطلسي “الناتو” على أهداف تابعة للنظام الليبي، على الرغم من تحفظ سوريا والجزائر، وليست هذه دعوة إلى تدخل الغرب في سوريا،  فالسوريون وحدهم قادرون على تغيير النظام،  لكن فقط يحتاجون إلى دعم دولي وعربي بعد أن رفعت الولايات المتحدة الغطاء عن نظام “بشار الأسد” وعبرت وزيرة الخارجية الأمريكية “هيلاري كلينتون”  صراحة عن ذلك بالقول إن خدماته قد انتهت.

لقد حان الوقت لاقتلاع العصابات التي تحكم سوريا من جذورها وإخراس الأصوات التي تدافع عنه، إنه لمن العار أن يقام حفل فني لدعم “بشار الأسد” ونظامه على بعد أمتار من حي “القابون”  في دمشق ولم تجف الدماء فيه بعد،  دماء ستة عشر شهيدا قتلوا لأنهم كانوا يحمون مقر “مؤتمر الإنقاذ السوري”  الذي كان من المفترض أن ينطلق بالتزامن مع مؤتمر اسطنبول، بعدها جاء بعض المرتزقة أمثال “جورج وسوف” و”ملحم زين” و”رويده عطية” بعد أن عميت أبصارهم عن رؤية القتل والمذابح الجماعية التي يرتكبها النظام السوري بحق  السوريين الأحرار ليغنوا في مهرجان “قسم الولاء للوطن وسيده”.

هؤلاء شركاء في الجريمة،  فإذا كان النظام يقتل بالأسلحة والدبابات والمدفعية فإن الفنانين والإعلاميين المؤيدين للنظام يقتلون أيضا بتزوير الحقائق،  والدفاع عن الباطل وسيعلم كل هؤلاء قريبا أي منقلب ينقلبون،  ولا ينبغي للجامعة العربية أن تشارك في تجميل واقع قبيح لاعتبارات سياسية.

إعلامي مصري

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى