صفحات العالم

الجامعة وسوريا.. اليوم التالي


محمد الرميحي

لم يكن أحد يقدر أن تأخذ جامعة الدول العربية مثل هذا الموقف الذي اتخذ من سوريا، وبهذه الأغلبية المريحة، البالغة 18 صوتا، إما عن طريق التصويت الطوعي، وإما التصويت لتبرئة الذمة، إلا أن الأحداث في الأيام القليلة الماضية تأخذ الأنفاس، وكل شيء يتغير من حولنا وبسرعة لم نشهدها، حتى سلوك جامعة الدول العربية السياسي، التي يبدو أنها قد شربت مؤخرا من «حليب السباع»، قد تغير بشكل غير متوقع، فقد ألزمت نفسها أمام الجماهير العربية بأن تتخذ نفس الموقف أو قريبا منه كلما قام نظام فيها بقتل شعبه، وربما يكون الرقم هو من 3 إلى 4 آلاف ضحية! فاليوم التالي للجامعة هو يوم صعب، حيث إن مشوار إدانة قتل الشعوب لن يبقى حبيس أدراج الجامعة، مثل كل قراراتها السابقة، بل سيكون دستورا يصرف منه في المستقبل، لقد وجدت الجامعة قوتها الناعمة التي يمكن أن تستخدم في المستقبل، فهو قرار تاريخي بالمعنى العام للتاريخية. إلا أن اليوم التالي لسوريا أصعب وأهم. وهنا لا أقصد سوريا النظام التي تحاول جهدها شراء الوقت لتأخير ما يجب عمله، على طريقة الرئيس اليمني. ما أقصده بسوريا هو سوريا المعارضة.

دعوة الجامعة العربية للأطياف المعارضة للاجتماع والتشاور، لن تتوقف على سماع الإجابة عن سؤال: ما هي مطالبكم؟ إنما السؤال الأهم الأكثر جدية الذي يتوجب الإجابة عنه هو: ما هي خطتكم للمستقبل؟ أي خارطة الطريق التي سوف تسير عليها سوريا من الآن فصاعدا. فالكرة حقا اليوم في ملعب المعارضة التي عليها الكثير من الواجبات التي لا ينفع تأجيلها عن طريق الكلام المعسول والوعود العامة. هناك أسئلة كبرى للشعوب، ومن بينها الشعب السوري، تتلخص في الحصول على الحرية، وهي تعني أول ما تعني نظاما قانونيا حديثا للمواطنة يساوي بين الجميع، لم تكن إجاباتها متوافرة لدى الأنظمة السابقة.

المعارضة السورية عليها أن تقول لكل العرب كيف ستتعامل مع الملفات الكبرى التي عجز عنها النظام، وهي احتواء كل مكونات الشعب السوري، بما فيه من كان في الحزب الحاكم ولم تلطخ يده بالدم أو بالمال الحرام، ويقال ذلك بأعلى صوت وعلى رؤوس الأشهاد. فما نشاهده من حرب أهلية في العراق أو قريبا منها، أحد أسبابه أن مثل هذا الإعلان لم يرفع ولم يفكر فيه، مما ترك حفرة عميقة تسيل فيها الدماء حتى الساعة. وعلى المعارضة أن تعرف أن الحكم المريح هو الحكم الشمولي، إلا أنه قصير في الزمن، أما الحكم الطويل فهو الحكم الصعب المبني على أركان التعددية والتداول السلمي للسلطة وحكم القانون المكتوب من الناس والمعتمد على كرامة الناس وحرمة أموالهم وأنفسهم. وربما على تيارات المعارضة أولا أن تتوافق على خارطة طريق واضحة المعالم، ثانيا أن تعلن بأكثر ما يكون من الوضوح أن أشخاصها لن يترشحوا لأي منصب في المستقبل، حتى تبان الصدقية بأنهم ليسوا طلاب سلطة أكثر مما هم طلاب حق.

في حال تأخير إعلان خارطة الطريق تلك من قبل أطياف المعارضة التي سوف تلتقي مع لجنة الجامعة العربية، وفي حال تشتت مواقفهم، فإن ريح المعارضة، وكذلك جهود الجامعة، سوف تذهب أدراج الرياح. أول ما تحتاج إليه المعارضة هو صياغة إعلان مبادئ لسوريا الجديدة يشار فيه بكل وضوح وجلاء إلى شكل سوريا الجديدة، وهي بالتأكيد تختلف عن سوريا السابقة. إنها سوريا التعددية وسوريا القانون وسوريا احترام المواطنة كاملة غير منقوصة.

إعلان المبادئ ذاك هو المطلوب، على أن تكون صياغته بجمل لا تحتمل اللبس ولا الإبهام وتؤكد على ما تعارفت عليه البشرية اليوم من معايير المواطنة والمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص، وتداول السلطة وفصل السلطات، وصون المال العام، وتنفر من الشمولية المستبدة والاستزلام السياسي الفئوي والعرقي والمناطقي والطائفي. بمثل هذا الإعلان يستقطب الطيف الاجتماعي والسياسي السوري ويمكن معه خلق أمل جديد لفئات كثيرة هي الآن مترددة أو خائفة من شكل المستقبل غير الواضح للكثيرين. إن استطاعت المعارضة السورية رصّ صفوفها خلف إعلان كهذا، حينها يمكن أن نتوقع فجرا جديدا لسوريا وحقنا سريعا للدماء، أما إذا كان الأمر هو لعن الماضي والشكوى من الظلام والظلم السابق فلن يتحرك الأمل قيد أنملة. إنها مهمة تاريخية إما أن تنهض بها تلك المعارضة وإما أن تبقى عرضة لرؤوس الحارة في دمشق تروم التصفية وبقاء الحال على ما هو عليه.

آخر الكلام..

الألفاظ السوقية التي استخدمها السيد يوسف الأحمد، مندوب سوريا لدى الجامعة في تعليقه على القرارات الحاسمة التي اتخذت تجاه بلده، هدد فيها بعض القياديين العرب ودولهم وأيضا الأمين العام لجامعة الدول العربية، لم تكن بغريبة على التنشئة السياسية، وقد صبت في جانب الخسارة لا الربح، ربما يكون الرجل معذورا، حيث إن الشمولية السياسية لا ترضى إلا بمثل تلك الطاعة العمياء والقاموس النابي.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى