الجيش السوري الحرصفحات مميزةطريف الخياط

الجهاديون.. ما حدث في ليبيا، هل يحدث في سوريا؟


طريف الخياط

لم تكن حادثة الاعتداء على القنصلية الأمريكية في بنغازي، و التي قضى فيها السفير الأمريكي في ليبيا مع عدد من طاقمه الدبلوماسي، حدثا عابرا، يمر مرور الكرام، لو جرى في عهد القذافي، و هو في الوقت نفسه ليس حدثا عابرا اليوم، فالاعتداء و إن بدى كرد فعل احتجاجي و دموي على الفلم المثير للجدل و المسيء للرسول (ص)، فإنه يثبت و يبين نفوذ القاعدة في ليبيا و الجماعات التي تتشابه معها أو تلك التي تدور في فلكها.

من الواضح أن الحكومة الليبية الحالية لا تملك سلطة و سيادة على الأرض بما يتناسب و شرعيتها، مما سمح لتلك الجماعات التي ساهمت بفاعلية في معركة التحرير، أن تسد الفراغ الناجم عن ضعف مؤسسات الدولة الأمنية و العسكرية. ذلك ما يحيلنا إلى الحالة السورية التي يتدفق إليها أمثال أولئك من جهاديين عرب و أجانب، حاملين معهم المخاطر و أجندات قد لا تتوقف عند إسقاط النظام. فكثير منهم يعتبر أن ما يحدث في أرض الشام، ليس إلا معركة نهاية الزمان التي تحدث عنها القرآن الكريم (الهارمجدون في الديانة المسيحية)، و بالتالي فإننا أمام مشهد استقرائي لصدامات متوقعة بين تلك الجماعات المتطرفة مع أي حكومة انتقالية ستفرزها مرحلة ما بعد الأسد. فالخلاف على شكل الدولة و نظام الحكم، و الخلط بين معركة التحرير و معركة تحدثت عنها الديانات دون أن تحث البشر على السعي نحو إحقاقها، لا بد سيزيد الأمر تعقيدا، سيما أن تلك الجماعات منغلقة فكريا وعقائديا إلى درجة يصعب معها إنجاز تسويات قابلة للتطبيق، إذ تعتبر العملية الانتخابية الديمقراطية، بحد ذاتها، محرمة، كبدعة طارئة على الشرع الإسلامي.

لا شك أن نفوذ تلك الجماعات المتطرفة في ليبيا لا يقارن بوجودها و حضورها الضئيل على التراب السوري، و لا شك أن الأنباء القادمة من ثوار الداخل، تبين أن المناطق السنية الأكثر محافظة، لا تتقبل هذا العنصر الدخيل على مجتمعها، و هم بذلك يجردون المقاتلين المتطرفين من البيئات الحاضنة التي يعتمدون عليها في تعزيز وجودهم و نفوذهم، إلا أن العفن ما إن يبدأ بالتسرب حتى ينذر بالانتشار، إن توفرت له الظروف الملائمة، و يبدو أن الحالة السورية توحي بتوفر تلك الظروف على المدى المتوسط.

قد يجد البعض هذا الحديث استباقا للأحداث و قد يتماشى مع مخاوف آخرين، و نرى أنه بمقدار طول حالة الاحتراب الأهلي القائمة، تزداد احتمالات التحول نحو التطرف، مع عجزنا عن حتمية التنبؤ بالمآلات و الأشكال التي سيتطور إليها الصراع و ما بعده. فالعدوان الوحشي المفرط على المناطق السنية يسهل ترجمة المعركة إلى معركة طائفية، و يؤمن لتلك الجماعات مدخلا عقائديا يبرر التوافد إلى الأراضي السورية، في ظل حالة من فقدان السيطرة على الحدود و احتياج السوريين لمقاتلين مدربين ذوي خبرة، ممن خبروا حروب المدن في أفغانستان و غيرها من البؤر الجهادية. و قد تتوجه تلك الجماعات نحو تجنيد مقاتلين سوريين، فتستقطب بعضا من الشباب الذي فقد عمله و اليافعين الذين انقطعوا عن الدراسة، و هم كثر في الحالتين، لتشكيل خلايا لن يكون من السهل اقتلاعها حتى بعد تلاشي الظروف المسببة. إن فقدان المؤسسات الدينية الرسمية لشرعيتها و شعبيتها، و غياب مرجعيات دينية قادرة على الوصول و التواصل مع شريحة الشباب، تحظى بتقبلهم لها، يسمح لأولئك بمزيد من التغلغل و ربما التجذر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تضاؤل العامل العددي لا يشكل لدى تلك الجماعات رادعا للحد من نشاطها، فهي تستسهل أن تلجأ إلى عمليات إرهابية كتفجير مقرات حكومية، مستفيدة من ضعف متوقع لحكومة ما بعد الأسد، التي لن تتمتع بالسيادة الكافية على أراضيها، بما يشبه الحالة الليبية. و قد تجد دول معادية كإيران، مصلحة في تمويل المتطرفين إلى جانب تمويلها ميليشيات تابعة لفلول النظام، بهدف تعميم الفوضى و إحداث حالة من الفلتان الأمني، تخدم نفوذها في دولة كانت توصف العلاقة معها بالاستراتيجية.

و هنا لا بد من وقفة للتمييز بين المتطرفين وعموم المسلمين السنة في المجتمع السوري، الذي يعتبر التطرف صفة طارئة عليه، و توصف كافة جماعاته الدينية على تنوع مذاهبها و فرقها، بالاعتدال و الوسطية و التسامح و الإيمان بأهمية و حتمية العيش المشترك. المسلمون السنة ليسوا استثناء عن تلك القاعدة، بل في صلبها، فلم يمنع وجود أكثرية سنية في الربيع الديمقراطي ما بعد الاستقلال عن الاستعمار، من وجود فاعل و بارز لجميع الأديان و الملل في الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية. و لم تتغير اليوم طبيعة المجتمع بشكل جوهري، إلا أن المساحة الملائمة لظهور المتطرفين من كافة المكونات الدينية و المذهبية باتت موجودة، فالتطرف ليس حكرا على دين و لا حتى على أيديولوجيا، بل هو صفة بشرية تتعلق بأسلوب تعامل الفرد مع الايديولجيا سواء كانت دينية او فكرية، بمعنى أن المتطرف هو من يسبغ صفته على الإيديولوجبا، و ليس العكس. و هنا أيضا لا بد من إعادة التأكيد على أن المظاهر الإسلامية التي باتت تكتسي بها الثورة السورية ليست عنصرا دخيلا أو تعبيرا عن تطرف، فالسوريون شعب محافظ، يرتاد مسلموه المساجد في يوم الجمعة، كما يرتاد مسيحيوه الكنائس يوم الأحد، و بالتالي انطلقت المظاهرات الأولى من المساجد باعتبارها نقطة التجمع الوحيدة الممكنة، لأغلبية السوريين الذين يشكل منهم المسلمون السنة 75% على أقل تقدير. ألفاظ كالتكبير و تسميات بعض الكتائب بأسماء إسلامية، ليست تطرفا بدورها، بل استدعاء لبذرة تاريخية، مكنت العرب من أن يكونوا قوة عالمية عظمى، و استدعاء للنصر عبر الاستعانة بالخالق كلي القدرة، الذي يلجأ إليه أي مؤمن بأي ديانة، بعبارات و ألفاظ و مسميات تتناسب مع عقيدته.

لم يعد مثارا للجدل أن حكم عائلة الأسد، على مدى يزيد عن أربعة عقود، قد سخر و جذر نموذجا من العزل الطائفي يسهل التلاعب به لضمان استمرارية السلطة و سطوتها، فبرزت الهوة في جهل كل دين أو طائفة بمعتقدات الآخر، مما سمح بإساءة تفسير النوايا و السلوك، و استحضر مخاوف و ردود أفعال نحت نحو مزيد من الانعزال. و تبقى الإشارة إلى أن الجماعات المتطرفة هي خطرعلى الأكثرية السنية كما هي خطر على الأقليات الدينية و الطائفية، و إن كانت فرص تغلغلها إلى سوريا المستقبل قائمة كما وضحنا فيما سبق، إلا أن تعريفها بالعدو المشترك سيثبت أن السوريين قادرين على تجاوز التحديات.

يقول ألبير كامو “إنّ أكبر سفاكي الدماء هم أنفسهم الذين يعتقدون أنّ الحقّ والمنطق والتاريخ معهم”، أما المتطرفون الدينيون فيعتقدون أن الله معهم!

خاص بموقع صفحات سورية.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. اخى الكريم استاذ طريف
    مقال رائع وجزاك الله خير ويجب التوضيح والتوجيه من قبل علماء الثورة من خطر التشدد والتطرف
    الا انه من المبكر ان نعتبرهم كما قلت ( إلا أن تعريفها بالعدو المشترك سيثبت أن السوريين قادرين على تجاوز التحديات.)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى