صفحات الثقافة

الحاجة إلى حرب


رائد وحش

ماذا سيحدث عمّا قليل..؟

هذا هو السّؤال الذي يدمغ اللّحظة الراهنة دمغة قاسيةً بقوّة طعنةٍ في النّحر..

ماذا سيحدث..؟؟

سؤالٌ لعنةٌ تصيب الجميع بصداع الخوف والقلق والتّرقّب، ذلك الصّداع الذي يُشعر صاحَبه أن العلاج الوحيد هو اجتثاث الرأس.

ولأن الإجاباتِ حول السؤال المرفوع كيافطةٍ تعنون المرحلة عديدة وشتى.. يضيع الجواب الحقيقي الذي من شأنه تشكيل فكرة الخلاص، في زحمة الضياع بين الإجابات وبين المجيبين.

إن الركون إلى السؤال، مجرد ركونٍ كما يحصل الآن، بحدّ ذاته تأجيج لمزيد من المخاوف التي لا ترضى حدّاً أخيراً أقلّ من الجنون.

في الآن ذاته تبدو هذه اللحّظة المضطرمة لحظتَنَا التاريخية، نحن الذين لم تكن لنا لحظة تاريخية من قبل.. إنها لحظتنا لإعلان الحرب حرباً على الخوف والرهبة وكل مخلّفاتهما السامة في النّفوس. ولنتذكر هنا جملة (قالها هاري ترومان، لكن الجملة نفسها تستحق الذكر): «غياب الحرب ليس سلاماً».. نعم ليس سلاماً لأنه حرب من نوع أشد، إنها حرب اللا حرب حيث دواخلنا هي ساحات وغاها.

علّمنا التاريخ؛ الحرب منتهى البشاعة.. لكنه في الآن ذاته كان يعلّمنا أنّ فساد الأخلاق حينما يصير شاملاً إلى درجة انتشار فكرةِ أنه ما من شيء يستحق القتال من أجله إنما هو أفدح وأقبح بحيث لا تصلح المقارنة.

من هنا لا بد لنا من إعلان حربنا الكبرى على كل هذا الاندحار والخراب..

 إذاً.. فلتكن حربنا حرباً من أجل جوع الأرواح إلى خبز الكرامة..

ولتكن حرباً من أجل محو الكذب المعمّم من أولئك الذين لا يحاربون إلا في سبيل جعلنا شهداء..

ولتكن حرباً لنا نحنُ جيلَ الحروب الالكترونية التي نلعبها على «اللابتوب»، فندخل ستالينغراد أو بغداد أو القدس، كما يشاء مزاج أمريكا التي تنتصر حتّى في لعبنا، وتمنعنا من القدرة على إعلان حربٍ حتى على وهم عدوٍّ..

ولتكن الحرب حرباً لنعود شعباً واحداً توحّده الشدائد التي من شأنها أن تفتته إذا ما استكان لها.. فلتكن الحرب، فلا بدّ من حربٍ، على الأقلِّ حتى تعود الفصول إلى ترتيبها.. لا بدّ من حربٍ ككلّ الحروب العظيمة تنتهي باتفاقية من بنودها انتظام الفصول!!

ما أشبهنا بالبشر الذين تنبأ بهم جورج أوريل في روايته «1984»، البشر الأرقام، الآلات، الأشياء في دولة متخيّلة اسمها «أوقيانيا»، فهناك حيث يجري العمل الاستبدادي، على قدم وساق، في وزارات الحب والحقيقة والحرب والوفرة، يجري محو معنى الإنسان محواً تاماً، عبر تقليص اللغة إلى مجموعة مفردات إجرائية لا أكثر، كي يصدّق الجميع انقلاب المعاني: «الحرب سلام؛ والحرية عبودية؛ والجهل قوة».

ما أحوجنا إلى حرب تعيد ألق الذات الإنسانية وتخلق اللغة القادرة على تطويع المستقبل لإرادة الحياة، ليكون المستقبل حاضراً باللحظة والثانية تحت حراسة عيوننا وقلوبنا التي صاغت ملامحه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى