صفحات العالم

الحالة السورية: يسقط العالم.. يسقط كل شيء…


نائل بلعاوي

هو الشعار الاعلى وقعا وصدقاَ، والاكثر قدرة على تمثيل اللحظة الدموية هذه، وما تحمله من قباحة وقلة اكتراث: يسقط العالم، لأن سادته يغضون الطرف تماما: عن وجع ادمي تواصل نزفه على امتداد الشهور الثمانية الاخيرة. ويسقط كل شيءٍ لا يرى في هذا الحراك السوري البديع طوقاَ للنجاة من براثن القتلة.. وتسقط اشياء اخرى، لم اتمكن، خلال االلقطة السريعة على شاشة التلفاز، من التقاط حروفها فوق اليافطة؟

لم تكن تلك اليافطة / في حمص على الاغلب /، عادية المحتوى. والاشارة. بل، هي، وبدقيق العبارة: ما تقوله الحالة السورية الآن عن نفسها، ما تحذر من تجلياته وسطوة عواقبه.. فحين يصل الثوار الى فكرة رسم مثل تلك الكلمات الحزينة الغاضبة ورفعها، في مقدمة التظاهرة، تكون العذابات قد طالت السماء. تكون الفضيحة المتواصلة قد تجاوزت الممكن والمحتمل وحسابات الدول وقرارات مجلس الامن واجتماعات العرب ومشاكل المعارضة. وتكون الجريمة التي بدآت، بلا رحمة او مثلها، قد اكتملت، وما علينا الآن / نحن هذا العالم / سوى مواصلة البكاء / عديم الجدوى /، والسير خلف الجنازة من بعيد، حيث سيودع الاطفال هناك قبورهم، وتدفن الحيوات.

يسقط العالم اذاَ، وهو يواصل دور المشاهد الغريب، ولا يكترث للفصول الكارثية في المسرح السوري، وينتظر: هذا القرار العقيم وذاك، هذي الحماقات وتلك، ولا يدرك: / لعله يدرك /؟ ان لحظة الحسم المنشودة لن تجيء من جوف السماء… لن تقف الصدور البريئة عارية، الى ابد الابدين، امام جحيم الموت.. ولن نصحو غدا لنرى الرئيس البليد امام القضاء، فقد ادرك الطغاة في دمشق بآن العالم هذا لا يآبه لدماء شعبهم المستباح.. وان عليهم / هكذا فهموا الرسالة / ان يواصلوا القتل الكريه، فهناك من سيرفع فيتو الحسابات الرخيصة في وجه الحياة. وهناك من لا يكف، في الداخل والخارج، عن التغني بآمجاد الحصن الاخير للقومية البائسة والمقاومة المُتخيلة، وهناك من يخرج على الناس، حيث يُقتلون تماما، ويحكي، مثل ببغاء قليلة الذكاء، عن دستور قادم وبلاد سعيدة.

لماذا لا يسقط العالم الوحشي اذا .. ولما لا يكون السقوط لكل شيء ايضا.. ما على السوري لو نادى، اليوم والغد، بهذا السقوط المُستحق.. وما عليه لو طالب، اليوم والغد وفي كل وقت، بحلول ناجعة وسريعة لهذا التيه.. الحلول الاخيرة الممكنة، تلك التي نكف عن النطق بها لاسباب عجيبة، ولا نكف عن الصلاة من اجل قدومها: حلول التدخل الخارجي؟

يدرك من وضع الشعار الحزين على اليافطة، بآن شعاره المدوي ذاك، ليس دعوة مباشرة للتدخل الخارجي فحسب، بل هو الحث الغاضب على الاسراع في ذاك التدخل ايضاَ، فقد تآخر العالم كثيرا، وعلى العكس تماما من تدخله السريع ضد القبيح في ليبيا، على العكس من رسالته الواضحة الى المخلوع المصري:/ ارحل تعني الأمس وليس اليوم /.. وعلى العكس من رغبة الغرب المعلنة بآدارة مصالحه الحيوية في المنطقة برؤية جديدة، تمتص روح افكار التحرر السائدة لديه، وتكف عن التصفيق لكل ما هو غير اخلاقي، او انساني، في العالم العربي البائس هذا.

تعبنا، يقول الشعار ومن سعى للبوح به.. تعبنا، من القتل اليومي، وانتهاك المقدس الاعلى: الحياة. تعبنا من المقال والقصيدة والصراخ على الشاشات ونوافذ الفضاء، ولا نريد سوى التدخل الفوري، لانقاذ، ما يمكن انقاذه منا، فلا يعقل، او يجوز، ان نواصل سعينا السلمي لاسقاط الالم واعلاء شآن الحرية المشتهاة.. وحدنا.. وحدنا: امام هذا المارد المتوحش الوضيع… في مواجهة لحظية مع ما لديه من قدرات عسكرية / لم نسمع بها من قبل/ ؟.. في صراع كريه مع تعاويذه البالية، وافكاره التي انتجت / حين تآلقت /: الشبيحة، وعملاء الامن الجدد، ورجال الفرقة الرابعة، وغير ذلك من مرتزقة، ناهيك عن دعاة القتل في القنوات السوداء وبعض الصحف.

تعبنا، يقول السوري الآن، وما هذا الشعار على اليافطة، سوى العنوان الكبير لفكرة حان وقتها، وجاء موعد الدعوة، بلا خجل او اوهام اليها.. ولماذا الخجل اصلاَ .. هل خجل النظام وهو يذبح اطفاله.. هل سيخجل في القادم من الايام حين يمعن في ذبح اطفاله؟ فلماذا الخجل، ولما، هذا التخوف المرضيً من عواقب التدخل الخارجي.. الدى السوري ما يخشى عليه سوى الحياة: وها هي تصادر بوحشية وطنية اصيلة.. الديه غير الكرامة الانسانية: وها هي تنتهك على يدي الدولة الوطنية العظيمة؟؟

ليس لدى السوري سوى الحياة، ولا مفر لديه، غير الدفاع المستميت عنها، كما يفعل اليوم والامس. وليس امامنا: نحن هذا العالم المتفرج، سوى الامعان مجددا في شعار اليافطة.. سوى مدً ذاك الشعار على استقامته، لنقرآ بين سطوره: يسقط العالم، حين لا يخطو خطوة وحيدة صارمة من اجل انقاذنا… ويسقط كل شيء: حين لا يٌعلي، كما نُعلي نحن اليوم، قرب الموت، من قدسية الحياة.

‘ كاتب اردني

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى