صفحات العالم

الحرب على “داعش” مجموعة مقالات لكتاب عرب

 

 

حاضنة “داعش” الشعبية/ بدر الإبراهيم

فرض تنظيم “داعش” نفسه ظاهرةً تستحق دراسة وتأملاً كثيرين، بعد توسعه في العراق وسورية، وبات المحللون والمراقبون يكثرون الحديث عن أسباب نشوئه، وطبيعة تمويله، والأيديولوجيا التي يتبناها، وتأثيرها في سلوكه، وجاذبيته بالنسبة للمقاتلين الشباب، الذين يأتون إليه من شتى أنحاء العالم. من جملة الأمور التي يدور النقاش حولها بخصوص “داعش”، وجود حواضن شعبية له من عدمها في بعض البلدان، ومنها دول الخليج، والأسباب التي جعلت التنظيم يتمتع بحواضن شعبية في مناطق من العراق وسورية. يتعجب مراقبون ومحللون من رواج الفكر الوهابي في تلك المناطق، فهم يعتبرون أن الحواضن الشعبية لداعش موجودة في السعودية والخليج، حيث تنبع الأفكار السلفية الوهابية، وتتغذى بالتعليم الديني. أما في العراق وسورية وغيرها من البلدان العربية، فلا وجود لتربية سلفية منهجية، تصنع حاضنة شعبية لتنظيم مثل “داعش”.

مشكلة هذا التحليل أنه يركز على عوامل فكرية وعقائدية، فيصل إلى استنتاجات خاطئة، بخصوص الحاضنة الشعبية. لم تتكون الحاضنة الشعبية لداعش في العراق وسورية، وفي الأماكن التي بايع فيها جهاديون البغدادي، لأسباب عقائدية، بل تكونت هذه البيئة لأسباب سياسية واقتصادية، بالدرجة الأولى، وأصبحت بيئة خصبة لنمو تنظيمات مثل “داعش”. وهو تنظيم مثل باقي الجماعات خارج الدولة، يتوسع في حالة انهيار سلطة الدولة المركزية، أو ضعف قبضتها على الأطراف، إذ تحل هذه الجماعات محل الدولة، إما في تقديم بعض الخدمات، أو توفير الأمن والحماية لمكونات أهلية بعينها، في مقابل مكونات أخرى، أو في مقابل النظام السياسي الذي يتحول إلى طرف في الصراع الأهلي، وتصبح لهذه الجماعات حواضن شعبية، بسبب الخدمات أو الحماية، أو تمثيل هويتها في الصراع مع الجماعات الأخرى.

ينطبق هذا الكلام على تنظيمات أخرى، غير “داعش”، وهو ما يجعل محللين يتساءلون عن سر نجاح “داعش” في إيجاد حواضن شعبية، على الرغم من وجود جماعات أقل حدة وتشدداً منه؟ والجواب يكمن في التساؤل نفسه، فراديكالية “داعش” تضمن له المزايدة على خصومه من التنظيمات المختلفة، في تمثيل مكونات شعبية تشعر بالقهر والتهميش السياسي والاقتصادي، أو تعيش صراع هوية حادا مع مكونات أخرى، فداعش يُعَدُّ تعبيراً عن حالة الغضب والانتقام في ظروف حربٍ مستعرة. لا تؤمن الحواضن الشعبية لداعش بالأفكار السلفية، وهي لم تنشأ على الإيمان بها، لا في العراق ولا في سورية، ولم تكن المناهج الدراسية التي درسها هؤلاء تحوي أفكاراً حول التوحيد الصحيح، أو الولاء والبراء، لكنهم على استعداد لاحتضان داعش، في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الحالية، وهو أمر قد يتبدل بعد مدة.

قصور التفسيرات الدينية والعقائدية لوجود حواضن شعبية لداعش يصل إلى الحديث عن الحواضن الشعبية لداعش في السعودية والخليج، إذ تكثر التكهنات بوجود حاضنة شعبية لداعش في السعودية، لأسباب متصلة بالمناهج الدينية، ونشوء الوهابية هناك. لا يراعي هذا التحليل وجود حواضن شعبية في العراق وسورية، لم تصل إليها المناهج الدينية الوهابية إلا مع داعش، وهي احتضنت داعش، من دون أن تكون سلفية، كما أن هذا التحليل لا ينتبه إلى وجود نسخ من الوهابية في السعودية، تختلف عن النسخة الداعشية التي تعود إلى منابع الوهابية الأصلية، وتقتفي سيرة الحركة الوهابية في تأسيسها، لكن الأهم أن التعامي عن العوامل السياسية والاقتصادية لا يُمكِّن من فهم الأوضاع الاجتماعية جيداً.

في عام 2003، قامت خلايا القاعدة بسلسلة عمليات داخل السعودية، استهدفت مجمعات سكنية وعاملين أجانب في الشركات والمؤسسات، ومقر الأمن العام، وكانت نتيجة هذه العمليات عكسية على التنظيم، فالذين كانوا معجبين به، إثر هجوم “11 سبتمبر”، تغير موقفهم، لأنه بدأ يعمل في بيئتهم، ويهز استقرارها، وفي هذه البيئة، الدولة قوية، وهناك استقرار أمني واقتصادي، لا يجعل للقاعدة والتنظيمات المشابهة لها فرصة كبيرة لإيجاد حاضنة شعبية. وهكذا، أصبح اليمن مقر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، فهناك يمكن للتنظيم إيجاد بيئة حاضنة، في ظل ضعف الدولة وغياب الاستقرار بشكل عام. هذه التجربة مهمة لأخذها بالاعتبار، في أي حديث عن وجود حاضنة شعبية لداعش. فهذا التنظيم، مثل تنظيمات أخرى، تنمو في ظروف الحرب والصراع، ووجود حالة من الاستقرار، تقلص تمدد هذا التنظيم، فهو يحتاج إلى بيئة تشعر بالتهميش والقهر، ليكون ممثلاً لها ضمن الصراع.

إن فهم أسباب وجود تعاطف شعبي مع داعش في بعض المناطق من العالم العربي، مهم لمعالجة المسألة بشكل ناجح. وإذا كان المطلوب عزل هذا التنظيم عن أي قواعد شعبية، فإن هذا لا يتحقق عبر تثقيف الناس ضد أفكار داعش الوهابية، أو بصناعة تحالفات دولية بقيادة أميركية تحاربه، بل بإيجاد صياغات وطنية جديدة، تنجز توافقات بين المكونات المختلفة، على قاعدة بناء دولة المواطنة، ومعالجة التهميش السياسي والاقتصادي لبعض المكونات الشعبية، والخروج من الوصاية الأميركية والغربية، وتحقيق استقلال القرار، لأن داعش تعزز شرعيتها عبر الحديث عن استقلاليتها، وتمثيلها تطلعات الناس في مواجهة الهيمنة الغربية على المنطقة العربية ومقدراتها.

العربي الجديد

 

 

 

اقتتال «النصرة» و«جبهة ثوار سوريا»… تآكل الحلم السوري!/ هشام منور

فيما تدور عجلة الحراك السياسي في سوريا، بعد طول توقف وتعسر مخاض إثر انتهاء مؤتمر «جنيف 2»، عبر مبادرة المبعوث الأممي الجديد إلى سوريا «ستيفان دي ميستورا» الداعية إلى وقف إطلاق النار في مناطق بسوريا، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها تحت شعار جديد ابتدعه المسؤول الأممي «مناطق مجمدة الصراع»، وبينما تقف المعارضة السياسية السورية مترقبة ما الأيام حبلى به من تطورات سياسية وعسكرية، في ظل الحملة الدولية على ما يسمى تنظيم «الدولة الإسلامية»، يبدو الصراع الذي اندلع بين كل من جبهة النصرة مدعومة بعناصر «فردية» كما قيل، من قبل «تنظيم الدولة»، ومعها تنظيم «جند الأقصى» في مواجهة «جبهة ثوار سوريا»، في مناطق نفوذها بريف إدلب، وحركة «حزم»، ليرسم صفحة جديدة في واقع التشظي العسكري الذي بات واقعاً في مشهد المعارضة السورية.

معارك عنيفة اندلعت بين الفريقين في ريف إدلب انتهت بانسحاب قائد «جبهة ثوار سوريا» جمال معروف إلى منطقة مجهولة بعد السيطرة على معقله في دير سنبل بريف إدلب، وانشقاق العشرات من مجموعته وانضمامها إلى كل من تنظيم جند الأقصى وجبهة النصرة، كما بسط الأخيران سيطرتهما على معظم الريف الإدلبي.

تختلف أسباب إعلان الحرب بين الطرفين وتتباين استناداً إلى البيانات الصادرة عنهما، فجبهة النصرة و»جند الأقصى» أصدرتا بياناً اتهمت فيه قيادة «جبهة ثوار سوريا» بـ «الاعتداء على عوام المسلمين وبعض الفصائل المجاهدة في المنطقة»، وأن «جبهة النصرة جنباً إلى جنب مع المجاهدين من عدة فصائل وأهالي المنطقة قاموا برد عاديته ودفع صياله عن دماء المسلمين وأموالهم».

كما علل الفريق المنتصر وقفه للمعارك بعد وساطة العديد من الفصائل ذات التوجه الإسلامي بالقول: إنه «حفاظاً على خطوط التماس والرباط مع الجيش النصيري، ومخافة تقدمه واستغلاله للوضع الحالي، واستجابة لجهود بعض أهل الخير والفضل في بلاد الشام، والذين توسطوا لوقف القتال الحالي».

بالمقابل، يقول قائد جبهة ثوار سوريا إن جبهة النصرة ومن والاها تريد تصفية حساباتها معه، وإقامة إمارتها الإسلامية الخاصة على غرار «الخلافة» التي أعلنها تنظيم الدولة.

أما «الائتلاف السوري» الممثل السياسي للمعارضة، فقد عبر على لسان ممثله في تركيا عن استيائه مما قامت به جبهة النصرة في ريف إدلب، وقال خالد الخوجة: إن «جبهة النصرة» بدأت تلعب دور ما يسمى تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، من خلال إزالتها الكتائب المعتدلة، كما اعتبر أن «عمليات التحالف جعلت الجيش الحر الحلقة الأضعف» حسب قوله، موضحاً أن «جبهة النصرة تحاصر مدينة إدلب منذ 3 أشهر، ويمكن لطيران التحالف الدولي استهدافها، إن كان يريد القضاء عليها، ووقف تقدمها إلى المدينة، إلا أنه لم يفعل ذلك».

قد يكون من المستغرب أن تكون جبهة النصرة أكبر متضرر من إعلان «تنظيم الدولة» «الخلافة»، فبدلاً من أن يكون التنظيم سنداً لجبهة النصرة، كان المعول الهدام الذي كاد يطيح بوجود الجبهة. دخلت جبهة النصرة إلى سورية تحت مسمى «جبهة النصرة لجهاد أهل الشام»، وأريد لها أن تكون الوجه الجديد لتنظيم «القاعدة»، من خلال البعد عن الخوض في التفاصيل السياسية.

لكن إعلان البغدادي «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وضم «النصرة»، كان العصا التي وضعت في عجلات الجبهة، مما دفعها للتصريح بتبعيتها لـ»القاعدة» الأم على أمل التحرر من التبعية للبغدادي. لكن ذلك الإعلان لم ينفع، وبدأ الشرخ يتسع والجبهة تتفكك، وزاد إعلان البغدادي قيام الخلافة الإسلامية من هذا التفكك في صفوف الجبهة، التي أوشكت على التلاشي أمام انضمام أعضائها لتنظيم الدولة.

لم تجد جبهة النصرة أمام حالة الانشقاقات التي عمت صفوفها وفشلها في مواجهة تنظيم الدولة عسكرياً وإعلامياً سوى الانكفاء والابتعاد عن خطوط التماس مع التنظيم، فانسحبت من الشرق السوري، وقبل ذلك، انسحبت من ريف حلب الشرقي، وأبقت على وجود رمزي في ريف حلب الشمالي، وتركز حضورها في ريف حماة الشرقي وإدلب والقلمون وجنوب سوريا، أي في المناطق البعيدة عن تنظيم الدولة.

ورغم كل ذلك لم تنجح «جبهة النصرة» في استعادة هيبتها وشعبيتها السابقة، ما دفع جبهة النصرة لاختبار إعلان الإمارة، الذي نفته لاحقاً، لكن المتابع يدرك أن إعلان الإمارة الإسلامية (بحسب فهم قادة النصرة) هو الخطوة الصحيحة لسحب الشرعية من البغدادي.

بين «دولة البغدادي» و«إمارة الجولاني» تتآكل الجغرافيا السورية أمام سكانها الهاربين من براميل النظام وسط صمت دولي مطبق، ويتولى قضمها كل من تنظيم الدولة من جهة، وجبهة النصرة من جهة أخرى، خدمة لمشاريع إقامة دول وإمارات إسلامية وفق مفهوم كل من التنظيمين، فيما يبقى الجيش الحر وفصائله المنضوية تحته ضعيفاً مفككاً قليل الحيلة إزاء تصاعد الهجمات عليه من قبل كل الأطراف، وتخاذل المجتمع الدولي عن مده بالسلاح والعتاد اللازم، لتتآكل الجغرافيا السورية ومعها حلم السوريين في بناء دولة لكل أبنائها، بعد التخلص من نظام الاستبداد فيها.

 

٭ كاتب فلسطيني

القدس العربي

 

 

 

من الأخطر: بوتين أم البغدادي؟/ الياس حرفوش

قد يبدو طرح هذا السؤال مستغرباً للوهلة الأولى. وقد يكون وجه الغرابة أن فلاديمير بوتين رئيس دولة بينما أبو بكر البغدادي اصطنع لنفسه دولة ولقباً ووظيفة، وأخذ يذبح خصومه على الهوية بشكل همجي من دون أخذ أي قيم إنسانية أو دينية أو حضارية في الاعتبار.

لكن الاستغراب يخف عندما نضع جدولاً بالمقارنات، بين ما يفعله خليفة ستالين وبريجنيف بالأمن الأوروبي، وما يفعله «الخليفة إبراهيم» من الجهة الأخرى بأمن المنطقة العربية، وما ترتكبه سيوفه من دماء ومذابح بحق رقاب أهل المنطقة وضيوفها، وبحق حدود دولها. فلاديمير بوتين يعمل على إعادة روسيا الاتحادية إلى أيام القياصرة وعصر الاتحاد السوفياتي، وإبراهيم بن عواد السامرائي (أبو بكر البغدادي) يريد إعادة المنطقة العربية إلى ما قبل سايكس بيكو، وإعادة ثقافتها إلى ما قبل عصور التنوير التي عرفت فيها دول الإسلام وامبراطورياته أرفع مستويات قيمها ورقيها. وحتى في أعداد القتلى فان بوتين يستطيع أن ينافس البغدادي بجدارة، فإذا كانت مجازر البغدادي في سورية والعراق منذ الصيف الماضي قتلت الآلاف وهجرت عشرات الآلاف، فان الحرب التي يرعاها بوتين في شرق أوكرانيا أودت بحياة 3600 شخص على الأقل في الشهور الستة الأخيرة.

الخطر الذي تمثله سياسات بوتين على الأمن الأوروبي لم تعد خافية. هناك اتفاق بين الدول الغربية أن ما يرتكبه الرئيس الروسي في أوكرانيا لا يقل خطورة عما ارتكبته دبابات نيكيتا خروتشوف وليونيد بريجنيف في بودابست وبراغ عامي 1956 و1968. يزيد من حجم القلق أنه في الوقت الذي يحتفل العالم بمرور ربع قرن على سقوط جدار الكراهية الذي بناه الروس في وسط برلين، يبني بوتين جدراناً أخرى قرب حدود بلاده لمنع أبناء الدول المجاورة من حق الحلم في انتماء آخر، غير الانتماء إلى «العالم الروسي». والكلام الذي سمعه بوتين خلال قمة العشرين في أستراليا قبل أيام يذكّر كل متابع بما كان يسمعه قادة الاتحاد السوفياتي من الرؤساء الغربيين أيام الحرب الباردة، من اتهامات بالكذب، عندما كان ينفي هؤلاء أي سيطرة أو نفوذ لهم في عواصم الكتلة الشرقية. خطورة ما يفعله بوتين أنه يضع أوروبا والعالم على فوهة بركان، فيما كان الاعتقاد أن سقوط الاتحاد السوفياتي وعمليات الاندماج الحاصلة في الاتحاد الأوروبي أصبحت ضمانة للسلام في القارة الأوروبية.

البغدادي من جهة أخرى يضع المنطقة العربية على فوهة بركان أكثر خطورة، تتشكل حممه من الصراعات المذهبية التي يغذيها تنظيم «الدولة الإسلامية»، بسبب مواقفه الدينية المتطرفة وسلوكه الإجرامي والوحشي. ففي الوقت الذي كانت المنطقة العربية تطمح إلى الانتقال إلى عصر تنفتح فيه على ثقافات العالم وحضاراته وتبني معها جسوراً من التواصل، أسوة بما فعله أجداد في عصور سابقة، يعلن البغدادي وزمرته القطيعة مع العصر، ويفتح أبواب المنطقة على صراع مفتوح يعيد الدول الكبرى إلى ساحة المعركة، بهدف القضاء على هذا التنظيم ومنعه من التمدد إلى عواصم تلك الدول، نتيجة انتماء كثيرين من أعضائه و»ذبّاحيه» إلى جنسيات الدول الغربية.

هكذا يجد الغرب نفسه اليوم أمام معركتين، مع «داعش» من جهة، ومع بوتين ومخاطر توسعه في شرق أوروبا من الجهة الأخرى. وإذ يبحث الخبراء والاستراتيجيون في الخطر الذي يجب أن يشكل مصدر القلق الأكبر للدول الغربية، فانهم يعتبرون أن القضاء على «داعش» يحتل الأولوية، أولاً لأن هذه الدول تخوض اليوم حرباً فعلية مع التنظيم الإرهابي لا بد لها من كسبها بالتعاون مع حلفائها، وثانياً لأن ما يجري في الشرق الأوسط والمنطقة العربية يشكل إعادة رسم لخريطة هذه المنطقة، بما يعنيه ذلك من ضرورة الاهتمام بما ستنتهي إليه الأمور بالنسبة إلى المصالح الغربية فيها.

وبقدر ما يتجه اهتمام الغرب صوب «داعش» والبغدادي، يشعر فلاديمير بوتين أنه يستطيع أن يتابع التدخل في شؤون جيرانه، فيما عيون العالم تتطلع إلى وجهة أخرى. لقد ابتلع بوتين شبه جزيرة القرم، واقتطع عملياً شرق أوكرانيا عن الأجزاء الباقية من ذلك البلد، وقد يتجه غداً صوب دول البلطيق، فيما التلكؤ الغربي، والأوبامي خصوصاً، حيال الأزمة السورية، هو الذي سمح لإرهاب «داعش» وسواه من تنظيمات بالنمو والتمدد، حتى صارت تشكل خطراً يفوق الخطر الذي يمثله بوتين على الأمن العالمي.

الحياة

 

 

 

تراكم تحدّيات يُهدّد زخم التحالف الدولي كلّ حجج أوباما في طاحونة الأسد/ روزانا بومنصف

يواجه التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش في سوريا تحديات حقيقية تهدد امكان استمراره بالزخم الذي انطلق فيه وفق ما تقول مصادر معنية متابعة في بيروت، على رغم انه لم يكن زخما قويا. فهذا التحالف الذي هو التحالف الثالث في المنطقة يفتقر الى عناصر كثيرة مما حظي به التحالف الدولي الذي شن ضد العراق من اجل ارغامه على الانسحاب من الكويت التي كان احتلها صدام حسين في العام 1990 او ايضا من التحالف الذي قادته الولايات المتحدة من اجل احتلال العراق في العام 2003. فكل من هذين التحالفين كانت لهما نقاط قوة وضعف ولو انهما نجحا في الاهداف المعلنة لهما. والتحدي الذى يواجهه التحالف الحالي المبني على واقع مواجهة الارهاب ولمدة طويلة يواجه تعقيدات بأبعاد سياسية تترتب عليها نتائج مصيرية في المنطقة لذلك هو يتم على جبهات عدة: احداها يتمثل في شكوك ومخاوف يبديها افرقاء التحالف في المنطقة ممن يقدمون تغطية سياسية للولايات المتحدة من اجل قيامها بالغارات ضد تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا من ان تساهم هذه الغارات في الوصول الى نتائج غير مرجوة وغير مقصودة كأن يستفيد النظام السوري وايران من الحرب ضد داعش في غارات يشنها النظام ويرتكب مجازر فيها. وقد اكتفت الولايات المتحدة بالتنديد بهذه الغارات وكأن ما يجري من جانب النظام يحصل في بلد اخر غير سوريا التي تستهدف فيها الغارات الاميركية مناطق محددة. وفي الوقت نفسه بدت آلية دعم المعارضة المعتدلة التي تلقت ضربات قاسية بطيئة وطويلة مما افسح في المجال امام تحذيرات علنية قدمتها كل من تركيا وقطر على هذا الصعيد. وهما تدفعان الادارة الاميركية في اتجاه خطوات ضامنة لعدم توظيف غارات التحالف ونتائجها في غير ما تهدفان اليه خصوصا ان تساؤلات تثار حول حماية كوباني والاكراد فيها وعدم حماية ثوار سوريا من الطائفة السنية في مناطق أخرى. في حين ان الدول الاقليمية الاخرى المشاركة ليست بعيدة من الخلاصات نفسها علما ان الدول الغربية الحليفة لواشنطن وغير المشاركة في التحالف ضد داعش في سوريا حذرت مبكرا من هذا المنحى. وتضغط هذه الدول في اتجاه موقف اميركي اكثر وضوحا والتزاما من الازمة السورية من دون نجاح كبير حتى الان ما دامت الادارة الاميركية لا تضع ازاحة بشار الاسد اولوية في سلم اولوياتها او على الاقل قبل تدمير داعش كما ان سوريا نفسها ليست اولوية قبل العراق من جهة وقبل مواجهة الارهاب من جهة اخرى مما يبقي اجندات الحلفاء في التحالف مختلفة وتعبر عن نفسها في المواقف المعلنة.

 

اما الجبهة الاخرى فتتمثل في الجبهة الاميركية الداخلية اذا صح التعبير في ظل تيارات متضاربة بعضها يدفع منذ وقت غير قصير في اتجاه اعادة تعويم بشار الاسد في مواجهة خطر داعش في ظل عدم وجود مساعدة عملية على الارض كما في العراق من اجل دعم العمليات الجوية للتحالف واستغراق اعداد المعارضة المعتدلة وقتا طويلا. وبعضها الاخر يخشى على التحالف من الانهيار في ظل عدم وضوح النيات الاميركية الحقيقية من نظام بشار الاسد وقدرة هذا الاخير على الاستفادة من الغارات التي يشنها التحالف سياسيا من خلال نجاح خطته الاصلية في جعل الحرب على الارهاب تتقدم المطالبة برحيله او بتغيير النظام ومن ثم دفع التحالف الى التعاون معه عملانيا او يقول بفشل الحرب على داعش في حال تم الابقاء على الاسد في السلطة. وكان وزير الدفاع الاميركي تشاك هاغل بالذات انتقد في مذكرة وجهها في 30 من الشهر الماضي الى البيت الابيض الاستراتيجية الاميركية في سوريا مطالبا الادارة بتوضيح نياتها من نظام بشار الاسد معتبرا ان دمشق قد تستغل هجمات التحالف الدولي ضد داعش وان السياسة الاميركية معرضة للفشل بسبب الارتباك الذي يحوط بموقف واشنطن من الاسد.

تضع المصادر المعنية مبادرة الرئيس الاميركي في اختتام مشاركته في قمة العشرين في بريزبن في اوستراليا في 17 تشرين الثاني الجاري في اطار استخدام منبر هذه القمة من اجل توجيه رسائل في الاتجاهات المذكورة فضلا عن حسم اللغط عن اعتزامه التغيير في سياسته ازاء سوريا. فأبدى سببين رئيسيين احدهما “ان الاسد قتل مئات الالاف من مواطنيه بوحشية ونتيجة لذلك فقد شرعيته بالكامل في هذا البلد”. والثاني ان التعاون معه “سيدفع مزيداً من السنة في سوريا في اتجاه دعم الدولة الاسلامية وسيضعف الائتلاف”. كان يكفي بالنسبة الى المصادر المعنية ابراز اوباما السبب الرئيسي الذي يحول دون اي امكان للتعاون او اعادة تعويم الاسد وهو ما اتهم به الاسد لجهة مسؤوليته عن قتل الالاف من مواطنيه اذ ان هذا يعد سببا جوهريا مانعا وحاسما، لولا انه يحتاج الى توجيه رسائل في الوقت نفسه الى حرصه على التحالف والغطاء الذي تؤمنه الدول العربية بحيث لا امكان لاي نجاح للحملة العسكرية ضد داعش من دونه. ولكنه في مقابل استبعاده التعاون مع النظام السوري واستبعاده التوصل الى حل سياسي للحرب الاهلية السورية يشمل بقاء الاسد في السلطة وفق ما قال، استبعد شن عمليات عسكرية ضده. وهي معادلة لا تحدث فارقاً كبيراً وفق ما ترى هذه المصادر.

النهار

 

 

 

أردوغان أقوى من البغدادي/ موناليزا فريحة

المانيفستو الاخير لأبو بكر البغدادي “ولو كره الكافرون” رسم خط سير العمليات المقبلة. وبقبوله المبايعات الجماعية من فصائل منتشرة في أكثر من بلد عربي، بمن فيها “أنصار بيت المقدس” في سيناء، يخطط لأوسع “تمدد” لدولته الاسلامية ، وينصب نفسه خليفة، لا على بلاد الشام والعراق فحسب، وإنما على الجزء الاكبر من العالم العربي.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطبته أمام رجال دين مسلمين من أميركا اللاتينية، ذهب أبعد من ذلك. أعاد اكتشاف أميركا، بادعائه أن مسلمين (ربما كانوا أتراكاً ايضاً) وصلوا قبل كريستوف كولومبوس الى القارة الجديدة، وتحديداً عام 1178.

قد يفكر البغدادي في اصدار تسجيلاته الصوتية، بما فيها الاخير، في ألبوم في أحسن الاحوال، بعدما وزّعت كلمته الاخيرة على قرص مدمج عليه صورته في الرقة ومناطق أخرى خاضعة لسيطرة تنظيمه. أما أردوغان، فيبدو أنه لن يكتفي بإضافة موقفه الاخير الموجه هذه المرة الى واشنطن، الى سجل استفزازاته لخصومه السياسيين والاقليات ومواقع التواصل الاجتماعي، وإنما يبدو مصراً على اعادة “تصحيح” التاريخ، وسحب حقوق اكتشاف اميركا من كولومبوس الذي سجلت القارة الجديدة باسمه، وإن يكن اكتشفها من طريق الخطأ.

الصحف التركية الموالية للرئيس التركي تتبارى لاثبات صحة نظريته. صحيفة “أكجام” استندت الى دراسة أعدها الاستاذ في علم الحيوانات اللافقرية في جامعة هارفرد باري فل لتقول إن الاسلام وصل الى أميركا قرابة عام 650، وإن آثار مدارس دينية اسلامية تعود الى تلك الحقبة وجدت في كل من كولورادو ونيو مكسيكو وانديانا. وأوضحت الصحيفة ولكن من دون مصادر هذه المرة، أن كتابات عربية قديمة وجدت قرب جبال في نيفادا في خمسينات القرن الماضي. وتنضم التلفزيونات الرسمية الى الحملة باستضافتها خبراء يتجادلون حول”علميّة” ادعاءات رئيسهم.

الخصوم السياسيون لاردوغان يستبعدون أن يكون الرئيس “الذي لا تربطه علاقة جيدة” بالكتب، قد قرأ بنفسه مذكرات كولومبوس، ويرجحون أن يكون أحد مستشاريه هو الذي زوده معلومات خاطئة بعد جولة سريعة على الانترنت. فقصة المسجد على الساحل الكوبي التي تطرق اليها أردوغان ونسبها المؤرخ الكندي اللبناني الاصل يوسف مروة الى مذكرات كولومبوس،ليست جديدة، وسبق لمؤرخين كثر أن حسموا الجدل في شأنها، موضحين أن إشارة كولومبوس كانت مجازية تصف معالم جبل تشبه جزءاً من مسجد.

لا شيء ثابتاً تاريخياً قبل كولومبوس عن اكتشاف القارة أو عن أن أحداً استطاع عبور ما كان يطلق عليه بحر الظلمات. ومع أن الروايات كثيرة وإحداها عن الفينيقيين، فهي تبقى مجرد حكايات قد يكون لها أصل تاريخي أو لا. لكن اصرار أردوغان على اعادة كتابة التاريخ وعزمه على اعادة بناء المسجد “الافتراضي”، يضعانه في خانة زعماء من طينة البغدادي وربما أقوى.

النهار

 

 

 

ماذا لو توحدت «داعش» و«القاعدة»؟/ جوشوا كيتنج

قال مسؤولون في المعارضة السورية إن «داعش» عقدت هدنة مع شركائها الإرهابيين في تنظيم «القاعدة». وقد وُضع الاتفاق الجديد بين الطرفين موضع التنفيذ الفعلي خلال اجتماع عقد في شمال سوريا الأسبوع الماضي، شارك فيه أعضاء من «داعش»، وفصيل جبهة «النصرة» الإرهابي التابع لـ«القاعدة» في سوريا، بالإضافة لأعضاء من «جماعة خراسان» التي تضم أعضاء من «القاعدة» أتوا من باكستان وأفغانستان ويعملون تحت قيادة جبهة «النصرة».

ووفقاً لخبر نشرته وكالة «أسوشييتدبرس»، قال مسؤولو المعارضة السورية إن ما يعرف باسم الجماعات الجهادية وافقت على العمل معاً لدحر «جبهة ثوار الشام» وتدميرها، وهي فصيل بارز مسلح ومدرّب بإشراف الولايات المتحدة ويقوده مقاتل يدعى «جمال معروف».

وتسربت بعض التفاصيل عن «الاجتماع الإرهابي»، ونشرها هذا الأسبوع المحلل «جامي ديتمير» في صحيفة «ديلي بيست»، حيث قال إن الفصائل الثورية السورية المعتدلة «اتهمت إدارة أوباما بالعمل على توثيق عرى التعاون بين الجماعات الجهادية» من خلال الضربات الجوية التي شنّتها ضد جبهة «النصرة» خلال الأيام الأولى للتدخل في سوريا. وتعقيباً على هذه الأخبار، قال مسؤولون أميركيون إنهم لم يتأكدوا من صحة التقرير المتعلق باندماج الفصائل المتطرفة، وأخبروا وكالة «أسوشييتدبرس» بأنهم لم يلاحظوا أي تغير في استراتيجية الفصائل الإرهابية.

وإذا ما تأكدت أخبار هذا الاندماج، فإنه سيؤدي إلى تحول كبير في الاستراتيجيات المتبعة في ميدان المعركة ذي التعقيد البالغ في سوريا، بالرغم من أن «داعش» لا تمتلك أصدقاء في سوريا على الإطلاق والمنطقة حتى بين الفصائل التي تتبنى استراتيجياتها الإرهابية ذاتها.

ولو أضفنا إلى هذا التطور المحتمل الأنباء التي تفيد بأن حركة «أنصار بيت المقدس» المصرية الإرهابية التي أعلنت هذا الأسبوع ولاءها لتنظيم «داعش»، فسوف نتوقع بأن يحظى التنظيم الأخير بتأييد أوسع من «الفصائل الجهادية» الإرهابية.

وقال «ديب رايشمان»، المحرر في وكالة «أسوشييتدبرسس»، والمتخصص في قضايا الإرهاب، إن اتفاقية الهدنة بين فصيلي «داعش» و«النصرة» من شأنه أن «تخلق تعقيدات كأداء لاستراتيجية واشنطن». وهذه هي الحقيقة بالرغم من أنها ستسهل بعض الأمور عند تنفيذ تلك الاستراتيجية وتجعلها أكثر بساطة. ثم إن الخط الوهمي الذي يفصل بين «الفصائل الثورية المعتدلة» وما يسمى «الحركات الجهادية» المناوئة لتنظيم «داعش»، كان يتميز دائماً بالغموض وعدم الوضوح وبأكثر مما أراد أي مراقب أن يعترف به. وخلال الأشهر التي قضاها الصحفي «ثيو بادنوس» في الأسر داخل سوريا، راح يتذكر حواراً دار بينه وبين قادة أحد فصائل «الجيش السوري الحر»، عندما كان أسيراً لدى جبهة «النصرة». وقال لي بعد تحرره من الأسر إن أحد الثوار قال له إنه سبق له أن سافر إلى الأردن ليتلقى هناك تدريبات عسكرية على أيدي خبراء من القوات الأميركية لمواجهة جبهة «النصرة». فقال له مستغرباً: «هل حقاً ما تقوله.. أهم الأميركيون من كنت تتلقى التدريب على أيديهم؟ أتمنى أن تكون قد تلقيت تدريباً جيداً». أجابه: «بالتأكيد، لقد كان التدريب جيداً». وراح المقاتلون الذين استمعوا إلى الحوار يحملقون به، وكان هو أيضاً يحملق فيهم.

وبعد لحظات قليلة، سألهم الأسير: «إذن يتعلق الأمر بقتال جبهة النصرة، أليس كذلك؟»، أجابه أحدهم: «الحقيقة أننا كذبنا على الأميركيين في هذه النقطة».

وعندما يتعلق الأمر بفصيلي «داعش» و«النصرة»، فإن واشنطن لم تكن تتعامل معهما أبداً استناداً إلى منطق «عدو عدوي صديقي»، بل كانت قذائفها وصواريخها تستهدفهما معاً دون أن تفرق بينهما. والآن، يأتي هذا الاندماج، وتأتي معه مؤشرات توحي بأن واشنطن أخذت تكيّف نفسها مع بقاء الأسد لفترة طويلة في سدّة الحكم. وقد يعد كل ذلك مؤشراً على حدوث انقلاب وتداخل في الخطوط الاستراتيجية للحرب الدائرة في سوريا. وفي نفس الوقت، يمكن القول بكل وضوح (شاءت إدارة أوباما أم أبَت)، أن الحكومة السورية أصبحت أحد طرفي النزاع، و«داعش» و«القاعدة» تمثل الطرف الآخر.

ولا شك أن الخاسر الأكبر من هذه التطورات المتلاحقة هم الثوار السوريون المعتدلون المدعومون من الولايات المتحدة. وتحدثت تقارير كثيرة هذا الأسبوع عن أن البيت الأبيض أطلق عملية مراجعة شاملة للاستراتيجية الأميركية في سوريا، بعد أن رأى العديد من كبار المسؤولين فيه، وفي البنتاجون أيضاً، أنها استراتيجية لا تعمل على النحو المطلوب.

وفيما ينتظر الثوار السوريون المعتدلون والأصدقاء للولايات المتحدة انجلاء هذا الوضع المعقد، فإنهم يجدون أنفسهم الآن عالقين في زاوية غير آمنة.

الاتحاد

 

 

 

 

كيري والأسد والبغدادي!/ راجح الخوري

تأخر جون كيري كثيراً ليكرر ما قاله لوران فابيوس قبل عامين: “من غير المعقول ان يوضع السوريون امام خيارين إما الديكتاتورية وإما الارهاب”، لكن ليس المهم موافقة كيري في الخطب والمؤتمرات، المهم هو تصويب السياسات الاميركية التي ادت الى وضع السوريين امام هذين الخيارين البشعين.

يعرف كيري ان من غير المبالغة القول، ان باراك اوباما كان، وربما لا يزال يمثل في نظر الكثيرين [بمن فيهم كيري ضمناً]شريكاً مضارباً، سواء في حماية الديكتاتورية عبر التعامي الطويل عن فظاعاتها التي دمرت سوريا وساهمت في استيلاد “داعش” وأخواته، وسواء في ترك المجال السوري والعراقي مفتوحاً امام الارهابيين، الذين يبدو انهم لم يقرعوا ابواب البيت الابيض قبل ان تحزّ السكين رقبة المسكين جيمس فولي.

قبل اربعة اشهر بدأت الغارات على “داعش” في العراق، ومنذ ذلك الحين يبدو ان تحالف الاربعين دولة الذي تحدث عنه اوباما وكأنه يناور جواً ضد “داعش” اكثر مما يقوم بقصف مركّز ومتواصل على مراكزه، وما هو اخطر ان اوباما اعلن عشية قمة العشرين انه طلب من الكونغرس تحديد استراتيجيا للحرب على الارهاب، فهل كل ما قام به حتى الآن كان من باب التخمين او الارتجال؟!

ليس في هذا الكلام اي مبالغة. يكفي ان نعود الى تصريحات مارتن ديمبسي الذي عارض دائماً وعلى امتداد ثلاثة اعوام ونيف تسليح المعارضة السورية المعتدلة، او اولئك الذين قال اوباما انهم مجموعات من الفلاحين واطباء الاسنان لا يجيدون القتال، ولم يرفض تسليحهم من اميركا فحسب، بل انه طبق القانون الذي يمنع حلفاءه من ايصال السلاح الاميركي الذي يملكونه اليهم!

كيري يكتشف الآن ان النظام السوري و”داعش” وجهان لعملة ارهابية واحدة، وان هناك علاقة تكافلية تضامنية بين الاسد وابو بكر البغدادي، بمعنى ان الاسد يدّعي انه آخر خط دفاع ضد الارهابيين و”داعش” يقدم نفسه بديلاً وحيداً من الاسد وهذه معادلة تعزز الطرفين!

لكن ليس المهم الاكتشافات بل المعالجات، وخصوصاً ان وعود اوباما اخيراً بتسليح المعارضة المعتدلة وتدريبها لم تترجم بما يشجع على التصديق ان هناك رغبة في ان تقوم هذه المعارضة بملء الفراغ الذي يفترض ان ينجم عن سقوط النظام وهزيمة الارهابيين.

ومن خلال هذا التناقض بين الاقوال والافعال من الضروري طرح السؤال بكثير من التشكيك:

ما معنى حديث كيري عن الحل السياسي الانتقالي في سوريا، وما معنى موافقة النظام السوري على الاقتراح المهزلة الذي طرحه ستيفان دو ميستورا بتجميد الصراع، وهو ما اعتبره النظام مدخلاً الى استعادة السيطرة على سوريا المدمرة؟

النهار

 

 

 

“داعش” والأسد: تلازم المسارين… والمصيرين/ عبدالوهاب بدرخان

فيما واصلت مصادر عدة تأكيد أن إدارة باراك أوباما لن تتخلّى عن المقاربة التي اعتمدتها حيال الأزمة السورية، طوال أربعة أعوام، أكثر الرئيس الأميركي في الأيام الأخيرة من إعلان مواقف تُعتبر «جديدة» لهجةً ومضموناً. فبعدما قال في واشنطن إن «تنحية» بشار الأسد «تساعد في هزيمة داعش»، كرر في بريزبين في أستراليا أن «التعاون مع الأسد ضد داعش سيضعف التحالف». وإذ طلب من مستشاريه إجراء مراجعة لسياسة إدارته في شأن سورية، فإنه أبدى اقتناعاً أولياً باستحالة إنزال هزيمة بتنظيم «داعش» من دون إزاحة الأسد. أي أن مصير الاثنين أصبح متلازماً.

ليس مضموناً أن يتوصل المستشارون إلى نتيجة مماثلة، إذ سبق أن أبلغوا كثيرين من المراجعين العرب والأوروبيين أنهم بذلوا أقصى جهدهم لـ «حماية الرئيس» من الأزمة السورية والحؤول دون تورّطه فيها. ثم إنهم متنوعو النيات والغايات، وبينهم الكثيرون ممن يصغون إلى وجهات النظر الإسرائيلية ويأخذون بها، وفي عُرف هؤلاء أن ما تتوخاه واشنطن في سورية قد حصل من دون أن يكلّفها شيئاً، ولا داعي للتورّط الآن في ما تفادته منذ البداية. لكن، يبدو أن العنصر الذي طرأ، متمثلاً بـ «داعش» الذي ذبح ثلاثة أميركيين، وأوجب قيادة أميركا تحالفاً دولياً جديداً ضد الإرهاب، ما لبث أن فرض إعادة نظر لـ «تحقيق الانسجام» بين الاستراتيجية المتّبعة سورياً وضرورة تحقيق الهدف من «الحرب على داعش».

كان الهاجس الذي شغل أوباما وفريقه أن سقوط الأسد يعني سقوط الدولة، بما فيه من تكرار غير مرغوب فيه لما حصل في العراق بعد الغزو الأميركي. وكانت روسيا وأميركا حبّذتا دائماً حلاً سياسياً يحافظ على الدولة والجيش، ما يتيح عملية انتقالية منضبطة وقليلة الأخطار. وقد استخدم الروس في محادثاتهم مع الأميركيين احتمال انهيار الدولة للدفاع عن ضرورة بقاء الأسد وتوليه قيادة أي حل، وكان الجانبان مقتنعين بأن المعارضة لم تستطع تقديم «بديل من الأسد»، بل إن انقساماتها بدّدت قدراتها على القيادة وأثارت المخاوف لدى الأقليات، وإذ اعتبرا أن «البديل» الأفضل ينبغي أن يأتي من داخل النظام فإنهما لم يرسلا إشارات جدية لإبراز أي بديل كما اصطدما بحرص النظام على إقصاء أي شخص قد يشكّل مشروعَ بديل. وفي العامين الأخيرين انتقلت «ورقة البديل» كلياً إلى أيدي الإيرانيين.

كان ينقص هذا الهدف – الحفاظ على الدولة، وهو مشروع مبدئياً، أن يكون الأسد معنياً بهذه الدولة ومؤتمناً عليها، لكنه واظب طوال الأزمة على موقعه كـ «عدو لشعبه». وفي بحثه الدائب عن حل عسكري، واستبعاده أي حل سياسي حقيقي، واستخدامه الإرهاب لضرب المعارضة أو لاختراق مناطقها وتشويه صورتها، غلّب شعار «الأسد أو نخرب البلد» على سيناريوات تعزيز الدولة لاستعادة مواطنيها كافةً. ومع الوقت راحت هذه «الدولة» تتهرّأ وتتآكل، ولم تعد موجودة إلا بالسطوة، ولولا الرعاية اللصيقة من جانب إيران لكان النظام تفسّخ وتلاشى.

ما إن أنجز «داعش» سيطرته في مناطق عراقية وربطها بمناطق سورية عاكفاً على تحقيق مشروعه («الدولة الإسلامية») حتى تغيّرت الظروف والأحوال بالنسبة إلى الأسد ونظامه. فحتى «الحليف» الإيراني، وكذلك الروسي، يبدوان حالياً كأنهما أيضاً في صدد مراجعة حساباتهما تجاهه، وعلى رغم استمرار حاجتهما إليه إلا أنهما لم يعودا مقبلين على الاستثمار فيه. فعلى سبيل المثل، رفضت موسكو أخيراً منحه قرضاً ببليون دولار كان طلبه، وباشرت تحركاً لطرح مبادرة سياسية من دون تنسيقٍ مسبق معه، ولعل هذا ما يفسر معاودة اعتقال المعارض الناشط لؤي حسين. أما طهران التي لمست حاجته إلى الوقود، بعد استيلاء «داعش» على مواقع النفط، فلم تسارع كعادتها الى إمداده، بل إنها على المستوى السياسي تقترب أكثر فأكثر من المساومة عليه إذا حصل اختراق في المفاوضات النووية.

أصبح على النظام أن يحذر من حليفيه اللذين أربكهما تفجّر الخطر «الداعشي» فأدّى عملياً إلى شيء من التهميش لروسيا بوجودها خارج «التحالف» وانغماسها في الأزمة الأوكرانية، كما ضيّق الهامش الذي كانت تلعب فيه إيران. وعلى افتراض أن النظام يرغب في طرح مبادرةٍ ما، وهو ما لم يفعله أبداً، فإنه فقد القدرة والأهلية، ولم يعد متاحاً له تجاوز الإيرانيين. فبمقدار ما يدرك أهل النظام مدى اعتمادهم على إيران صاروا يتحدثون بمرارة عن «مندوبيها السامين»، كما يسمّونهم. ولعل قصة إطاحة حافظ مخلوف ذات دلالة، إذ نشبت خلافات بين مخلوف رئيس «القسم 40» المعني بأمن دمشق وعدد من رؤساء الأجهزة الأخرى، وفي طليعتهم رفيق شحاده رئيس الاستخبارات العسكرية الذين احتجوا لدى الأسد على ممارسات ابن خاله، وفي اجتماع ضم هؤلاء الرؤساء (إلى شحادة، جميل حسن وديب زيتون وعلي المملوك ورستم غزالة) أثار بشار استياءهم برفضه مآخذهم على مخلوف مؤكداً دعمه له، ويبدو أن بعضهم اشتكى لدى الإيرانيين، فقصد «المندوب السامي» الإيراني الاسد ولم يخرج من مكتبه إلا بعد حصوله على إقالة مخلوف.

مع بداية الضربات الجوية على «داعش» والتطمينات التي تبلغها من العراقيين، نقلاً عن الأميركيين، قدّر الأسد أن الحرب تصبّ في مصلحته، فـ «التحالف» يتكفّل بـ «داعش» والنظام يتكفّل بالمعارضة ومناطقها، لذا ضاعف القصف بالبراميل وشدّد الحصار هنا وهناك، خصوصاً على حلب التي تتسابق «جبهة النصرة» و «داعش» على استكمال حصارها من جهة الشرق. وما عزز حسابات النظام أن مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا جاءه بخطة هدنة لتخفيف حدّة الصراع، «بدءاً من حلب»، ففهم الأسد أن الأولوية الدولية هي لمحاربة الإرهاب، بالتالي فإن الفرصة سانحة أمامه للإجهاز على المعارضة بدءاً من حلب، لذلك رحّب بالخطة، وكذلك فعلت طهران. في دوائر الأمم المتحدة وأمانتها العامة يكثر الحديث يوماً بعد يوم عن دي ميستورا الذي يبدي تعاطفاً ملحوظاً مع النظام ولا يتواصل إلا مع عواصم تؤيده، كما أن الخطة التي عرضها ليست متوازنة وتفتقر إلى آلية مراقبة، بل تبدو كأنها تدعو النظام إلى حصد ثمار حصاره مناطقَ المعارضة. وفيما خلص تقرير للجنة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق في سورية، إلى أن «الفشل السياسي في معالجة الأزمة هو ما أدّى إلى تفاقم التطرّف وظهور داعش»، لم يكن واضحاً أن «هدنة دي ميستورا» تستند إلى خطة سياسية موازية يمكن أن تشكّل دعماً لـ «الحرب على داعش».

هذا ما أتاح لروسيا رؤية ثغرة تعاود من خلالها ممارسة دور كان توقف منذ فشل «مؤتمر جنيف – 2» وتعطّل كلياً مع تشكيل «التحالف ضد الإرهاب». ولم تطرح موسكو جديداً مع الوفد الذي زارها برئاسة معاذ الخطيب، بل حاولت تنقيح اقتراح «حوار واتفاق بين الحكومة السورية الشرعية والمعارضة» سبق أن طرحته حين كانت المعارضة (والنظام) في وضع أفضل مما هما عليه الآن. وكالعادة لم يُفهَم من التصريحات الروسية أن موسكو أجرت مراجعة لمواقفها الأساسية، أو أنها قادرة على التأثير في موقف النظام (وإيران)، لكنها تريد فقط استغلال ضعف المعارضة. أما جديدها فهو أنها تحاول الاستعانة بمصر التي وضعت أفكاراً لمبادرة لم تعلنها وتركّز فيها على حوار بين النظام والمعارضة.

خلال زيارته العراق أخيراً قال رئيس الأركان الأميركي مارتن ديمبسي إن القوة العسكرية لن تقضي على «داعش» ما لم تنجح الحكومة العراقية في «إنهاء الانقسام بين السنّة والشيعة في البلاد»، وإن بناء الثقة يتطلّب وقتاً. طبعاً، هناك أسباب تدعم ولو بحذر هذا الرهان في العراق، فحكومة حيدر العبادي تمثل مختلف الأطراف، وهناك برلمان منتخب، وسعي إلى إعادة هيكلة الجيش. أما بالنسبة إلى سورية فكل المبادرات تصطدم بمشكلة اسمها بشار الأسد، وبنظام لا يملك أية مقومات تؤهله لبلورة أي حل توافقي. والأهم أنه ساهم في تغذية «الإرهاب الداعشي» ويعوّل عليه الآن للبقاء في الحكم. لكن معادلة «إما الأسد أو داعش» آخذة في التحوّل إلى «لا داعش ولا الأسد».

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

سوريا: العودة إلى الألعاب الاستعمارية القديمة/ أمير طاهري

في وقت ما من العام الماضي ربما، اكتشف أحد الذين يقفون على رأس قيادة نظام الأسد في دمشق، دليلا استعماريا كتبه الفرنسيون ويدور حول كيفية السيطرة على سوريا. ويعكس ذلك الدليل السياسة العدوانية التي انتهجها الرئيس الفرنسي السابق ألكسندر ميلران، إذ يوصي الدليل بتطبيق سلسلة من الحيل تهدف في مجموعها إلى السيطرة على الدولة المتكونة حديثا ضد رغبات غالبية شعبها.

وقد صممت الأساليب المذكورة لتتناسب مع «بلقنة» سوريا الكبرى واستدعاء سياسة «فرق تسد» بناء على وعود بإقامة عدة دويلات تحكمها الأقليات. ومن واقع الحقيقة القائلة بأن الرئيس ميلران كان اشتراكيا وكان من المفترض أن تكون الدولة الفرنسية ذات طابع علماني، فلا كان هو اشتراكيا محضا ولا هي علمانية صرفة.

من أبرز وصايا الدليل الاستعماري المذكور، هناك اثنتان مهمتان؛ أولاهما تركيز الإدارة الاستعمارية مواردها على السيطرة على ما وصفته بـla Syrie utile أو «سوريا المفيدة». ويقصي ذلك المفهوم أكثر من نصف أراضي سوريا، التي تتألف من صحراء قليلة السكان. وبدلا من ذلك، يسلط الضوء على قيمة الشريط الساحلي ما بين دمشق ومدينة حلب على ساحل البحر المتوسط، وهي أكثر مدن البلاد اكتظاظا بالسكان، وطريقين رئيسيين؛ أحدهما يربط سوريا بلبنان في الجنوب، والآخر يربطها بتركيا في الشمال الشرقي. وعبر مراحل النضال الوطني السوري من أجل الاستقلال، تابع الفرنسيون تلك الوصفة بحماس عجيب.

واليوم، فإن ذلك هو ما يحاول نظام الأسد القيام به بالضبط.. فقد انسحبت قوات النظام من غالبية الأراضي لأجل تركيز الموارد المتاحة على «سوريا المفيدة». أما الفراغ الذي خلفه ذلك الانسحاب، فأدى إلى ظهور عشرات الجماعات المسلحة في «أرخبيل الجهاد» الممتد من الجنوب الغربي وحتى الشمال الشرقي. ووفقا لأفضل التقديرات، فإن نظام الأسد يسيطر حاليا على نحو 40 في المائة من التراب الوطني. ولا تزال تقديرات عدد السكان القاطنين في تلك المساحة من البلاد محل شكوك، حيث تتراوح التقديرات بين 35 في المائة و60 في المائة من إجمالي عدد السكان. ويعود ذلك التناقض في جزء منه إلى حقيقة أن كثيرا من سكان سوريا مسجلون بوصفهم لاجئين لدى لبنان، والأردن.. وإلى حد ما، قضى بعض السكان جزءا من أوقاتهم في تركيا على مقربة من منازلهم السابقة، محدثين ما يوصف بـ«حركة المد والجزر البشرية» التي تشكل جزءا من التناقض ذاته.

وتضمنت النصائح الاستعمارية الفرنسية أيضا، وربما بمزيد من الأهمية، حيلة هي: تجنيد أفراد في الشرطة والجيش من بين الأقليات الدينية والعرقية. ولأجل تحقيق تلك الغاية، طُبقت مجموعة أخرى من الحيل.

فمن خلال التباهي بـ«هوية الجمهورية العلمانية»، قولبت فرنسا نفسها في دور «حامي حمى المسيحيين في بلاد الشام».

ومولت الحكومة الفرنسية جهود إرسال عشرات الأقليات المسيحية إلى الداخل السوري، وسددت تكاليف ترميم كنائسهم هناك، وشجعت نشر التعاليم المسيحية في كثير من المدارس، وهو الأمر المحظور في فرنسا ذاتها.

ثم توددت فرنسا إلى «الطائفة النصيرية»، التي تغير اسمها لاحقا ليكون «الطائفة العلوية»، بوعود بإقامة دويلة صغيرة على طول الشريط الساحلي للبحر الأبيض المتوسط. وابتلعت الطائفة النصيرية تلك الحيلة الفرنسية وصارت من أشد المؤيدين للوجود وللحكم الاستعماري الفرنسي في البلاد.

وتوددت فرنسا كذلك إلى الأكراد، وهي الأقلية العرقية الرئيسية في الشمال الشرقي من البلاد، وذلك عن طريق تأسيس معهد لدراسات ثقافتهم العرقية، والسماح بحرية التحرك عبر الحدود مع الدولة التركية الناشئة حديثا، ومع العراق كذلك. أما بالنسبة لبقية الأقليات، ومن بينهم الدروز والتركمان، فقد استمالتهم فرنسا أيضا بمجموعة متنوعة من الحيل، ومن بينها دعوات وجهت لزعماء تلك الأقليات لزيارة باريس والسماح لأبنائهم بالدراسة في المدارس الفرنسية الراقية.

بُذلت كل تلك الجهود تحت مظلة ثيمة رئيسية واحدة، ألا وهي التحذير الفرنسي من أن عدم التعاون مع الحكم الاستعماري للبلاد سيؤدي إلى إبادة الأقليات السورية على يد الأغلبية السنيّة المسلمة. وللتيقن من وصول الرسالة للقاصي والداني، قام الفرنسيون برشوة عدد من قادة المجتمعات المحلية. وتظاهر الشباب في تلك الأقليات بالتطوع لخدمة فرنسا.. أما من الناحية العملية، رغم ذلك، فقد تعرض كثيرون من أولئك الشبان للاختطاف على يد عصابات التجنيد وأجبروا على الالتحاق بالخدمة في الجيش والشرطة الاستعمارية.

يوثق السيد دانيال نيب في كتابه الرائع «سوريا تحت الانتداب الفرنسي»، الذي نُشر في عام 2012، لحالة العنف التي استخدمها الاستعماريون الفرنسيون للاحتفاظ بسيطرتهم على البلاد بمعاونة المجندين من الأقليات.

واليوم، يستخدم نظام الأسد حيلا مماثلة من خلال محاولة تعزيز «تحالف الأقليات» عن طريق استخدام البعبع السني المسمى «داعش»، أو «ISIS» اختصارا باللغة الإنجليزية. ومن السهولة بمكان تناسي أن «داعش» قتل بالفعل كثيرين من المسلمين السنّة ودمر كثيرا من البلدات والقرى السنية. وبالتالي، فإننا نرى مشهدا غريبا للغاية يتشارك فيه تنظيم «داعش» مع نظام بشار الأسد في رقصة الموت الثنائية.

أخبرتني مصادر من الأقليات المسيحية والدرزية والتركمانية أن عصابات التجنيد، التي تضم فيما بينها أحيانا عناصر من مقاتلي «حزب الله» اللبناني ومعلميهم من إيران، تحاول إجبار أو إغراء بعض الشباب على الالتحاق بآلة القمع الأسدية نصف المتهالكة والمدعومة من موسكو وطهران.

ليس استخدام جنود الأقليات في خدمة الحكم الإمبريالي بالشيء الجديد؛ فلقد كان جيش الملك الفارسي زركسيس الذي اجتاح أثينا قديما يتألف في معظمه من جنود الأقليات من مختلف أصقاع الإمبراطورية الفارسية. وفي روما، استخدم الملك «سكيبيو الأفريقي» جنودا من هيسبانيا وأفريقيا في حملته الناجحة ضد القرطاجيين تحت قيادة هانيبال. ومنذ عصر الإمبراطور أغسطس فصاعدا تكوّنت أكثرية الفيالق الرومانية من جنود الأقليات من القارات الثلاث.

أما في الآونة الأخيرة، فاعتمدت الإمبراطورية البريطانية في الهند بشكل أساسي على المجندين من تلك الأقليات مثل المسلمين والسيخ، ناهيك بأقلية «الغوركا» النيبالية (المعروفة فارسيا باسم: «الباحثون عن المقابر»)!. وقد أسست فرنسا الفيلق الأجنبي لتجنيد الأقليات من جميع أنحاء العالم. وقد بنى الملك البلجيكي ليوبولد لنفسه إمبراطورية في أفريقيا من خلال جيش من المرتزقة جنده من أكثر من 30 جنسية مختلفة.

وأحد الدروس المستفادة من التاريخ أنه حتى أفضل الجيوش تدريبا وتنظيما إذا تألف في معظمه من الأقليات، فلا يمكنه الحيلولة دون زوال نظام مفروض ضد رغبات الأغلبية. ورغم تمتعهم بوفرة في العتاد والسلاح، فإن البريطانيين أُجبروا في نهاية المطاف على التخلي عن إمبراطوريتهم الهندية. وفشل الفرنسيون في ترويض سوريا، ومن ثم الاحتفاظ بقبضتهم على الجزائر، على الرغم من التجنيد واسع النطاق للمقاتلين الجزائريين الموالين لهم.

من غير المتوقع لنظام الأسد ومن يدعمونه في طهران وموسكو، أن يخرج أداؤهم بصورة أفضل. ومع ذلك، ومن خلال تلك اللعبة الخبيثة من وضع مختلف المجتمعات والأقليات في مواجهة بعضهم بعضا، يمكنهم أن يخرجوا بقالب جديد من الشكوك والكراهية المتبادلة التي سوف تجد سوريا المستقبلية، المحررة كما نأمل جميعا، صعوبة شديدة في تجاهلها في المراحل الأولى من النهضة الوطنية الجديدة على أدنى تقدير.

ليست الحرب في سوريا بين الأغلبية والأقلية من سكان البلاد؛ بل إنها حرب بين الشعب السوري بأسره، الذي يرغب في الحياة بحرية وكرامة، ضد نظام الأقلية الحاكمة الذي يزعم أن له توجهات اشتراكية، وعلمانية عربية، ومع ذلك، فهو يلعب لعبة استعمارية مثالية بالنيابة عن سادته في الخارج.

الشرق الأوسط

 

 

 

 

الخطوة التالية لـ «داعش» و «جبهة النصرة» في سورية/ يزيد صايغ

عندما طردت «جبهة النصرة» مؤخّراً العديد من الجماعات الثورية المسلحة المعتدلة من معاقلها في شمال غربي سورية، أثار ذلك شائعات مفادها أن الجبهة، التي تعدّ فرعاً من تنظيم «القاعدة»، أبرمت تحالفاً سرّياً أو على الأقلّ تفاهماً ضمنياً مع منافسها الجهادي الرئيس، تنظيم «الدولة الإسلامية». أصاب جيمس كلابر، مدير الاستخبارات القومية الأميركية، باعتبار ذلك أمراً مستبعداً، مشيراً إلى الانقسامات العميقة بين التنظيمين. بيد أن الواضح أن «جبهة النصرة» بدأت تتموضع تحسّباً لتطورات ميدانية قادمة، وبالتالي فإن السؤال الحقيقي هو ما الذي تراه الجبهة آتياً؟ وكيف يعكس ذلك ما تعتقد – أو تعرف – أن تنظيم «الدولة الإسلامية» يستعدّ للقيام به؟ وكيف يؤثّر ذلك على بقية أطراف المعارضة المسلحة وعلى نظام الأسد؟

عزّزت «جبهة النصرة» وجودها ونشاطها العسكري في عدة مناطق منذ الصيف الماضي، عندما قادت تقدّم الثوار صوب مدينة حماة وسط سورية، على رغم أنه تم صدّهم في وقت لاحق. وتزايد نشاطها في منطقة الحدود اللبنانية نتيجة ضغوط النظام في منطقة القلمون التي دفعت الثوار باتجاه لبنان. غير أن المكاسب التي حققتها في محافظة القنيطرة في جنوب سورية وريف دمشق الغربي منذ أيلول (سبتمبر) مكّنتها أيضاً من فتح طرق تسلّل جديدة إلى منطقة شبعا ومنها الى سهل البقاع في جنوب لبنان. وفي مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) لعبت «جبهة النصرة» دوراً محورياً في انتزاع مدينتي نوى والشيخ مسكين من يد النظام في شمال حوران، إلى الجنوب من دمشق مباشرة.

لا تشكّل هذه التطورات خطراً وشيكاً على نظام الأسد أو العاصمة السورية، غير أنها تكشف عن صعود «جبهة النصرة» باعتبارها الجماعة المسلحة الأكبر والأكثر قدرة في الجنوب وتظهر قدرتها على التمدّد والتماسك. ولعلّ هذا يفسّر أيضاً ضغط «النصرة» على آخر معبر حدودي إلى الأردن يتشبّث به النظام في نصيب، والذي أبقته الاستخبارات الأردنية في السابق محظوراً تماماً على جماعات الثوار الأخرى التي لها تأثير كبير عليها.

في موازاة ذلك، تحاول «جبهة النصرة» إيجاد موطئ قدم لها في لبنان، حيث تمتلك جذوراً بين بعض قطاعات السكان، لا سيّما في الشمال والشمال الشرقي. ويعود هذا إلى التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية الطويلة الأمد مع المناطق السورية الغربية التي تنبثق منها «النصرة» أساساً، وإلى الروابط التي تمت إقامتها مع المتطوعين اللبنانيين الذين قاتلوا إلى جانبها تحت راية جماعة «جند الله» في القصير وبلدات أخرى في غرب محافظة حمص.

ومع ذلك، فإن سلوك «جبهة النصرة» في محافظتي إدلب وحماة السوريتين، حيث تملك بالفعل حضوراً واسعاً، يقدّم أهم دلالة على ما تستشفّه وتتوقّعه. فهي تدرك أن المعارضة المعتدلة وافقت منذ عدة أشهر على محاربتها في المستقبل، في إطار جهود الولايات المتحدة للقضاء على المتطرّفين وعقد صفقة مع النظام. ولذلك فقد كان تحركها ضد «جبهة ثوار سورية» وحركة «حزم» المدعومتين من الولايات المتحدة عملاً وقائياً. غير أن تهديد الجماعتين لم يكن وشيكاً، ما يوحي بأن «جبهة النصرة» تستعدّ للتعاطي مع احتمالات أخرى. فقد أصبحت القوة المتمرّدة الرئيسة في الشمال الغربي، ولديها القدرة على الاستيلاء على آخر معبرين حدوديين للمعارضة إلى تركيا او منع استخدامهما، وهما حيويان لتدريب وإمداد الثوار وتدفق المساعدات الإنسانية وحركة نشطاء ومسؤولي المعارضة.

التهديد الذي يتعرّض له الجناح المعتدل في الثورة السورية حقيقي. لكن على رغم أن نظام الأسد قد تشجّع بسبب الارتباك الذي يعانيه المعتدلون، ظناً منه أن الصعود المزدوج لـ «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية» سيجبر الولايات المتحدة وحلفاءها الأساسيين في تحالف «أصدقاء سورية» على التعامل معه، فليس لديه الكثير مما يدعو إلى الرضا. والواقع أن نظام الأسد أصبح أكثر هشاشة في مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي يشكّل تهديداً متزايداً له في عدة مواقع استراتيجية على طول خطوطه الأمامية باتجاه الشرق.

لم يقم تنظيم «الدولة الإسلامية» بمبادرات عسكرية كبيرة في أماكن أخرى في سورية منذ بدء هجومه على الجيب الكردي حول كوباني (عين العرب) في أيلول الماضي، ربما لأنه لا يملك قوى قتالية كافية حالياً. الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة تشكّل عائقاً، بيد أن الأهم من ذلك هو أن أي هجمات جديدة تتطلّب التقدم من مناطق البادية المفتوحة والقليلة السكان وهي مناطق ضعيفة المراقبة في الشرق، إلى مناطق كثيفة السكان وتخضع لحراسة مشددة في وسط سورية. غير أن تنظيم «الدولة الإسلامية» أظهر قدرة على القيام بعمليات هجومية تحت النار، وقام بنشاط حثيث للتجنيد والتدريب في سورية. ومن المرجّح أن يشنّ التنظيم هجوماً جديداً عاجلاً أو أجلاً، سواء لتوسيع وتوطيد مناطق سيطرته، أو إظهار حيويته المستمرة، أو لكي يفقد خصومه توازنهم، أو لتحقيق هذه الأهداف الثلاثة كلها.

الجيب العسكري الذي يقيمه النظام حول حلب معرّض بصفة خاصة. فهو يعتمد كلياً على ممرّ بري ضيق لا يسيطر عليه تماماً، يمتدّ من السلمية في شرق محافظة حماة وصولاً إلى خناصر جنوب محافظة حلب. وقد عزّز النظام دفاعاته على الطريق المؤدّي إلى خناصر، غير أن «الدولة الاسلامية» يمكنها ان تعزل الجيب بأسره عبر الالتفاف عليه والتقدم غرباً في ريفي حماة وحمص. كما يسعى النظام جاهداً لاستعادة السيطرة الكاملة على حقول الغاز في شرق محافظة حمص، منذ ان استولى تنظيم «الدولة الإسلامية» على مرافق فرعية في تموز (يوليو). ومنذ ذلك الحين استولى على عدة حقول منتجة ووحدات معالجة وضخّ، ما قلّص إنتاج النظام من الكهرباء بنسبة 10 في المئة.

يتصاعد ضغط تنظيم «الدولة الإسلامية» على طول الخط الفاصل بين حمص وتدمر ومواقع قوات النظام الشرقية في البادية، عند منطقة السخنة. وعلى رغم أن دفاعات النظام حول هذه النقاط الرئيسة كثيفة، فإن بوسع تنظيم «الدولة» إلحاق أضرار نفسية كبيرة من خلال الالتفاف حولها باتجاه القلمون، ما يهدّد بعزل مواقع النظام وصولاً إلى دير الزور في الشرق. وحتى لو لم يحقق تنظيم «الدولة الإسلامية» مكاسب دائمة على الأرض، فإن الهجوم على أهداف ذات قيمة عالية للنظام يوفّر مزايا مختلفة وفرصة لإحراز نفوذ استراتيجي.

في المقابل، قد يعطي تنظيم «الدولة الإسلامية» الأولوية لاستعادة موطئ القدم الذي حصل عليه في الأراضي التي كانت تسيطر عليها المعارضة في محافظتي إدلب وحلب حتى كانون الثاني (يناير) 2014. ومن شأن ذلك أن يشكّل تحدّياً مباشراً للوضع العسكري لـ «جبهة النصرة»، ولسيطرتها على السكان الذين يتمتعون بحكم ذاتي وعلى القاعدة الاقتصادية المحلية. وسواء كانت «جبهة النصرة» تتوقع أن تنظيم «الدولة» قادر على تحقيق هذا الهدف وأنه سيسعى من أجله، أو أنه يفتقر إلى الموارد الكافية بحيث لن يحاول، فإنها تعزّز وضعها طالما أمكنها ذلك. وهذا يعني إقامة تماسّ جغرافي بين مناطق سيطرتها والقضاء على، أو تحييد، المنافسين المحتملين من داخلها، وإبراز صورتها كقوة رئيسة قادرة لا يستهان بها.

استفادت «جبهة النصرة» حتى الآن من ازدياد موجة التعاطف معها بين السكان المحليين ردّاً على الضربات الأميركية ضدها. ومع ذلك، فهي لا تزال منظمة لا مركزية، وبالتالي فإن الكيفية التي سيتجاوب بها امراؤها المحليون مع جماعات الثوار الأخرى من ناحية أو تنظيم «الدولة الإسلامية» من ناحية أخرى ستختلف من منطقة إلى أخرى. ربما لا تنوي «جبهة النصرة» إعلان إمارة قريباً، ولكن بما أنها تخلق حقائق جديدة على الأرض وتتماسك جغرافياً وإدارياً، فستبدو بصورة متزايدة وكأنها إمارة. إلا أن هجوماً كبيراً وجديداً يشنّه تنظيم «الدولة الإسلامية» قد يضطرها إلى ذلك، ويرغمها على الاختيار بين قبول مكانة أدنى في شراكة مع التنظيم أو مواجهة منافسها القوي، وكلاهما خياران ينطويان على خطر تفكّكها.

* باحث أول في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، بيروت.

الحياة

 

 

 

 

أخطار تمدد تنظيم”الدولة الإسلامية”/ ميرزا أسلم بيغ

يقف الغرب وراء إنشاء «داعش»، كما قال نعوم تشومسكي: «ظهور الدولة الإسلامية في العراق والشام، وتمدد التطرف الجهادي هو نتيجة طبيعية لسياسة واشنطن القاضية باستخدام المطرقة الثقيلة ضد المجتمعات الإسلامية المنقسمة. ترى واشنطن اليوم أن الأمور آلت إلى مأساة. لكن الوضع هذا هو نتيجة طبيعية لغزوها العراق ومجتمعات إسلامية. وإحدى العواقب الوخيمة للغزو البريطاني – الأميركي هي إشعال لهيب الخلاف الطائفي السنّي – الشيعي الذي يحرق العراق وسورية وينتشر في المنطقة منذراً بعواقب قاسية».

ساهمت همجية الصدمة والرعب في أفغانستان والعراق ولبنان وغزة، في تنامي الكراهية واليأس والحقد والثأر، ونفخت في مقاومة «طالبان» و«داعش» و «حزب الله» و «حماس». التزمت المنظمات الدولية ومجلس الأمن موقف المراقب ولم تحرك ساكناً أمام الهمجية التي تعرضت لها الشعوب المسلمة. ولا يحق اليوم للغرب الوقوف موقف المتفرج. وتقع على عاتقه مسؤولية التوصل إلى «رد مناسب، وتحمّل مسؤولية أفعاله». فهو كان وراء القتل وإلحاق الدمار بالعالم الإسلامي.

يأتلف «داعش» من ثلاثة أجنحة بينها عراقيون وسوريون وسعوديون. وقوام الجناح العراقي هو فلول الجيش العراقي «الصدّامي» وسنّة عراقيون. والجناح هذا هو أقوى الأجنحة، ويتمتع بتدريب عالي المستوى، وفي جعبته معدات عسكرية كثيرة غنمها من الجيش العراقي الحالي. وقائد هذا الجناح هو عزة إبراهيم الدوري، نائب صدام حسين، وهدفه هو إطاحة النظام العراقي الحالي. من الناحية العقائدية، هذا الجناح أقرب إلى المدرسة الفكرية السلفية. وتقدر أعداد أعضائه بخمسين إلى ستين ألف مقاتل. أما «داعش» السوري فمؤتلف من الجماعات الجهادية ضد النظام السوري وبعض المعارضة غير المتطرفة التي دربتها أميركا ودول سنّية في المنطقة للقتال ضد نظام دمشق، وانضمت إلى «داعش». وهدفه الأبرز هو إطاحة النظام السوري. والجناح هذا كذلك أقرب إلى السلفية، وتقدر أعداد أعضائه بثلاثين إلى أربعين ألف مقاتل. (…) وهناك آلاف السعوديين مع آخرين في تحالف تحت إمرة أبو بكر البغدادي، الذي أعلن نفسه خليفة. وهدفه الأساسي هو تشكيل دولة إسلامية فوق كل الأراضي التي كانت خاضعة للدولة العثمانية، لكنها قسمت في 1920، إلى عدد من الدول. وقوة «داعش» الضاربة قوامها متطوعون جهاديون من حول العالم.

ومرد خطورة «داعش» خارج حدود الدولة الإسلامية إلى خطر تكرار ما انتهى إليه الجهاد الأفغاني. فإثر اندحار الاتحاد السوفياتي، عاد حوالى ستين ألف جهادي إلى ديارهم، إلا أن ثمة عدداً قليلاً ممن وصفوا بأنهم خطرون مُنعَ من العودة إلى بلاده، وأصبح بلا وطن، على شاكلة أعضاء «القاعدة» وغيرهم، وهو يواصل الجهاد في أفغانستان، وباكستان وشمال أفريقيا والشرق الأوسط. وقد يحدث شيء قريب من هذا في «داعش». فالجهاديون من بريطانيا والولايات المتحدة وأوروبا والدول الأخرى بدأوا رحلة العودة إلى ديارهم، ويجب ألا يمنعوا من العودة. ففي أوطانهم يمكن أن يوضعوا تحت المراقبة. وقد يكون الخطر العقائدي «الداعشي» على دول إسلامية مثل أفغانستان وباكستان، محدوداً إذ تنتشر مدارس فكرية تخالف فكر «داعش» وعقائدها.

والغارات الجوية وإرسال فرق مساندة كردية هي ردود ضعيفة على «داعش» وستنجم عنها ردود عكسية. لذا، من الأفضل النظر إلى المشكلة من غير انفعال. (…). وتسعى «طالبان» أفغانستان إلى تصحيح مسار ما جرى في 1979 و2001. والإقرار بحقها في إمارة إسلامية في أفغانستان قد يكون خياراً. فالواقع الميداني يشير إلى أن الأميركيين يغادرون، وأن عناصر «طالبان» سيظهرون. والجيش الأفغاني لا يمكنه الوقوف أمامهم.

وعلى الغرب أن يقوِّم أفعاله من طريق النظر العميق إلى أصل القضية ووقف الهجوم السياسي العقائدي الصليبي الذي يهدف إلى جعل الشعوب الإسلامية علمانية ومتحررة.(…) ولسوء الحظ، فإن الهجوم العقائدي والسياسي الصليبي غيَّر وجه باكستان المسلم المتحضر. وعلى الغرب أن يقبل بالحقيقة ويغير منهجه من أجل مصلحة البشرية كلها.

الحياة

 

 

 

 

 

“داعش”:بناء الأممية الإسلامية/ ساطع نور الدين

طالما ظل النطق بالشهادتين هو جواز العبور الى الاسلام، فان تنظيم “داعش” يمكن ان يتحول الى أممية اسلامية جديدة ترث الامميات الاشتراكية او الليبرالية الزائلة، وتضاعف أعداد الملتحقين، من غير العرب وغير المسلمين، في ذلك المشروع العالمي المريب.

عدد الاجانب المنضوين الآن في التنظيم مرتفع ومثير. التقديرات الاولية تتحدث عن 12 الف مقاتل. ثمة من يزعم انهم باتوا يمثلون نصف عدد العرب المنضوين في داعش وربما أكثر. وهذه النسبة تكبر يوما بعد يوم، بحيث بات التنظيم أشبه بشبكة عالمية تستقطب الشبان والشابات من مختلف انحاء العالم من دون استثناء، مع غلبة طبعا للعناصر الآتية من اوروبا وروسيا ودول آسيا الوسطى.

الظاهرة غريبة. لم يسبق لأي حزب علني، شيوعياً كان ام ليبرالياً، أن كان عابراً للحدود والقارات على هذا النحو. في الماضي، عرف العالم الكثير من التنظيمات السرية التي كان اعضاؤها يحملون اكثر من جنسية وينتمون الى أكثر من عرق او لون. لكنها كانت مجرد “سلاح خفي” لأحزاب وطنية متجذرة في هويتها وفي جغرافيتها وفي برامجها السياسية.

لا يمكن التسليم بأي حال من الاحوال ان نداء الاسلام وصرخة الاسلاميين هما اللذان يستقطبان ذلك الجيش من المتطوعين الاجانب. فالخطاب الديني والسياسي الذي يعتمده داعش لا يمكن ان يخدع الا شذاذ الافاق او المعتوهين. اما ممارساته فهي لا يمكن ان تجذب غير المتعطشين للدماء. مع ذلك، فإن ثمة شريحة واسعة من الدواعش لا تقتصر على المرضى النفسيين، ولا يمكن طبعاً أن تتهم بالكفر او الضلال.. برغم ان معارفها الاسلامية شبه معدومة.

الاسوأ من ذلك ان الهجرة “الاجنبية” الى التنظيم مستمرة، بل هي في حالة ازدهار دائم. الارقام التي تعلنها العواصم الاوروبية او الاسيوية عن مواطنيها ومواطناتها الخارجين الى سوريا والعراق للقتال والموت في سبيل الدولة الاسلامية المتوهمة، او الخليفة المزعوم، بلغت معدلات مفاجئة، لكنها صحيحة على الارجح. وهي لا تعبر طبعا عن جاذبية داعش او سحر البغدادي، او حتى عن جاذبية إحياء عادة جز الاعناق، على ما يقول علماء نفس او اجتماع غربيون. ثمة حالة طارئة تجد تفسيرها في علوم السياسة ونظرياتها ايضاً.

ما يقال دائما عن ان دولاً عديدة اوروبية واسيوية شجعت بعض الراغبين بالهجرة الى العراق وسوريا للتخلص منهم، لا يحتاج الى برهان. لكن كثيرين من هؤلاء المهاجرين كما يبدو واجهوا تحديات وتعرضوا لمشقات ومخاطر قبل ان يتسللوا عبر الحدود وصولا الى دولة الميعاد، حيث مزقوا بطريقة احتفالية جوازات سفرهم وهوياتهم وتسلموا مفاتيح الجنة: لم تكن وجوههم ولا سيرهم الذاتية التي يجري تداولها هذه الايام في الاعلام الغربي خاصة، تفيد بانهم خريجو سجون او مساجد. غالبية النبذات المنشورة حتى الان، كما جميع الاستطلاعات التي نشرت في الاونة الاخيرة، تؤكد انهم يتحدرون من أسر تنتمي الى الطبقة الوسطى المتعلمة والمندمجة في بيئتها الغربية العلمانية، بعضهم جاء من عائلات مسيحية وقليلون من عائلات يهودية حتى. وباستثناء الشابين البريطاني والفرنسي اللذين توليا قطع رؤوس الرهائن الاجانب الستة حتى الان، واللذين كانت سجلاتهما العدلية ملطخة في بلديهما، فانه يصعب القول ان المهاجرين الاجانب الى داعش هم حتى من سكان الضواحي المتمردة..

والأغرب ان معظم هؤلاء اتخذوا قرار الهجرة بعدما كانوا قد طرحوا على عائلاتهم واصدقائهم أسئلة طفولية عن معنى الوجود وعن الحياة بعد الموت، وأسئلة صبيانية عن معايير القوة والعنف، واسئلة مراهقة عن السياسة الدولية. ولما لم يحصلوا على أجوبتهم، كانت البيانات والفيديوهات المنشورة على الانترنت حافزهم الى الاغتراب وسبيلهم الى تلك المغامرة الاستثنائية، التي تنسب زورا الان الى المعارضة العراقية او الثورة السورية، مع ان أغلب اولئك المهاجرين ربما لم يسمعوا ببشار الاسد او بما يفعله بسوريا.

ثمة ظاهرة عالمية، لم تسجل حتى مع تنظيم القاعدة نفسه. هناك جيل جديد يهاجر من مختلف البلدان والقارات الى دولة خيالية بحثا عن فرصة للتعبير عن نفسه وعن غضبه الشديد من كل ما يحيط به، من دون ان يعرف حتى اين تقع سوريا او العراق. انتماؤه الجديد يقتصر على النطق بالشهادتين الذي يكفي للانتساب الى تلك الأممية الإسلامية الافتراضية.

المدن

 

 

 

سيناريو «داعش» لربْط القلمون بجبل الشيخ حوّل «جبهة جبريل» في قوسايا … «مواقع صديقة/ أسامة القادري

  • مواقع «الجبهة الشعبية» لم تعد مصدر قلقٍ للأهالي … والهمّ الرئيسي بات كيف يردّون «داعش»
  • مخاوف من مخطط «داعش» لفتح ثغرة إمداد بعد إقفال الطريق في جرود عرسال
  • معلومات عن أن «حزب الله» استطاع تجنيد شباب مسيحيين ودروز وسنّة مقابل رواتب مغرية

تتضارب المعلومات والمعطيات عن نية «داعش» فتح ثغرة لها من منفذ السلسلة الشرقية لجبال لبنان، حيث مواقع «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة»، في مقابل تقارير عن ان «داعش» وضْعها الى تراجع في القلمون، لسببين اولهما الضربات العسكرية التي تتلقاها، والثاني ان «الجيش السوري الحر» و«جبهة النصرة» استطاعا سحب نحو الف مقاتل منها في جرود عرسال الى جبل الشيخ بحسب مصادر معارضة.

حديث أبناء قرى شرق مدينة زحلة البقاعية، كفرزبد عين كفرزبد قوسايا، دير الغزال، تربل، رعيت، المتخامة للحدود السورية عند السلسلة الشرقية، عن الاضرار اللاحقة بهم جراء مواقع «القيادة العامة» (بقيادة احمد جبريل) المتموْضعة في جرود قوسايا، لم يعد يأخذ حيزاً وافياً واهتماماً كما كان قبل عامين. فهذه المواقع التي تتشكل من أنفاق تصل الحدود السورية باللبنانية، ما يجعلها معبراً غير شرعي بين لبنان وسورية تعبره عناصر القيادة العامة والاجهزة الامنية السورية، وممراً لقوافل حزب الله من والى سورية، لم تعد مصدر قلق للأهالي ولا سيما المسيحيين على اختلاف مشاربهم السياسية الذين لطالما استفزهم سابقاً طوال 32 عاماً منْعهم من الوصول الى اراضيهم والاستفادة من استثمارها الزراعي. و«التسامح» بات قائماً ايضاً حيال موقع «القيادة العامة» في تلة حشمش الواقعة عقارياً في رياق، عند طرفي مدخليْ بلدتيْ دير الغزال وقوسايا. والسبب ان الهمّ الرئيسي للاهالي بات كيف يردون امكان توسع «داعش» واجرامها عنهم، والتحسب لاحتمالات تفجير معركة تمتد من جرود عرسال باتجاه جنتا حيث مرابض «حزب الله»، وصولاً الى قوسايا حيث مواقع النظام السوري والقيادة العامة، بهدف ربط المنطقتين ببعضهما، ووصلهما بجبل الشيخ على حد تعبير أحد العناصر المؤيدة للنظام الذي قال انه بعدما شحت على «الارهابيين» الامدادات العسكرية واللوجستية «لم يبق امامهم سوى هذه المنطقة».

ومن هنا تسود الاهالي مخاوف من سعي «داعش» الى فتح طريق امداد لها، ما قد يشرّب ابواب المعركة في هذه القرى كونها مسيحية وسط حال قلق عارم من امكان تكرار سيناريو «الاجرام الداعشي بحق ازيديي ومسيحيي العراق»، وهو ما حدا بالقوى والاحزاب السياسية في هذه القرى، لأن تشكل مع فعاليات البلدات مجموعات من الشباب مهمتها «الاستطلاع الاستباقي»، للحفاظ على أمن الاهالي.

لا تبعد قوسايا وكفرزبد ودير الغزال ورعيت عن «عاصمة الكثلكة في الشرق»، مدينة زحلة، اكثر من ستة او سبعة كيلومترات على ابعد تقدير، ولذا يكثر الحديث والتسريب الاعلامي عن مخاوف الزحليين ومسيحيي المنطقة من أن تُفتح هذه الجبهة ويكونوا كبشاً لـ«داعش»، ولا سيما في القرى الامامية عند الحدود مع سورية، والتي تشكل خطاً بنحو 25 كيلومتراً من المصنع شمالاً حتى كفرزبد قوسايا، وصولاً الى مرتفعات جنتا حيث مرابض «حزب الله». فحدود هذه القرى متداخلة مع الحدود السورية، والسيطرة الكاملة فيها من المقلب الآخر لوحدات الجيش السوري، ولمواقع «حزب الله» و«القيادة العامة».

الوصول الى هذه القرى ليس بالامر الصعب، فالطريق اليها سالكة والحياة فيها جد طبيعية، رغم عدد الحواجز العسكرية المتزايدة على طول الطريق الى المنطقة. وما بدا واضحاً هو تعزيز وحدات الجيش اللبناني بالآليات والعناصر العسكرية والحواجز الأمنية، ما يثبت المخاوف من اقتراب اللهيب السوري الى تلك الجبهة.

فعلى طول الطريق بين كفر زبد وقوسايا ودير الغزال، الكل ينهمك بعمله الذي لا يقطعه سوى بعض اصوات دوي الانفجارات جراء المعارك الدائرة في وادي بردى، الزبداني ومضايا وبلودان السورية المقابِلة. اما مَن أراد الوصول الى جرود قوسايا حيث مواقع «القيادة العامة»، فهذا ممنوع البتة، وما ان يصل الى مدخل المنطقة المسماة بـ «باب المزراب»، حتى يصطدم بحاجز للجيش اللبناني يمنع دخول وخروج اي مواطن. وحتى ابناء البلدة لا يعبر منهم سوى اصحاب المزارع القريبة من الحاجز، ويُسمح فقط لعناصر مركز «جبهة جبريل» بالعبور في الاتجاهين لايصال بعض التموين ولتبديل المناوبات والحراسات بين موقع قوسايا وموقع حشمش عند مثلث عقاري بين رياق ودير الغزال وقوسايا، الذي تنتشر في محيطه عناصر مسلحة من «القيادة العامة»، تمنع الاقتراب من الموقع الذي يقفل مدخله بحاجز وسيارات.

وبحسب شهود عيان فإن عناصر «حزب الله» ايضاً يعبرون باتجاه جرد الزبداني بآلياتهم عبر موقع قوسايا كما يقومون ليلاً بدوريات في هذه المنطقة.

«هنا الخاصرة الرخوة» على حد تعبير عنصر من إحدى الأحزاب السياسية الموالية للنظام السوري في المنطقة. الرخاوة التي يتحدث عنها تعود به الى الاتهامات التاريخية للمسيحيين من النظام السوري ابان الحرب الاهلية اللبنانية، واعتباره ان المنطقة مصدر قلق من «مؤامرات» حلفاء المسيحيين في تلك الحقبة كونها لا تبعد عن العاصمة السورية دمشق سوى حوالي 20 كيلومتراً. اما اليوم فـ «رخاوة خاصرة دمشق»، تأتي من خلايا ارهابية نائمة منتشرة في قرى مجدل عنجر والبقاع الغربي ذات الغالبية السنية، بحسب المحازب المؤيد للنظام السوري الذي يوضح ان الخوف هو من مخطط «الارهابيين لفتح ثغرة إمداد لهم بعدما أقفلنا عليهم في جرود عرسال»، متحدثاً عن محاولات عديدة تم افشالها للسيطرة على تلك التلال من جهة الزبداني اذ ان «موقع القيادة العامة ومواقع حزب الله كانت لهم بالمرصاد». ويبرر استمرار وجود هذه المواقع في جرود قوسايا ودير الغزال وكفرزبد بأن «الخوف الاكبر من الخلايا النائمة في القرى التي تعتبر حاضنة للفكر الداعشي، والمجموعات الموجودة في مخيمات النازحين على طول طريق ديرزنون رياق، الخط الخلفي لقرى شرق زحلة»، مضيفاً: «في مجدل عنجر وفي الصويرة في البقاع الغربي، حتى ظهر الاحمر وجوارها، يتوزع 400 مقاتل، من النصرة، قسموا الى مجموعات (نائمة) تنتظر ساعة الصفر للانطلاق، مهمتها شق ثغرة من وادي عنجر باتجاه منطقة بردى، ووصْلها بالزبداني لاستكمال مخطط «الكماشة» على الفيلق الثالث للجيش السوري في جديدة يابوس، المتموضع في السلسلة الشرقية، في محاولة لربط منطقة الزبداني بسلسلة جبل الشيخ (الذي يقع عند مثلث الحدود اللبنانية ـ السورية ـ الفلسطينية) ودمشق، ولذا تحاول المجموعات المسلحة الوصول اليها، وهكذا تتحول هذه المنطقة كتلة من نار، لتستكمل المجموعات الارهابية مشروعها باتجاه نقطة جديدة يابوس ويتم ربط القلمون بجبهة جبل الشيخ»، وتابع: «أن ما يعوق فتح ثغرة في جرود قوسايا دير الغزال وكفرزبد، هو مواقع القيادة العامة وحزب الله».

ومن جهة أخرى، تتحدث معلومات عن أن «حزب الله» استطاع أن يجنّد عدداً كبيراً من الشباب المسيحيين والدروز والسنّة داخل القرى الممتدة على طول السلسلة الشرقية حتى شبعا والعرقوب (قبالة جبل الشيخ) مقابل رواتب مغرية»، مشيرة الى أن المسيحي والدرزي يتقاضى راتب الف دولار، فيما السنّي بين 1200 و1500 دولار شهرياً، تحت ما يسمى «سرايا المقاومة»، ولافتة الى أن العدد وصل في مجدل عنجر والصويري الى نحو 100 عنصر، وايضا في شبعا بلغ عدد المنتسبين «لسرايا الحزب»، 80 عنصراً، وهذا ما أحدث حالة من البلبلة داخل هذه القرى وسط تساؤل عن الهدف والسبب والدور المطلوبين من هذه المجموعات التابعة لـ «حزب الله».

وعود على بدء، ووسط هذا الكمّ من الشائعات والتكهنات وغياب الثقة بقدرة الدولة بمؤسساتها الامنية والعسكرية على ردّ اي عمل امني على الحدود، خرجت مجموعة من الشباب في هذه القرى عند الشريط الشرقي لمدينة زحلة، تحت ما يسمى «الأمن الذاتي»، وصار يمكن مشاهدتهم وهم يجوبون الطرق ويتولون الحراسة الليلية والاستطلاع عن اي آلية غريبة او حتى عن اي شخص يدخل البلدة، علماً انهم يتواصلون من خلال أجهزة لاسلكية. يشير «جورج» بيده بعدما ارخى جهازه اللاسلكي من يده ويقول: «لا نُشعِر اي شخص بأنه مراقَب، ولا حتى نُظهِر سلاحنا لأي كان، لأن المهمة الرئيسية هي متابعة اي حركة، وبحال الاشتباه بأي شخص نقوم بإبلاغ السلطات المعنية من مخابرات جيش وقوى امنية».

يحاول ابراهيم الدبس (شيوعي) وهو من بلدة دير الغزال المحاذية والمطلة على السلسلة الشرقية ومواقع القيادة العامة فيها، التقليل من حدة الخوف، باعتبار ان فصل الشتاء بدأ وفي أي لحظة تقفل جميع المنافذ بسبب تراكم الثلوج والوحول. وينفي ان يكون اي من ابناء المنطقة نزح الى مناطق لبنانية اخرى كما تحدثت وسائل اعلام، ويقول: «مواقع القيادة العامة والجيش السوري ليست سهلة في تلك البقعة، ما يعني أن من الصعب ان تكون لقمة سهلة الهضم ما لم تحدث داخل هذه المواقع انشقاقات الامر الذي يسهل على الارهابيين اقتحامها والسيطرة عليها كما حصل في عدد من مواقع عسكرية سورية، وعراقية»، لافتاً الى ان تنظيم «داعش» اعتمد شراء ضباط وعسكريين داخل المراكز العسكرية في الرقة وحلب والموصل، ومضيفاً: «الخوف ان تتكرر الانشقاقات والتمرد داخل هذه المواقع، لأنها حصلت اكثر من مرة خلال الازمة السورية».

ولفت مصدر امني رفيع، متابع لملف التكفيريين والمجموعات السرية في البقاع عبر «الراي» الى ان التخوف مبالَغ فيه، وقال: «هناك تضخيم اعلامي كبير عن وجود هذه المجموعات، وكثيراً ما نفاجأ بشائعات تتحدث عن أعداد ضخمة ومخططات وغيره، ليتبين أنها مجرد شائعات لا صحة لها»، مشيراً الى «ان هذا التضخيم الاعلامي يفرض حالة من التخوف لدى الناس، ما يضيّق الخناق على النازحين، وهذا التضييق واهانة اللاجئين واحياناً الاعتداء عليهم يوجِد ردات فعل، تتمثل اما في التأييد لداعش او لأي مجموعة يرون فيها عنصراً لردّ الاعتبار».

كل هذه الهواجس يحاول أن يبددها مصدر من «الجيش الحر» في ريف دمشق، انطلاقاً من اقتناعه ان وضع تنظيم «داعش» في القلمون وجرود عرسال تراجع بشكل ملحوظ، معتبراً أن الحديث عن معركة للسيطرة على قرى مسيحية لبنانية بهدف فتح ثغرة لإمداده قبل تساقط الثلوج واقفال منافذه ما هو الا «ذرّ للرماد في العيون»، ولافتاً الى ان النقطة التي يتحدث الاعلام عنها ويتكهن أنها منطقة خصبة ليحقق عبرها «داعش» إنجازاً «إما أن يكون الإنجاز الذي يحكى عنه ناتج عن تراجع قوة جيش الاسد في بردى والفيلق الثالث، أو انهم يمهدون لتسليم هذه المراكز لداعش، ما قد يهدد دمشق ولبنان في آن معاً».

وأفصح المصدر عن ان قيادة «الجيش الحر» تعمل على سحب مجموعات مقاتلة كانت التحقت بـ «داعش» اثر تراجع الدعم لـ «الحر» في جميع المناطق ومنها القلمون «لقطع الطريق امام النظام الذي يحاول ايجاد فجوة بيننا وبين اللبنانيين»، موضحاً «أن الجيش الحر، بعد الدعم الذي وصله في الآونة الاخيرة، بدأ العمل على خطة لملمة شرذمته في منطقة القصير ويبرود باستعادة عدد من عناصره الذين لجأوا الى داعش بسبب وقف الدعم لنا مع بداية ظهور تنظيم الدولة الاسلامية»، ومشيراً الى أن رئيس المجلس العسكري لـ«الحر» العقيد عبدالله الرفاعي يوم اعتقل في عرسال «كانت احدى أهم مهماته في جرود عرسال كبح تمدد داعش في القلمون، وتحديداً خط الشريط الحدودي، والسعي لايجاد حالة تمرد داخل الصف الداعشي في قطاع القلمون»، ولافتاً الى أن هذه الاستراتيجية بدأت تجدي ثمارها، في تراجع «داعش» بشكل ملحوظ «وحتى بداية تساقط الثلوج، تكون منطقة القلمون شبه خالية من تنظيم داعش»، وكاشفاً ان «الحر» سحب نحو 700 مقاتل من جرود عرسال، الى جبل الشيخ على مراحل عبر شبعا».

مواقع «القيادة العامة»

تشرف مواقع «القيادة العامة» للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على 14 كيلومتراً من الأراضي اللبنانية والسورية معاً، وتقابلها من الضفة السورية بلدة كفير يابوس القريبة، مروراً بالزبداني ومضايا وسرغايا. أما من الجهة اللبنانية فتشرف على سهل دير زنون ـ زحلة، وجزء من البقاع الأوسط، بدءاً من عنجر في الجنوب، امتداداً إلى الفاعور وكفرزبد وعين كفرزبد وقوسايا ودير غزال ورعيت ورياق ومطار رياق العسكري في الغرب، وأبلح وبدنايل حتى النبي آيلا في الشمال.

اما المنطقــــة الممتدة جنوباً مـــــن مواقع «القيادة العامة» فتنتشر فيهـــا مواقـــع للجيش السوري في مقابل عنجر ومجدل عنجر، والمنطقــــة الممتــــدة شمالاً تقع تحت ســــيطرة نـيران مواقع «حزب الله» في جنتا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى