صفحات العالم

الحرص على سوريا

 

ساطع نور الدين

بقدر ما يفرط الحكم في سوريا في استخدام القوة لإحباط المطالب الشعبية بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، يكثف الغرب ضغوطه السياسية والدبلوماسية لإقناع القيادة السورية في الاستجابة بسرعة لتلك المطالب.. ويعتمد الأداة التركية للتأثير في خيارات دمشق، بطريقة لا تخلو من الفظاظة الناجمة عن حرص خاص على النظام السوري، لا تزال انقرة تتقاسمه مع جميع العواصم الغربية.

الموقف التركي ومعه المواقف الغربية عموماً من الازمة السورية الخطرة التي بدأت بما يشبه حرباً أهلية يعمل الجميع على احتوائها، يمكن ان يوصف على النحو الآتي: الوقوف على حافة اليأس من النظام في سوريا ومن قدرته على الخروج من الأزمة سالماً، بما يحفظ سوريا ومحيطها من حرائق قومية وعرقية وطائفية رهيبة. لكن أحداً، حتى الآن على الاقل، لم يقطع الامل نهائياً ولن يقطع ذلك الامل الا بعد جهود حثيثة من اجل التوصل الى تسوية وطنية سورية لا تزال شروطها متوافرة، اكثر بكثير من التسوية الليبية المنشودة او التسوية اليمنية المرتقبة خلال اسابيع.

ثمة توافق تركي غربي على أن النظام السوري يسيء الى نفسه والى مستقبله اكثر مما تسيء اليه معارضاته المتنوعة والمفتتة. وهو بأسلوبه الأمني الاستفزازي يقفل شيئاً فشيئاً نافذة الفرص المتاحة امامه، فيزيد من توتر الشارع واضطرابه، ويضاعف قلق المجتمع الدولي الذي لا يمكن ان يتسامح مع صور الجثث والجرحى، ويدفعه الى اعتماد إجراءات عقابية متدرجة يدرك جيداً أن عواقبها وخيمة، وخواتيمها واضحة. وهذا هو فحوى الاتصال الهاتفي الذي جرى قبل يومين بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وبين الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي حث مهاتفه على بذل كل ما في وسعه من أجل إقناع جاره وصديقه الرئيس بشار الاسد بإصلاح نظامه بدلاً من إسقاطه.

كانت خلاصة ذلك الاتصال بمثابة تشجيع او حتى تفويض اميركي وغربي لتركيا على ان تجدد مساعيها السورية التي توقفت في أعقاب خيبتها بخطاب الاسد في الثلاثين من آذار، وبالحكومة الجديدة التي انبثقت منه، وفي اعقاب خوفها الشديد من الخيار الامني الذي اعتمدته القيادة السورية.. والذي يفترض ان يكون العنوان الاول للنقاش مع الوفد التركي الذي اعلن اردوغان انه سيرسله الى دمشق اليوم، تليه عناوين سياسية محددة أهمها التمهيد لمصالحة وطنية سورية، تفرج عن المعتقلين وتوقف ملاحقة اللاجئين، وتؤسس لحوارعام يشمل اساساً المعتدلين الاسلاميين، الذين باتوا شبه مقيمين في اسطنبول، حول الاصلاحات الواجب اعتمادها والتي صارت خطواتها معروفة جيداً.

الغضب الذي يميز السلوك التركي والغربي تجاه القيادة السورية، ما زال محكوماً بعامل الحرص الشديد على بقاء النظام الحالي، الذي يتردد في انقرة وفي واشنطن وباريس ولندن أنه يفتقر الى النضج السياسي، ويحتاج الى الحكمة السياسية التي تحميه من نفسه، وتجنب سوريا الحرب الاهلية، وتضمن لجيرانها جميعاً تفادي حرائق هائلة.. وبينها الحريق الذي يمكن ان يمتد الى تركيا نفسها، عبر حدودها المفتوحة مع سوريا.

الغضب شديد، وهو حتى الآن يعادل الامل.

 

السفير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى