صفحات سورية

الحرية التي نريد!

 


طارق أبو جابر

في ظل الخوف من القمع والبطش  والقتل .. يتغابى بعض البسطاء من الناس ، ويسألون : أي حرية يريد هؤلاء الثائرون ؟ أهي حرية التعري وخلع الملابس ؟ وكأن كل أصناف الحرية التي يحتاجها المواطن متوفرة ، ولم يبق إلا هذا الصنف النادر من الحرية ، الذي لا يتوفر إلا في الحمام ، أو عند هذا النظام !

ولا بأس أن نذكّر بني قومنا بالحرية التي نفتقدها ، ونحتاج إليها حاجتنا للماء والخبز والهواء .. ولا ننكر – بداية – أن هناك بين حنايا النظام ومن أركانه ، من يتمتع بشيء من الحرية… بل ننكر – والله – أن في النظام فردا واحدا حرا ، ويتمتع بحريته ، ابتداء من رأسه ، وحتى آخر رأس فيه ! وإنني لأجزم أن الرئيس بشار الأسد – نفسه – لم يذق طعم الحرية يوما ، ويتوق إلى الحرية أكثر مما يتوق إليها من يقبع في السجن منذ ثلاثين عاما أو يزيد .. فهل كان ليحنث بيمين قسمه الذي استمع إليه العالم يوم تولى الحكم ، ويخلف بوعوده بالحرية والإصلاح ومحاربة الفساد، فيفتح أبواب السجون للشرفاء والوطنيين والأحرار ، أو يحملهم على الهجرة من الوطن ، كما يفتح الأبواب للفاسدين والمفسدين ، لنهب أموال الشعب ، كما يفتح الباب لأجهزة المخابرات للبطش والفتك والقمع .. ويتسبب بنقمة الشعب وثورته ، حتى صار يؤثر بطن الأرض عن ظاهرها ، ويؤثر الشهادة على هذه الحياة الخانعة الذليلة .. لو كان حرا ، أو يتمتع بقدر من الحرية ؟ هل كان ليسكت عن المجازر والبطش  والإهانات بحق أبناء الشعب ، التي أذهلت العالم ، وأسمعت من به صمم ، لو كان حرا ؟ وهل كان نظامه ليسمح بمواصلة هذا القمع والجرائم لو كان حرا ؟ وهل كان ليخرج على العالم ، الذي كان يترقب خروجه مؤخرا ، ليستمع إلى الأخبار التي ستفرح كل المواطنين ، حسب ما صرح مستشاروه ، وإذا به يخرج مستعرضا ملوحا متغطرسا .. ليعلن اتهامه للشعب بالتآمر والخيانة ، ويعلن الاستعداد لمواجهة هذا الشعب الخائن المتآمر .. بما يستحق ، فيصاب العالم بالذهول مما يسمع ويرى ؟! هل هذا فعل رجل حر ، أو يتمتع بأدنى قدر من الحرية ؟ هل لو كان حرا لسكت – على سبيل المثال – عن المهزلة التي سوقتها أجهزة المخابرات من اتهامات وافتراءات بحق الفتاة الطفلة المدونة (طل الملوحي)، التي أرادت أن تعبر عن مشاعرها ، وغيرتها على وطنها ؟ وهل كان ليسكت –على سبيل المثال – عن (الأخطاء) التي ارتكبها نظامه في لبنان ، واعترف بها بلسانه ، دون أن يعالج هذه الأخطاء ويصوبها ؟ ثم من الحر في هذا النظام ؟ هل وزير الخارجية (وليد المعلم) الذي كان يمكن أن يكون أهم من (كيسنجر) في السياسة لو كان حرا .. فهل هو حر ؟ وهل يعبر أو يدافع عن رأيه وقناعته ، أو عن الآراء والأقوال والتصرفات والمواقف السخيفة التافهة التي حشره بها سيده ، والتي هي مفروضة على سيده أصلا ؟ والذي تنطبق عليه عبارة : عبد مأمور لعبد مأمور ؟ أما كان من الممكن أن يضع هذا (المعلم) سورية في مصاف الدول المحترمة على مستوى العالم ، لو كان حرا في رسم سياسة سوريا، وحرا في أن يسخر خبرته السياسية ، وتجاربه الغنية ، ومكانة سوريا في العالم ، لخدمة شعب سوريا ، بدل أن يسخرها لخدمة نظام متخلف متهالك ، وأنظمة أخرى طائفية متخلفة ، ومشاريع طائفية عقيمة ، ويكون مسئولا – مع غيره – عن وضع سوريا في آخر ذيل القائمة العالمية ، تخلفا وقمعا وفسادا وانتهاكا لحقوق الإنسان السوري؟ وهل وزير الداخلية حر في رسم سياسة أمنية ، تضمن سلامة المواطن ، وتحافظ على كرامته وحريته ؟أو إن الأوامر تأتيه بأن يفعل ، ولا يفعل ؟ وربما يكون تلميذا (نجيبا) لهذا النظام ، فيقوم (بالواجب) دون تعليمات !! من الحر في هذا النظام ؟ لا أحد حر في هذا النظام ، فكيف سيهب هذا النظام المستعبد الحرية للشعب ؟ إن الحرية التي نريدها لشعبنا، والتي سوف ينتزعها انتزاعا بعون الله ، ثم بهمة أبنائه الأبطال الشرفاء الغيارى ..هي الحرية التي تعني التحرر من أوضار الطائفية والحزبية الضيقة ، والاحتكار للسلطة، والتسلط والقمع والتنكيل والتقتيل والتشريد ، من أجل المحافظة على حكم الأسرة إلى الأبد .. التحرر من التبعية  والانقياد والرضوخ لأعداء الأمة ، من أجل المحافظة على الحكم .. نريد الحرية للرئيس لكي يقرر بحرية ما فيه مصلحة شعبه ، والمحافظة على حقوقه وكرامته ، وليس المحافظة على كرسي حكمه ، ونفوذ حاشيته .. نريد الحرية للوزير لكي يرسم وينفذ ما فيه مصلحة الشعب والوطن ، لا مصلحة الأسرة والنظام الفاسد .. نريد الحرية للجيش ليكون جيش الوطن ، ويخطط للحفاظ على أمن الوطن ، وتحرير الأرض المحتلة ، لا لكي يخطط لبقاء الأسرة الفاسدة في الحكم إلى الأبد ، ويفرط من أجل ذلك بكرامة الوطن ، ويهين من أجل ذلك الشعب ويذله في مدينته أو في قريته أو في عمله .. نريد الحرية للمدير والموظف والمعلم ولكل مواطن ، لكي ينعم في أرض وطنه ، ويؤدي واجبه منطلقا من مصلحة شعبه وأمته ، وما يمليه عليه ضميره الحي ، لا أن يكون مسخرا لخدمة النظام ، وأسيرا لمشاريعه الغريبة ، وخدمة مشاريع الآخرين الطامعين الحاقدين على الأمة .. هذه الحرية التي نريدها ، أما حرية خلع الملابس فلا مكان لها إلا في الحمام ، وعند هذا النظام !

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى