صفحات الثقافة

الحرية والكرامة والربيع العربي كما يراها مثقفون


زهرة مروة

يقول الشاعر بول اليوار “بقوة الكلمة أبدأ حياتي من جديد، ولدت كي أتعرف اليك وكي أسميك حرية”. الاندفاع نحو الحرية، والقمع المتأسن دفعا الشعوب العربية الى الانتفاضة. العولمة وسرعة انتقال المعلومات أيضا ساعدتا هذه الشعوب على التحرر، عبر تبنيها لقيم شعوب أخرى. لأن الكتابة هي نوع من أنواع الحرية، والكتاب ينشدونها باستمرار ويسعون عبر كتاباتهم الى توعية الشعوب وحثها على الاستيقاظ من كبوتها. سألنا بعض الكتاب ما هو تعريفك لمفهوم الكرامة ومفهوم الحرية؟ وما العلاقة بين هذين المفهومين وبين ما يحصل الآن في العالم العربي؟ الكاتب ياسين رفاعية أجاب باقتضاب: “أن الحرية مهمة جدا لصيانة كرامة الانسان. وكرامة الانسان العربي هي التي تصون الوطن وتدافع عنه”. الكاتبة هيام يارد أيضا تعتقد أن مفهومي الحرية والكرامة يكملان بعضهما البعض، أي أن الحرية تدافع عن الكرامة. وتضيف على ما قاله زميلها رفاعية بأن الحرية يجب أن تتجسد على الأرض”الحرية ممارسة ويجب أن نحافظ عليها لأننا كل يوم معرضين للشراء. ومن وراء مفهومي الحرية والكرامة يتكون المجتمع”. الكاتبة رفيف صيداوي أضافت مفهوم الحرية المنظمة والمسؤولة على المفاهيم التي قدمها زملاؤها وكأنها تثني على قول الشاعر فيكتور هيغو الذي يقول “كلما زادت الحرية، زادت المسؤولية” .تقول صيداوي “إن الحرية هي السبب الرئيسي الذي يحفظ كرامة الانسان. وبدون الحرية لا بد من أن تمتهن الكرامة، لكن الحرية الحقيقية هي الحرية المسؤولة والملتزمة والمنظمة على كل الصعد وليس الحرية الفوضوية”. يوسف بزي بدا أكثر تطلباً، “مفهومي الشخصي للحرية والكرامة لا يبتعد كثيرا عما تريده هذه الجموع من سكان المدن العربية، وإن كنت أكثر تطلباً”. مفهوما الحرية والكرامة يختلفان بالنسبة للشاعرة هدى النعماني،”بعد كل تجاربي الحياتية من دمشق الى القاهرة وواشنطن وبيروت، أعتقد أن الحرية والكرامة منبثقتان من الثقافة. وتعتقد النعماني أن الثقافة هي النبع الذي تنبع منه الحرية، أي أن الحرية تبدأ بالعقل والروح قبل أن تتجسد على الأرض، “عندما يكون الانسان مثقفا يكون حرا حتى لو كان مسجوناً”. لا بد أن نربط بين هذه المفاهيم النظرية التي عرف بها الكتاب والشعراء وبين ما يحصل الآن في العالم العربي من ثورات وانقسامات وسعي بشتى أنواع الطرق الى الحرية. فسألنا الكتاب: كيف تربطون بين مفهومي الحرية والكرامة وبين ما يحصل الآن في العالم العربي؟ قسم كبير منهم كان مع هذه الثورات وأكد أن الطريق الذي تسلكه الشعوب سوف يوصلها الى الحرية. وأثنى على ضرورة استمرار هذه التظاهرات لكي تصل الشعوب الى مرادها. وقسم آخر اعتبر أن الشعوب ما زال ينقصها الوعي والثقافة، وأن هناك استغلالاً لبعض الثورات. استغلال الكاتبة رفيف صيداوي مثلا تعتقد أننا بحاجة لمزيد من الوعي كي نصل الى الحرية الحقيقية وأن هناك استغلالاً لهذه الثورات في بعض الدول.”إن الثورات في بعض الدول العربية هي ثورات حقيقية من أجل الحرية ولكن في دول أخرى هناك استغلال لهذه الثورات. وإن كرامة المواطن العربي تمتهن، وما زلنا تابعين، وأكبر دليل على ذلك هو كيف تتقاتل بعض الشعوب العربية”. وتتدارك صيداوي أن ثورة الشباب هي يقظة مهمة للمواطن العربي وأنها أعادت حقوق هذا الأخير، ولكننا أحيانا نغدو ألعوبة بيد الدول الكبرى. “بعض الثورات ردت لنا الروح. وخاصة ثورة مصرلأنها بدت غير مخططة، ما من احد دفعهم ودارهم. إنها ثورة عفوية. وكذلك الأمر في تونس حيث تتجسد ثورة الشباب على الديكتاتورية، لأن الانسان العربي يريد أن يعيش بكرامة وحرية. أما في سوريا فما من ثورة فعلية بل هناك مشاكل من جراء الحصار الذي فرضته الدول الكبرى على هذا البلد”. وبنظر صيداوي أنه علينا أن نكسر الطبقية كي لا نستمر في أن نكون ألعوبة. والمطلوب هو الوعي لدى الشباب الذي يثور، أي يجب عليه أن يدرك حقوقه وواجباته، كي يبني دولة حقيقية. “والمطلوب أيضاً ديموقراطية تنسجم مع قراراتنا، وليس ديموقراطية كما تروق لأميركا، وأكبر دليل على ذلك ما حصل في العراق. ما يحصل من تواطؤ الأنظمة العربية لمصالحها الخاصة”. وتضيف صيداوي “نحتاج الى وقت كي نصل الى الحرية الحقيقية، وهذه ما هي الا بوادر للحرية. ويجب أن نكمل على هذا الطريق”. الشاعرة هدى النعماني تتشارك الرأي مع صيداوي وتعتبر أننا ما زلنا نحتاج الى المزيد من الوعي كي نصل الى الحرية الحقيقية. “ان المتظاهرين لن يصلوا الى الحرية الحقيقية، فما زال ينقصهم الكثير من الثقافة والوعي. ان الشعوب العربية بحاجة الى وعي وثقافة كي تتحرر وبدون هذين المفهومين تبقى الحرية مزورة. الناس الذين نزلوا الى الشارع وتظاهروا غير مثقفين، ولكن يقودهم أناس مثقفون”. وتعتبر النعماني ان الشعوب العربية والمسلمة خاصة هي شعوب غير مثقفة وينقصها الكثير من الوعي، وأفرادها يأخذون الأشياء السطحية من الثقافة. “في الاسلام يجب ان تكون الثقافة من المهد الى اللحد. والعلم فريضة على كل مسلم ومسلمة والعلم يكاد يكون أهم من الصلاة، يجب أن يستمر الشعب العربي في مشواره الثقافي”. الكاتبة هيام يارد بخلاف زميلاتها تعتقد ان هذه الثورات هي ثورات حقيقية قد تؤدي الى الحرية شرط أن تستمر. وتعتقد يارد ان الديكتاتورية والأنظمة العربية القديمة هي التي دفعت الشعوب الى الانتفاضة. “إن الثورات التي تحدث اليوم اساسية في المجتمع العربي، وأنا أشجع استمرار هذه التحركات، من أجل القضاء على الأنظمة العربية المريضة والتي لا تتطور مثل الديكتاتورية والبيروقراطية اللتين شكلتا حتى الآن جزءاً لا يتجزأ من المجتمع العربي. أهمية هذه الثورات تكمن أيضا في أنها أثبتت لنا أهمية المجتمع المدني ومساهمته في النظام السياسي”. وتضيف يارد أن من مسؤولية الكتاب ان يعملوا على استمرار هذه الثورات من أجل الحصول على الحرية الحقيقية ومنع الشعب من ان ينام على أمجاده. “في السابق كنت أعتبر الأدب نظرة واعية للحرية ولكن هذه النظرة لم تكن مهمة كثيرا بالنسبة للمجتمعات. ولكن بفضل هذه الثورات، بدأ ت أؤمن بأهمية الأدب. لأن الناس الذين يتظاهرون في الشارع مطالبهم شبيهة بمطالب الكتاب وهي الحرية والمساواة”. وبنظر يارد أن الكتابة هي التي تحرر الكاتب من العبودية أو حتى من فخ الوقوع في العبودية. ياسين رفاعية يتشارك الرأي مع يارد ويثني أيضا على أهمية استمرار هذه الثورات من أجل القضاء على الديكتاتورية في العالم العربي. ويحدثنا الكاتب عن الأحزاب العربية التي تتبنى الحرية كشعار، لكنها في الواقع تغتصب حرية الأفراد. “خذي مثلا شعار حزب البعث العربي “حرية، وحدة اشتراكية”. ثم انظري ماذا فعل هذا الحزب في العراق وفي سوريا الآن… وهذا الحزب الذي كان حلماً من أحلام العرب أصبح حزباً مستبداً بالناس. واستخدم حريته من أجل أن يفعل ما يريد بالوطن، من أجل أن يفسد ويسرق ويقود الناس الى السجون. تصوري مثلا أنه كان لهذا الحزب في بغداد وفي دمشق أجهزة بوليسية استخباراتية تعتقل من تشاء وتسجن من تشاء من دون الاهتمام بالقضاء والمحاكم. وهذا المثل ينطبق على كل الانظمة العربية الديكتاتورية التي ابتدعت اسم “الحزب الحاكم” والتي تكشفت عن مجموعة لصوص ومستبدين وفاسدين وقد فضحت ثورتا مصر وليبيا الحاليتان ما كان يحصل للناس”. ويحتفي رفاعية بما يحصل الآن في الدول العربية ويصفه بـ”الربيع العربي”. فبنظره قد جاء الربيع العربي السياسي الذي يتمثل بثورات شبابية امتدت من تونس الى مصر الى ليبيا الى اليمن الى سوريا حتى البحرين. ويضيف ان ما يحصل الآن في العالم العربي يجب أن يستمر الى النهاية …الى أن يصبح الانسان حرا كفرد وحرا كجماعة. ويستشهد رفاعية بما قاله الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي “اذا الشعب يوما أراد الحياة ،فلا بد أن يستجيب القدر، ولا بد لليل أن ينجلي، ولا بد للقيد أن ينكسر”. القيم المعولمة الكاتب يوسف بزي أيضا يعتبر أن الثورات هي في طريقها الى الحرية. ويضيف بزي على زملائه عاملا إضافياً ساهم في هذه الانتفاضات وهو العولمة. “الواضح أن منظومة القيم المعولمة التي وضعت حقوق الانسان بوصفها هدفا ضروريا للبشرية جمعاء قد استطاعت النفاذ الى الثقافة العمومية العربية. يضاف الى ذلك ان هذه الشعوب بوسائط الاطلاع والمشاهدة والمعرفة بأحوال المجتمعات الأخرى ذهبت تلقائيا لمقارنة أحوالها بأحوال الآخرين. هذا ما أعطى أيضا للشعوب العربية وعيا أكثر حدة وتطلبا لما تريد”. ويضيف بزي ان نصف قرن من الوعود للتقدم والازدهار وتحقيق المجتمعات “السعيدة” قد باءت بفشل مريع. وأنه كان هناك مقايضة ضمنية بين الشعوب وأنظمتها تقوم على التالي: “التضحية بالرفاه، التضحية بالحريات العامة والفردية، التضحية بأي شكل من أشكال الديموقراطية، التضحية بكل الطموحات الاقتصادية مقابل أن تقوم هذه الأنظمة بتحقيق الاستقلال وتحقيق الحداثة وامتلاك أسباب القوة وتحرير فلسطين”. وخلال نصف قرن، كانت هذه المقايضة فاشلة، “انطلاقا من ذلك كله، يمكن القول ان الشعوب العربية بدأت بمحاسبة تاريخها ومحاسبة نفسها. كانت هناك معادلة الخبز أولا ثم الحرية، اكتشفت الشعوب العربية أنها لم تحصل على الخبز ولم تنل الحرية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى