بشار طربيهصفحات الثقافةعبد الوهاب عزاوي

الحقد بين الواجب والولع/ عبد الوهاب عزاوي

من أكثر الأشياء التي تثير فضولي، تلك المتعة الغريبة في الحقد، عندما يسترسل المتكلم “الحاقد” أمام مستمعيه في شرح تفاصيل حقده مستعيناً بمخيلة تستخدم صوراً تقليدية غالباً ذات استخدام وتلقٍّ نمطيين (تمزيق الآخر بالأسنان مثلاً)، مع ارتفاع حدة الصوت ولمعان غريب في العينين، وتلويح مبالغ فيه باليدين.

إنه نوعٌ من الشهوة يسيطر على الحاقد، انفعال مشبوب ضمن أداء مسرحي. أتحدث هنا عن الحقد بصفته طقساً جماعياً لا شعوراً فردياً مخفياً.

في الوضع السوري، يأخذ الحقد كل مبرراته مما يريح الحاقد من وطأة ظهوره بمظهر المريض. إنه حاقد بين أناسٍ يفترض أنهم حاقدون أيضاً. الأمر، إذاً، يحمل نوعاً من استعراض عاهاتنا في ما بيننا: من يحمل حدبة أكبر في ظهره؟ الكل يجتمع حول المائدة ويكشف عن كتفه المتورمة من شدة الحقد، ولا توجد إدانة لهذا الحقد التجريدي، بل نوع من التعاطف الذي يقارب الافتتان أحياناً. تَكاثر المآسي كالذباب وتلك الدمعة اللعينة المستعدة للانسياب، يجعلان الحقد أشد جمالاً، يحوّلانه إلى ولع. إنه التعبير الأكثر “نبلاً” عن العجز أمام وحشية النظام الساحقة. تعبيرٌ يُظهر صاحبَه بمظهر القادر على الانتقام، والمنتصر في ساحة المتخيل. الحقد هنا وسيلة للتصعيد، تصعيد جماعي بين الجالسين، إذ إن المتكلم يتكلم باسمهم ضمناً، وحقده يشمل جزءاً من حقدهم. هذه الملاحظة شديدة التكرار في الحوارات الضيقة، مع عدد محدود من الناس بحكم ظروف الحصار، لكنها شديدة العمق.

ينمّي الطرف الآخر حقده أيضاً بالسياق الغرائبي نفسه، مستمداً من قتلاه رموزاً نقية تبرر الحقد، وتشرعن كل الممارسات التي تأتي في سياق تطبيقه. هل يقدر أحد أن يقول لأمٍّ قُتِل ابنُها عندما كان يقنص أناساً أبرياء، إنه مجرم؟ لا أفترض أن ذلك سهل أو متاح. يمسي الحقد “واجباً” في مثل هذه الحال، فهو تعاطف مع امرأة ثكلى، إنه يحمل قيمةً إيجابية إذاً، بل قد يتحول إلى نوعٍ من المجاملة الاجتماعية، وأحياناً ضرورة كي لا يُنبذ المرء من وسط الحاقدين. تكاد سوريا تكون بلداً للحاقدين، وهذا لا ينفي عنهم إنسانيتهم أو طيبتهم، لأن هذا الحقد يقبع أحياناً في حقل المتخيل، لأنه مبني على التعاطف الجماعي أكثر من الرغبة في الفعل أو القتل بالمعنى الحرفي للكلمة. ولكن هل هذا يقلل من خطورته؟ لا. لأنه لا يدفع صاحبه إلى القتل، بل يكتفي بتبرير القتل، قتل الآخرين للعدوّ من دون تمييز. إنه غياب دور المجتمع الكابح للعنف. الأهم أنه قتل للإنسانية بين الجمهورين.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى