صفحات الرأينارت عبد الكريم

“الحقيقة” تحت الرُكام/ نارت عبد الكريم

 

 

إنَّ ما نراه ونشاهده، من وقائع وأحداث، مباشرةً أو عبر وسائل الإعلام المختلفة، ليس مهماً ولا هو جديرٌ بالتَّفكر والتأمل والتوقف طويلاً عنده، وإنْ تحركتْ أو سالتْ مشاعرنا بسببه فلا يعني ذلك أنْ يركض عقلنا خلفه وينشغل به فيستحوذ على ذكائنا، لأنَّهُ مجرد نتيجة، وعرض لخلل يتوارى خلفه، اذا جاز لنا التعبير، فاحتجاب الأسباب عنَّا مرده خسارتنا لأدوات الاتصال المناسبة للتعامل معه، فليس بالإمكان، على سبيل المثال، التقاط ترددات البث الإذاعي باستعمال فرامة اللحمة الكهربائية، أو باستخدام مذياع أصابه العطب، وليست مهمة الكاتب، في شكل عام، كمهمة المُعلق الرياضي الذي يلهث خلف الكرةُ وخلف أقدام اللاعبين، فيهلل لهذا ويثني على ذاك ويتحسر على فرصة ضاعت أو خطأٍ وقع.

إنَّ مهمة الكاتب قد تكون كمهمة عالم الآثار حيث تراكمتْ على اللقى الأثرية النَّفِيسة طبقات كثيرة من الأتربة والحجارة والنفايات، يقوم العلماء بجهود مضنية وشاقة من خلال بحثهم وتنقيبهم لإخراج هذه اللقى الثمينة من تحت الركام، ومن ثمَّ يقومون بترميمها وتنظيفها وإعادة «الحياة» لها وفك ألغازها. كذلك على العقل البشري تراكمتْ طوال عصور طبقات من المعارف والنظريات والعقائد والعلوم تدلساً أُطلِقَ عليها نعت الحقائق، فتكلَّسَ العقلُ واختنقَ بها.

إنَّ مشكلاتنا الاجتماعية والسياسية وحتى الدينية معقدة جداً بحيث لا نستطيعُ حلها، وفقاً لرؤية كريشنا مورتي، إلاَّ بكوننا بسطاء، وليس بكوننا واسعي المعرفة وأذكياء، فالإنسان البسيط يمتلك المقدرة على رؤية الأشياء في شكل واضح ويمتلك تجربةً مباشرة أكثر من الشخص المعقد. فالحقيقة، وفقاً لمورتي نفسه، هي امتلاك القدرة على لقاء كل شيء من جديد، من دون رد الفعل المشروط بالماضي، بحيث لا يكون هناك تأثير للتراكم المعرفي الذي يعمل كحجاب بين الذات والوجود.

* كاتب سوري.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى