روزا ياسين حسنصفحات سورية

في تلونات الشارع الموالي

 

روزا ياسين حسن

تبدو المحاولات التي تهجس اليوم بتقسيم المجتمع السوري إلى معارضة مطلقة أو موالاة مطلقة، أبيض أو أسود، وذلك في خطاب المعارضة وخطاب النظام على السواء، أمراً غير دقيق البتة، مجحفاً وسطحي النظرة. فالسواد الصامت مثلاً ليس متماثلاً في كل مكوناته، كما أن القطاع الموسوم بالموالاة غير متماثل أيضاً، والشارع المعارض كذلك غير متماثل بهذه الصيغة، فهو ملوّن تلوّن المكونات السورية. وتكريس النظرة الأحادية باتجاه أي قسم منهم، سينشأ عنه تكريس للأحادية بالعموم.

ثمة أنواع كثيرة للموالاة، هذا ما يقودنا إلى التعامل مع كل نوع بطريقة مختلفة، الأمر الذي قد يجعلنا ننجح في حرف موقفه أو خلخلة يقينه المتكلّس، وبالتالي كسبه كفاعل أو مؤيد في صفوف الثورة. أو التعامل مع صيغته “الموالية” بطرائق تناسب كنه موالاته. ففي النهاية لا يستوي الموالي/ الشبيح مع موالي يرفض القتل ولديه ما يبرر موالاته (موضوعياً)، والمساواة في النظرة إليهما يشبه موقف الطغاة من كل معارضيهم.

هناك قسم من الموالاة يتأتى وقوفه خلف النظام من أسباب تتعلق بالخوف، والخوف هنا ثلاث حالات: حالة خوف من الفوضى في حال سقوط النظام، ومن هنا تتمّ مماهاة الدولة ومؤسساتها بالحكومة والنظام، وحالة خوف من القادم بعد سقوط النظام، وفي معظمهم من الأقليات أو برجوازيات المدن، على مقولة “اللي بتعرفوا أحسن من اللي ما تعرفوا”. وهاتان الحالتان تتطلبان جهداً مضاعفاً وحقيقياً من قبل المعارضة للإقناع بالعكس. والحالة الثالثة هي الخوف من عسف النظام وأدواته الأمنية والعسكرية، والرازحون تحت وطأة هذه الحالة لم يكسروا حاجز الخوف بعد كما في المناطق المشتعلة، وهم في معظمهم مرتبطون بالدولة إن بعمل أو غيره..

القسم الآخر من الموالاة يتكوّن لأسباب سياسية، تتعلق بعدم القناعة أو عدم الاحترام تجاه المعارضة السياسية أو رموزها، مما يجعلهم يضعون النظام في كفة والمعارضة في كفه أخرى ويرونهما متعادلين، أو أن الكفة ترجح باتجاه النظام. هذا النوع من الموالاة لا يؤمن بأن القادم هي دولة ديمقراطية وحكم قانون، ويرى أن الحكم هو حكم الأفراد فحسب، فيقلب حكم أفراد بحكم أفراد. من هنا تأتي أهمية الإقناع، بالقول والفعل، للنظر إلى الثورة باعتبارها تغييراً باتجاه الديمقراطية وحكم القانون.

ثمة الموالي أيضاً لأسباب تتعلق بالمصالح الاقتصادية، وهؤلاء نوعان، نوع موالاته طبقية حيث ترتبط مصالحه بمصالح النظام أو بمصالح رجالات من النظام ولكنه غير ملوث أخلاقياً بملوثاتهم، وهذا النوع يظل موالياً حتى يتأكد من غرق قارب السلطة حينها سيقفز إلى مكان آخر وبمنتهى البساطة والحيوية، وقد حدث الكثير من ذلك في الآونة الأخيرة، وهؤلاء معظمهم من البرجوازية المدينية وأصحاب رؤوس الأموال، الطارئة بالمجمل. ونوع ثان ارتبطت مصالحه بمصالح رجالات من النظام وتورط معهم بالكثير إلى الدرجة التي غدا متأكداً فيها بأن التخلي عن النظام، أو سقوط الأخير، لن يجعله بمنجى من المحاسبة والمساءلة، وبالتالي فهو يتشبث بالنظام تشبث الغريق بالقشة، على هدى ما يسمى: غريزة البقاء، فغياب النظام سيعني غيابه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

هناك، بالإضافة إلى الأنواع السابقة، الموالون لأسباب إيديولوجية، وهذا النوع من الموالاة يجعل البعض من المعتنقين للعقائد القومية واليسارية يرون بأن النظام السوري نظام علماني وطني داعم للمقاومة، واقف في وجه الامبريالية العالمية وربيبتها إسرائيل. أولئك الموالون لأسباب إيديولوجية تخصّ قناعاتهم يتعامون، عن قصد أو من غير قصد، عن الكثير من أفعال النظام لجهة موقفه الإيديولوجي الذي يبدو في أكثر من موضع متناقضاً مع رؤاهم، أو أنهم يكتفون بالظاهر مما يتم إعلانه ويشيحون بنظرهم عن الباطن من أفعاله. ويدخل في الصنف ذاته من هو موالٍ على قاعدة عدو صديقي عدوي، أو على قاعدة عدو عدوي صديقي!

ثمة أيضاً الموالي لأسباب طائفية، وهذا النوع من الموالاة يجعل حاملها يماهي بين الطائفة والنظام، وبالتالي يربط مصيرها بمصيره، فتتحول، أي الطائفة، إلى أداة طيعة في يده مهما غلت الأثمان التي تدفعها الطائفة من أجل بقاء هذا النظام/ الحامي. هذا النوع من الموالاة خطير، والتعامل معه بعقل راجح هو أمر ضروري يخصّ فصم تلك العلاقة العقيمة والوهمية بين الاثنين لتحرير شعب باقٍ من نظام طارئ.

ثمة في النهاية نوع من الموالاة يدخل في باب موالاة العبد لولي نعمته، وهؤلاء قلة قليلة في المجتمع السوري اليوم بعد كل هذا العنف الدامي، وجرعات الكرامة التي بثّها شباب سوريا منذ سنتين إلى اليوم.

من كل ما سبق يبدو أن للمبادرات الإيجابية والفعالة من قبل شارع الثورة والثوار والمعارضة السياسية ضرورة جوهرية في التعامل مع شارع الموالاة، المتنوّع غير المتجانس، لحرف اصطفافه أو لكسبه في صفوف الثورة أو على الأقل تحويله إلى شارع محايد من الممكن أن يشارك في بناء سوريا الجديدة بعد سقوط نظام الطغاة.

http://www.24.ae/Article.aspx?ArticleId=8558&SectionId=33

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى