صفحات العالم

انتصارات أميركية/ مصطفى زين

 

 

يتذكر متابعو الحروب الأميركية أن الرئيس بوش، عندما احتل العراق، أكد التخلص من عقدة فيتنام، أي من الهزيمة التي منيت بها جيوش الولايات المتحدة في ذلك البلد الآسيوي في السبعينات. لكن تبين في ما بعد أن العقدة أصبحت عقداً، فـ»عملية الحرية المستمرة» في أفغانستان انتهت إلى فشل أكيد، و»الحرية للعراق»، ما زالت تؤكد هذا الفشل يوماً بعد يوم. ولا شك أن الرئيس باراك أوباما أدرك هذه الحقيقة منذ وصوله إلى البيت الأبيض، فقرر سحب الجيوش من البلدين، واعتماد ما أُطلق عليه اسم «القوة الناعمة»، فاصطدم بالمحافظين الجدد والقدماء ولوبي شركات السلاح، وصقور الإدارة السابقة، أمثال ديك تشيني وكوندوليزا رايس.

الآن تحرك هؤلاء، وغيرهم كثيرون من حلفائهم ليطالبوا أوباما بالتصدي لروسيا في سورية، آخذين عليه عدم الانخراط الكامل في الحرب على هذا البلد، وقبل ذلك في تدمير ليبيا و»تردده في دعم المعارضة السورية، ثم فشل إدارته في إيجاد حلفاء موثوق فيهم يستطيعون إطاحة النظام في دمشق». ويذهب بعض العنصريين إلى اتهامه بـ»التراخي» في هذا الأمر لأنه ضد مبادئ الرجل الأبيض في نشر الحرية والديموقراطية والثقافة الأميركية.

يعتبر الأيديولوجيون اليمينيون كل الحروب التي خاضها الرؤساء الأميركيون السابقون، من فيتنام، مروراً بأفغانستان والعراق، إلى اليوم، ناجحة، فضلاً عن أنها مبررة أخلاقياً واستراتيجياً، بغض النظر عن أعداد القتلى والدمار والخراب. المهم لديهم نجاح الآلة الحربية، مهما خلفت من كوارث.

كتبت كوندوليزا رايس وروبرت غيتس مقالاً مشتركاً في «واشنطن بوست» تحت عنوان «كيف تستطيع أميركا مواجهة تحرك بوتين في سورية؟» ليخلصا إلى أن بوتين، على رغم ظهوره في مظهر القوي و»صاحب اليد العليا»، وفرضه مساحة الصراع الجيوسياسي من أوكرانيا حتى سورية، ما زال ضعيفاً لأسباب كثيرة، أهمها أن اقتصاد روسيا منهار، وقوته العسكرية من الدرجة الثانية. ويقترحان مواجهته في الشرق الأوسط، خصوصاً في سورية والعراق، بناء على تجارب واشنطن السابقة. فقد أثبتت فاعليتها في الماضي وما زالت صالحة الآن. ويقترحان رفض ادعاء بوتين أنه يعمل من أجل الاستقرار في الشرق الأوسط. فكل ما في الأمر أنه وجد فراغاً في المنطقة «خلقه ترددنا في التدخل الشامل في ليبيا وعدم استكمال المهمة في العراق». ويتابعان: «علينا خلق وقائعنا على الأرض. إن فرض منطقة حظر جوي في سورية وإقامة منطقة آمنة للسكان ليست فكرة سيئة (mumbo-jumbo). فقد نجحت لمدة 12 عاماً في ظل حكم صدام حسين. ويرى المسؤولان السابقان أن بوتين لن يتمسك بالأسد فكل ما يريده خلق واقع على الأرض يتيح له الجلوس إلى طاولة المفاوضات من موقع قوي لضمان مصالح روسيا. و»التجربة أثبتت انه يقبل بخلق دول فاشلة، وتجميد الصراعات. هذا ما حصل في جورجيا وأوكرانيا. فلماذا تكون سورية مختلفة إذا استطاعت جماعة موسكو حكم جزء منها وجعل الحكم في الجزء الآخر مستحيلاً؟».

هذا هو البديل الذي تقترحه رايس وغيتس لمواجهة روسيا: المزيد من تسليح الجماعات السورية، وغير السورية، والمزيد من التورط الأميركي مباشرة في المستنقع السوري، عبر فرض حظر جوي ومنطقة «آمنة» وخلق دولة فاشلة بحماية روسية، ودويلات خاضعة لواشنطن، من خلال تصعيد الهجمات على الجيش السوري، ودعم الإرهابيين (لم ترد في المقال أي إشارة إلى الإرهاب). بمعنى آخر ينصح الكاتبان أوباما بإدامة الفوضى في الشرق الأوسط فهي «خلاقة»، على ما كانت تقول رايس، معتمدة المفهوم التوراتي للخلق. ولا بأس أن تكون سورية أفغانستان ثانية أو عراقاً آخر، أو ليبيا، المهم أن «ننتصر» في هذه المواجهة، استعداداً لحروب أخرى لنشر «الديموقراطية والحرية».

هي الانتصارات الأميركية الدائمة تغيث الشعوب من فيتنام إلى الشرق الأوسط، ومن أميركا اللاتينية إلى أفغانستان فلنستعد لانتصار آخر في بلاد الشام.

الحياة

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى