صفحات سورية

أصدقاء الشعب السوري، أيضاً

في اﻷول من نيسان المقبل سيعقد في اسطنبول مؤتمر أصدقاء سوريا الثانيالذي كان مقرراً في الثاني من ذات الشهر. لسبب نجهله تم تقديم موعد المؤتمر ليوافقربما “كذبة نيسان” .نأمل أن لا يكون تشاؤمنا في محله وأن يكون هذاالمجلس أفضل من سابقه التونسي.
أصدقاء نظام اﻷسد من جهتهم لم يعقدوا مؤتمراً ، ربما لندرتهم ،فللنظام في دمشق أصدقاء كبار ثلاثة همٳيران وٳسرائيل وروسيا ولنسمهم “جبهة الشر” . هؤلاء يقومون بواجبالصداقة تجاه رجلهم في دمشق و”المزنوق” مع شعبه على أكمل وجه.
القاسم المشترك بين أفراد هذه الجبهة هو كونهم أقرب للعصابات منهم ٳلىان يكونوا دولاً محترمة وملتزمة بحقوق اﻹنسان وبالمعاهدات الدولية. ٳيران أحمدينجاد نقلت الثورة الخمينية نهائياً من موقع الدعم للمستضعفين ٳلى موضع الدولةالمارقة بجدارة. بدل أن تحسن ٳيران ظروف معيشة شعبها وأن ترسخ دولة المؤسسات قامتبالانخراط في معارك كولونيالية و امبريالية من أفغانستان ٳلى السودان مروراًبلبنان واليمن.
الروس الذين ورثوا الاتحاد السوفيتي يتصرفون كقزم في حذاء عملاق ، لميبق لهم من مزايا الدولة العظمى سوى سلاح بائر لا يصلح لغير القمع و”حق نقض” هبط في أحضانهم في غفلة من التاريخ والمنطق ووضعوه في بازار مجلس اﻷمن برسممن يدفع أكثر. المافيا الروسية التي تغتال معارضيها وتسجن أحرارها بعدما مسحتغروزني عن الخارطة تخاف “أن يصل السنة للحكم في سوريا !”
في تفسير الخطاب الروسي وبالمقارنة مع تاريخ روسيا الحديث نستنتج أنروسيا على لسان لافروف (الجدير بأن نسميه “حجةالموسكوف” ) تدعم حكما أقلوياً وطائفياً في سوريا…وفق هذا المنطق اﻷعوجيجوز لنا أن ندعم “جهود ” الشيشان ليس للاستقلال ولا للحكم الذاتي ،بل للوصول للحكم في كل روسيا الاتحادية…
ٳسرائيل قلب جبهة الشر هذه وبامتياز فهي دولة تحكمها نفس النخبة منذقيامها ونفس العقلية العنصرية الرافضة للحق وللآخر. ٳسرائيل خاضعة لسياسات تمليهاقطعان المستوطنين والرغبة في قهر الآخر العربي وٳذلاله . ٳسرائيل دولة قائمة علىالتمييز وعلى قانون عنصري لا أخلاقي لا مثيل له في العالم وهي تتصرف كعصابة منذقيامها.
من الطبيعي أن تتفاهم هذه العصابات مع بعضها وأن تتعاون لما فيه خيرزبانيتها ودوام قمعها للضعفاء ولمن رماهم حظهم البائس في براثنها. ككل العصاباتتريد جبهة الشر هذه استمرار المستنقع الشرق أوسطي ﻷن “أعمالها ” لاتزدهر ٳلا في غياب القانون وحقوق اﻹنسان.
فهمنا ٳذا لماذا لا يحتاج أصدقاء اﻷسد لا لمؤتمر ولا لتفاهمات فكلهمفي الشر سواسية وعدوهم واحد ومعروف هو الحق والعدالة.
أصدقاء الشعب السوري كثر لكن “لا بركة فيهم “. رغم ذلك مناﻷفضل الاصطفاف بين هؤلاء على قلة حيلتهم من التمترس وراء “حماة اﻷسد “سيئي السمعة.
نرجو الله أن لا يشارك الرئيس التونسي الفذ في مؤتمر أصدقاء الشعبالسوري هذا وأن لا يتحفنا بحضوره وبطروحاته البهلوانية ، بعدما “نجونا”من مشاركة هيئة التنسيق ومنسقها اﻷكثر منممانع “المناع”.
الدولة المضيفة تركيا تصر على أن تكون “أم الصبي ” دون أنيكون لها فضل لا في الحمل ولا في الولادة. الدور التركي يقتصر على الكلام المنمقو”استضافة ” معارضة فندقية ولاجئين محروسين بعناية كي لا يزعجوا الجاراﻷسدي الهصور. بالمحصلة يبدو الدور التركي سلبياً ، سبق لنا وأن شبهناه”بطبخة البحص “. تركيا اردوغان تريد أن تجني ثمار ثورة لم تساهم لا فيصنعها ولا في دعمها ولكنها تريد أن تصب نتائجها حصرا في سلة حزب العدالةالاردوغاني.
تركيا تبدو خائفة على نفسها وعلى مصالحها أكثر بكثير من مبالاتهابالدم السوري ومن رغبتها في رؤية دولة سورية مزدهرة. تركيا تخشى خطر”تقسيم” سوريا الذي سيصيب تركيا بالضرر أكثر من غيرها.
تقسيم سوريا سوف يكون مؤلماً لكل السوريين ولكن هذا التقسيم هو بالذات”معادلة ” اﻷسد الذي ٳما أن يحكم سوريا كلها بعائلته وبالطائفة الكريمةوراءها أو يتجه ٳلى التقسيم وٳقامة دولة علوية في الساحل السوري تؤمن مصالح جبهةالشر في شرق المتوسط. ٳن اختار اﻷسد الاتجاه ٳلى التقسيم مستعيناً بآلته العسكريةالجبارة مع دعم روسي ٳيراني ومباركة ٳسرائيلية فلن يستطيع السوريون العزل فعل أيشيء سوى “الدعاء ” وانتظار الفرج.
مشكلة تركيا هي أن سقوط النظام اﻷسدي سيؤدي ، في غياب تدخل خارجي أمميوفي غياب بديل داخلي قوي قادر على المحافظة على وحدة التراب السوري ، ٳلى حالة من التفكك الداخلي ستكون لها تداعياتهاعلى المسألتين الكردية والعلوية في تركيا ذاتها. تخشى تركيا أن يستغل اﻷكرادالسوريون فوضى ما بعد اﻷسد للتقارب مع ٳخوتهم في العراق طلباً للدعم والحماية ممايقوي موقف اﻷكراد عموماً في المنطقة ويهدد الوحدة الوطنية التركية.
هناك وجه آخر لا يتم التطرق له عادة وهو المسألة العلوية في تركيا ،فالعلويون يشكلون أيضاً أقلية في تركيا والناطقون بالعربية منهم يتركزون فياسكندرون التي سوف تكون امتداداً للدولة العلوية العتيدة. قيام كيان علوي ولو غيرمعترف به دولياً على حدود اسكندرون وآخر كردي سوف يشكل صداعاً وألماً مزمنين لقادةأنقرة.
تسليح المعارضة السورية وتقويتها سوف يضعف نظام الشبيحة في دمشق ويزيدمخاوف أنقرة التي لها كل المصلحة في ٳضعاف النظام و”تطعيمه” بعناصرٳخوانية صديقة لاردوغان وحزبه وليس في ٳسقاط النظام. بالطبع أنقرة كغيرها منالعواصم أدركت أن بشار “ليس على قد الحمل” وأن الرجل أرعن ولا يتصرفبمسؤولية. أنقرة لها مصلحة في “ٳصلاح ” النظام وربما تغيير بشار وليس فيٳسقاط النظام وقيام دولة حرة وديمقراطية حقة في سوريا.
هذا يفسر الدعم التركي البارد للثورة والوصاية الخانقة لتركيا علىالمعارضة السورية التي ترتع في فنادق اسطنبول الفخمة و لا تبالي بتهميش البعدالكردي في الثورة. هذا العنصر الكردي المندمج في سوريا و الذي تلقى ضربة قاضية معغياب الكردي التوافقي “مشعل التمو”.
ٳذا كان الجار الشمالي صديقا غير موثوق به للشعب السوري فما هي حالالجيران في الجنوب؟
ٳسرائيل “لولا العيب والحياء ” لدخلت مباشرة في المعمعة ولساهمتبأريحيتها المعهودة في قتل السوريين الثائرين، لكن هذا سيكون هدية مسمومة للأسدلذا تكتفي ٳسرائيل بمنح غطاء دولي لنظام اﻷسد وبدعمه استخباراتيا وفي المحافلالدولية بشكل مستتر.
اﻷردن الهاشمي هو “صديق ” للجميع فهو يريد أن يستفيد ويفيد ولامانع لديه من أن يكون “رئة الشعب السوري في مواجهة العقوبات الظالمة والتيتضر بهذا الشعب “. تماماً كما كان اﻷردن الرئة الاقتصادية لنظام صدام طيلة حكماﻷخير فللعرش الهاشمي خبرة في الموضوع. أما التدخل المباشر أو دعم الثورة السوريةعسكريا للتحرر من الاحتلال اﻷسدي فهذا يناقض الحياد اﻷردني المشهود بين القاتلوالضحية.
يبقى اﻷخوة الخليجيون وهؤلاء قسمان، قطر والسعودية في جانب وباقي عربالنفط في جانب آخر. عرب اﻹمارات والكويت مشغولون بأمور عظام مثل البورصة والقرضاويوعطلة الصيف المقبلة. قد يخطر ببالهم توجيه “الزكاة” هذا العام ٳلى اللاجئينالسوريين في العراء، أما التعاطف مع الثورة السورية ودعمها فهذا لا محل له بيناهتماماتهم. الكويتيون على الخصوص والذين ذاقوا نعيم القمع على يد صدام يتصرفونعلى مبدأ “كش برا وبعيد ” ويا دار ما دخلك شر.
ٳخوتنا في قطر والسعودية يحبون الشعب السوري لكنهم يكرهون ٳيرانويخشونها أكثر بكثير من محبتهم للشعب السوري وحريته. فوق ذلك فحب السعودية وقطرللشعب السوري هو “حب عذري” بالقول لا بالفعل. يكفي أن نتابع محطاتالعربية والجزيرة ﻹدراك هذا الواقع ومدى “لوعة” العشق العذري لدى اﻷحبةفي قطر والسعودية العاجزين حتى عن استقبال المعارضة السورية وٳيوائها في فنادقهمالفخمة لكي لا تضطر هذه المعارضة لاستجداء الضيافة التركية ثقيلة الظل.
هل تخاف السعودية من ٳيران وهي الدولة العربية اﻷغنى والمفترض أنهااﻷقوى وفي تصرفها ثروات هائلة وٳمكانات بشرية وعلاقات سياسية واسعة ؟ ما سر تمكنٳيران من أن تصبح دولة نووية وأن تلعب بحرية على امتداد العالم العربي و تهيمن علىمصير الملايين من العرب مباشرة وبشكل غير مباشر في حين يرتعد الخليج الغني والقويخوفاً من دولة فقيرة ومحاصرة ؟
ثم أين الدعم الموعود من قبل ٳخوتنا في السعودية الذين لا يشاركون تركيامخاوفها من الكيانات الكردية والعلوية والذين لهم مصلحة في وجود معارضة سورية قويةوقادرة على ضمان وحدة اﻷراضي السورية ؟
البعض يقول أن الدعم السعودي والقطري للثورة السورية مستتر (خوفاً منالفضيحة ؟). الواضح أن هذا الدعم سري للغاية ولكي تكتمل “سرية” هذاالدعم فهو غير موجود أصلاً على قول قادة الجيش السوري الحر…
مع هكذا ” أصدقاء ” هل يحتاج الشعب السوري ٳلى أعداء ؟
أحمد الشامي http://www.elaphblog.com/shamblog ahmadshami29@yahoo.com
نشرت في بيروت اوبسرفر الخميس 29 آذار 2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى