زين الشاميصفحات سورية

الدراما السورية الحقيقية… سقوط الأقنعة

 

 


زين الشامي

من محاسن الأزمات الوطنية الكبرى، أنها تفرز المواقف وتظهر المعدن الحقيقي للنخب السياسية الثقافية والاقتصادية في المجتمع. هذا ما نعيشه حالياً في سورية منذ اندلاع موجة الاحتجاجات الشعبية ضد نظام «حزب البعث» الحاكم الذي احتكر السلطة منذ عام 1963، وضد النظام العسكري الأمني الذي ذاق السوريين، وربما غير السوريين، الويلات منه.

لا أعرف إن كان مفاجئاً أم لا، أن يسبق الشارع السوري نخبه الثقافية والفنية والاقتصادية بكثير، لا بل بأشواط. وإلا ما معنى أن يقرر مئات الآلاف من الشبان النزول إلى الشوارع حاملين أرواحهم على أكفهم، كما يقال، فيما جزء كبير وأسماء شهيرة قررت الوقوف إلى جانب السلطة التي اعتمدت الخيار العنفي والقتل ضد اولئك الشبان والمتظاهرين؟

ليس هذا فحسب، لقد رأينا كيف أن بعض المثقفين وممثلي الدراما يرددون ببغائية مقيتة ما يردده الإعلام الرسمي عن «مؤامرة» دولية كبيرة تقف وراء حركة الاحتجاجات تلك، وبعضهم صدق أن هناك «مندسين» و«سلفيين» يسعون للتخريب وتشكيل «إمارة اسلامية» في سورية. كان الإعلام السوري الرسمي وغير الرسمي يردد ذلك كما لو أن الاحداث تجري في منطقة وزيرستان على الحدود الأفغانية الباكستانية وليس في درعا أو حمص أو دمشق أو بانياس، أو السلمية في محافظة حماه، والقامشلي الكردية، وهي مناطق وتجمعات سكنية تضم كل الطيف الاجتماعي والديني وتحوي تنوعاً طائفياً غنياً، هذا عدا عن كون أن السوريين بطبعهم يميلون إلى السلم والاعتدال ويمقتون التطرف بكل أشكاله.

المشكلة أن السلطات قررت اقفال كل مناطق الاحتجاجات أمام الصحافيين السوريين والعرب والأجانب، حتى الصحف ووسائل الإعلام المحلية الموالية للنظام لم يسمح لها بدخول تلك المناطق، فكيف يمكن الحكم على طبيعة تلك الاحتجاجات وتقييمها منذ الأيام الأولى لاندلاعها طالما كانت مغلقة أمام الصحافيين ومفتوحة فقط لرجال الأمن والقناصة والدبابات؟

ثم من ناحية أخرى، وبعد مرور نحو شهرين على اندلاعها وانخراط معظم المدن والقرى السورية من أقصى الشمال الشرقي في القامشلي إلى أقصى الجنوب الغربي في سهل حوران، ومروراً بدير الزور وحمص والرقة وحلب وادلب وحماه واللاذقية ودمشق وريفها، وبعد مشاركة مئات الآلاف في هذه التظاهرات ومنهم الكثير من الناشطين المسيحيين واعتقال بعضهم، نقول كيف يمكن وصم حركة الاحتجاجات بالسلفية أو بتسييرها من قبل جهات خارجية بغرض المؤامرة، بكل هذه السهولة؟ إن مثل هذا الاتهام صار مدعاة للسخرية والتندر من قبل غالبية السوريين.

نقول ذلك لأن الشبان السوريين الذين خرجوا إلى الشوارع وسقط منهم نحو ألف شهيد فيما اعتقل نحو عشرة آلاف شخص، قد سبقوا بكثير مواقف النخب السورية من فنانيين ومثقفين، حين تركوا كل النقاشات السفسطائية وراءهم وخرجوا إلى الشوارع هاتفين للديموقراطية والكرامة والحرية. كان من المفترض أن يكون المثقفون والفنانون السوريون الفئة الاجتماعية الأكثر حساسية وتحسساً لمثل هذه الشعارات، لا بل كان من المفترض أن يكونوا في الصفوف الأولى للمحتجين لأن الحرية والديموقراطية هي المناخات الضرورية لأي عمل إبداعي وشرط وجودي لتقدم الفنون والثقافة.

للأسف، ولا نريد أن نذكر أسماء معينة لممثلين معينين لأنهم باتوا معروفين، وقفوا ضد حركة الاحتجاجات، بل كنا نتوقع منهم وأسوة بكل الفنانين والمثقفين في الدول المتقدمة، أن يقفوا موقفاً ديموقراطياً وإنسانياً، موقفاً ينتصر للمظلومين والضحايا والمحاصرين لأسباب إنسانية وليس لأسباب سياسية. إن مثل هذا الموقف ضروري، وهو مفصول عن الموقف السياسي، وقد رأينا في دول كثيرة أن ممثلين كباراً انتصروا لقضايا الشعوب الأخرى ووقفوا ضد الظلم أينما كان، كما أنهم وقفوا وما زالوا ضد انظمتهم السياسية في الدول التي يعيشون فيها رغم أنها دول وأنظمة ديموقراطية في نهاية المطاف، ودليل على ذلك موقف المخرج الأميركي مايكل مور المعروف بانتقاداته اللاذعة للتدخلات العسكرية الأميركية في الخارج حيث أصدر بياناً تضامنياً خاصاً مع المتظاهرين السوريين عبر فيه عن موقف إنساني مما يجري وتشهده سورية ومندداً بقتل واعتقال المتظاهرين.

ليس مايكل مور وحده، بل ان عشرات من السينمائيين العالميين شاركوا في التوقيع مع سينمائيين سوريين على إعلان يشجب حملة القمع ضد متظاهرين مطالبين بالديموقراطية في سورية. مثل المخرج اليوناني كوستا جافراس والمخرج الفرنسي السويسري جان لوك جودار والكاتب الاميركي هاوارد رودمان والممثلتين الفرنسيتين كاثرين دونوف وجولييت بينوشيه من بين مئات آخرين من أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط. وكان من بين السوريين الذين وقعوا الإعلان محمد ملص واسامة محمد اللذان ساعدا المخرج السوري عمر أميرلاي في اخراج أفلام عن المشاكل الاجتماعية والسياسية تحت حكم «حزب البعث» السوري. كما وقع الإعلان أيضاً المخرج نبيل المالح الذي تناولت أفلامه أيضاً قضية التهميش الاقتصادي والاجتماعي.

نحن لا نقصد هنا أن كل الفنانين السوريين كانت لهم مواقف سلبية مما يجري، لا بل نعرف تماماً حجم الضغوط التي مورست ضد الفنانين والمثقفين الذين وقعوا ما عرف لاحقاً ببيان «الحليب» الذي دعا إلى إيصال المساعدات الغذائية والطبية لأطفال درعا التي حوصرت بالدبابات وقتل واعتقل وعذّب المئات من أهلها على أيدي القوى الأمنية وبعض وحدات الجيش السوري. لقد تم تخوين كل الموقعين عل البيان لمجرد أنهم وقفوا موقفاً إنسانياً ولم يعبروا عن أي موقف سياسي، لدرجة أن بعض الموقعين اضطروا لاحقاً لتوضيح حقيقة موقفهم، ومنهم من طلب منه حرفياً أن يعبر عن ولائه الشخصي للرئيس بشار الأسد أمام وسائل الإعلام حتى يصفحوا عنه. ليس هذا فحسب، تم اتباع أساليب تهديدية وقمعية ضد الموقعين حين أعلنت الكثير من شركات الانتاج المرتبطة مع النظام عن مقاطعتها الفنانين والمثقفين ممن وقعوا على «بيان الحليب».

اخيراً التقى الرئيس بشار الأسد عدداً من الممثلين السوريين، ونشرت وسائل الإعلام الرسمية ما قاله الأسد، ومن يقرأ التفاصيل التي نشرت عن اللقاء، فلن يجد أي اشارة إلى ما دار في اللقاء، وماذا كان رأي الفنانين بالأحداث وهل عبروا عن مواقف معينة أم اكتفوا بهز الرؤوس والموافقة؟ أتمنى أن أسمع يوماً أن ممثلاً سورياً واحداً وقف في ذلك اللقاء ودافع عن المحتجين ودان القتل والاعتقال والتعذيب الذي يتعرض له شعبه على أيدي الأجهزة الأمنية. أتمنى أن أسمع أن ذلك حصل، لأن الرئيس السوري هو القائد العام للجيش والقوات المسلحة وهو يعتبر مسؤولاً عن كل شهيد سقط بالرصاص خلال الاحتجاجات. لكن إذا اكتفى اولئك الممثلون بطأطأة الرؤوس واستمعوا للرئيس كالتلاميذ النجباء في المدارس الابتدائية، فلا غرابة لأنهم مجرد… ممثلين مهرة، يتقنون جيدا ارتداء الأقنعة المطلوبة للدور المطلوب، وليس فنانين حقيقيين يعكسون تطلعات شعوبهم ويتحسسون آلامهم ويرتقون بهم.

كاتب سوري

الراي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى