صفحات سوريةمنير شحود

الدم السوري يسيل ..وسوريا تستغيث!

 


منير شحود

الآن، وقد سال الدم السوري الذكي في حوران وغيرها، دخلت سورية مرحلة جديدة صعبة ستنتهي باستقلالها الثاني، ولكن بأي ثمن؟ لم يعتمر الشك أي سوري بخصوص رخص دمه، وإمكانية أن يبدأ أول تحرك له نحو تحقيق حريته بإطلاق الرصاص الحي على شبابنا بهذه البساطة، في الوقت الذي تتشدق سلطاتنا ليل نهار بجرائم الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، هذا الاحتلال الذي يصارع شعباً آخر، وليس شعبه!

لقد انطلت هذه المتاجرة بالمقاومات والممانعات على أناس كثيرين بحسن نية أو بالعكس، ومازال الشعب السوري يدفع ثمن ذلك من حريته. واستثمر النظام الأمني ناطقين باسمه في الداخل والخارج ليروجوا لسياساته “الممانعة”، في الوقت الذي قمع فيه أي صوت حر سوري بمنتهى القسوة.

وكانت موجات تسونامي الثورات العربية التي بدأت في تونس تتقدم نحو الشرق بثبات وقوة، ووصلت أخيراً إلى سوريا، واستعد الشعب السوري لدفع ثمن الحرية بالدم.

وجاء التفسير الرسمي لما حدث في درعا تبعاً للاسطوانة المشروخة المعتادة حول التدخلات الخارجية والمندسين والعصابات، وكأن الشعب السوري ليس مؤهلاً ليطالب بحريته. وأمام فظاعة ما حدث، حاول النظام امتصاص النقمة ببعض الوعود والرشاوى المادية التي لم نعرف من أين وفَّروها، مثلما لم نعلم شيئاً عن أموالنا طوال عقود، بغياب الشفافية والصحافة الحرة.

إن من يهتف بالحرية يعني أنه أصبح يعيها ويشعر بقيمتها ويستحقها، ولا يمكن أن يقايضها بأي شيء، وبالتالي فلا بد من الخضوع لإرادة الشعب وملاقاة مطالبه، وقد استنفذت كل محاولات الالتفاف على هذه المطالب في تونس ومصر وليبيا واليمن، فلا يعني التشبث بتكرار هذه المحاولات القمعية العقيمة سوى تفاقم المشكلة وتعقيد الحل.

كان الشعب السوري سيقتنع لو بدأ الإصلاح بتحجيم من سلبه حريته وتغوَّل عليه طوال عقود، وهو الأجهزة الأمنية، بدءاً بإلغاء قانون الطوارئ ومحكمة أمن الدولة وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين فوراً، وليس الجنائيين، وإلغاء المادة الثامنة من الدستور فوراً، بعقد جلسة عاجلة لمجلس الشعب، وقد فعلها مجلس الشعب في وقت سابق. أما اللجان التي ستُشكل فيجب أن تكون مستقلة ومن المحامين والقضاة المشهود لهم من داخل وخارج مؤسسة القضاء السوري والتي اعتراها الفساد، مثلها مثل كل مؤسسات الدولة ونقاباتها، والتي لا تفعل شيئاً سوى تنفيذ ما تأمرها به الأجهزة الأمنية في التضييق على كل من تسول له نفسه الاحتجاج ولو بكلمة لتزج به في السجون أو تقطع رزقه، وكأننا نعيش عصر العبودية.

إنها إهانة للشهب السوري أن تقوم القيادة القطرية لحزب البعث بتقديم هذه “المكرمات”، هذا الحزب الذي ما زال هيكله المتداعي يحرس هذا النظام ويؤمِّن له غطاءً أيديولوجياً. وإنها إهانة أخرى أن لا يبدأ المؤتمر الصحفي لمستشارة الرئيس بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء درعا، وإعلان الحداد الوطني.

والشعب السوري الذي يخيفوننا بتنوعه الرائع متضامن اليوم أكثر من أي وقت مضى في سبيل تحقيق أهدافه، ولن يؤثر على ذلك بعض الأصوات من هنا وهناك، والتي تحاول إشعال فتنة بين مكوناته. لقد عانى الشعب كله طوال عقود، وهو تواق ليتنعم بحريته، وسيحاكم كل من قمعه محاكمة عادلة تليق بحضارة الشعب السوري.

ومع ذلك، ولألا ندخل في استقطاب الشارع، فلا بد أن تبادر السلطة بما بقي فيها من عقلاء لتحاور ممثلي الشعب حول إجراءات التغيير المطلوبة دون إبطاء، بعد وقف القتل ومحاسبة القتلة… إن أمنا سوريا العظيمة تنادينا جميعاً فلا تفوتوا الفرصة!

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى