صفحات الثقافة

الرؤوس المقطوعة في التشكيل السوري/ محمد عمران

 

 

لا يشكّل تمثيل الجسد غير المكتمل، أو أجزاء منه، في الأعمال الفنية تعبيراً عن أزمة الإنسان المعاصر فحسب، بل يشكّل أيضاً انعكاساً لبيئة العنف المكثّف التي أنتِجت فيها تلك الأعمال. لذلك، لن نستغرب حضور هذه الموضوعة في أعمال التشكيليين السوريين المنتجة حديثاً.

فالرأس المقطوع، مثلاً، لم يكن عنصراً بارزاً في نتاجات الفنانين قبل الثورة، لكن مع تصاعد العنف وخصوصاً مع انتشار الصور والفيديوهات التي تحوي مشاهد قطع الرؤوس، أصبحت ثيمة واضحة ومشتركة لدى العديد من الفنانين.

في نحتٍ منفّذ عام 2012 ، ويحمل عنوان “رأس في صحن”، يقترح التشكيلي فادي يازجي (1966) وضع الرأس المقطوع في صحن مستحضراً صورية الرأس المقطوع للقديس يوحنا المعمدان، المدفون، حسب الأسطورة، في دمشق.

وإذا كان تقديم الرأس في عمل يازجي، بداية الثورة، يحمل دلالة رمزية ذات مرجعية دينية، فإن الفنان يعود ليقدّمها بطريقة أكثر فجاجة بعدها بعام في نحت بعنوان “شجرة”، حيث الشكل المختصر لشجرة تحمل رؤوساً بدلاً من الثمار. مشهد لا يخلو من العنف والسخرية في آن.

من جهته، اختار مواطنه ياسر صافي (1976)، في عمله الحفري “غرفة بملايين الجدران” (الاسم مستوحى من عنوان مجموعة شعرية للراحل محمد الماغوط)، أن يوزّع رؤوساً مقطوعة في فضاء غرفة تحاكي شكل الزنزانة، قبل أن تظهر هذه الموضوعة من جديد في عمل أحدث للفنان بعنوان “الجنرال يدخن”.

هذه المرة، اختار صافي وضع رأسين لآدميين فوق بعضهما، يفصل بينهما مقص مفتوح. على الجانب الأيسر، يظهر شخص الجنرال سميناً ومتأهباً، يرفع يده ليلتقط السيجار من فمه. في الجانب الآخر، يتكرر شكل رأسين متجاورين، هذه المرة لخروفين، تبرز تحتهما مباشرة شخصية السجّان/الملاكم. يساوي صافي، في هذا العمل، بين الخروف والإنسان، في إشارة إلى أن ذبح الخروف لا يختلف عن ذبح الإنسان في مشهد العنف السوري.

في عمل لعمران يونس (1971)، يظهر عنصر الرأس المبتور مستقرّاً في علبة. نلاحظ على الجبهة ثقباً يسيل الدم منه، بينما تستدعي العلبة عملاً قديماً، سابقاً للثورة، ليوسف عبدلكي (1951)، يحوي رأساً مقطوعاً لسمكة تفتح فمها داخل علبة خشبية. علماً أن الأخير سيعالج هذه الموضوعة في عمل لاحق (2013)، ترتفع فيه فوق الرأس غمامة من الكلمات مكتوبة بالعامية: “يا نجمة الصبح فوق الشام عليتي، الأجواد أخدتي والأنذال خليتي”، وهي كلمات لأغنية شعبية فلسطينية أعادت إحياءها، حديثاً، الفنانة سناء موسى.

تحرص تلك الرؤوس المقطوعة والمعلقة في غاليريات الفن على تحقيق صدمة تماثل تلك التي يخلّفها العنف اليومي المعاش في سورية. أما الأعمال الفنية التي تظهر فيها تلك الرؤوس فلا تهدف إلى منافسة فجاجة المشاهد والصور الواقعية بقدر ما تهدف إلى توثيق الحرب السورية على طريقتها، وتأكيد أن “الجمال” ممكن في زمن العنف.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى