صفحات الناسوليد بركسية

الرئيس حافظ بشار الأسد/ وليد بركسية

 

 

لا تشكل الصور المتداولة لحافظ الأسد، نجل الرئيس السوري بشار الأسد، في زيارته لضريح الجندي المجهول ووضع أكاليل الزهور هناك، خرقاً للبروتوكول الرسمي لدى النظام، مثلما يبدو للوهلة الأولى، فحافظ الصغير لا يتطاول هنا على التقليد السنوي المحصور بمنصب الرئيس، بل يبدو وكأنه يمارس مهماته المستقبلية عندما سيرث الرئاسة من والده، لا أكثر.

وتناقلت شبكات موالية عبر مواقع التواصل صوراً لحافظ (18 عاماً)، في زيارة إلى ضريح الجندي المجهول في جبل قاسيون بالعاصمة دمشق ووضع أكاليل الزهور هناك في موعد غير محدد، وهو تقليد رسمي سنوي بمناسبة عيد الشهداء، لا يؤديه إلا رأس النظام، ممثلاً ببشار الأسد، وهو ما كان يفعله حافظ الأسد الأب منذ سبعينيات القرن الماضي.

وتعتبر هذه المناسبة الأولى التي يتم فيها تصدير صورة حافظ الصغير بهذه الطريقة الرسمية من قبل الآلة الدعائية للنظام، حيث كان التركيز خلال العامين الماضيين منصباً على رسم صورته “كشاب متواضع من عموم الشعب”، عبر حواراته الإعلامية وصوره خلال مشاركته في الأولمبياد العلمي ومقابلته الإعلامية الأولى مع صحيفة “غلوبال” البرازيلية الصيف الماضي، وصولاً لتعميم صور “كاجوال” له في أحد المطاعم مع أصدقائه كسر بها نمطية صور آل الأسد الرسمية منذ سبعينيات القرن الماضي والتي كانت تركز على تقديم العائلة الحاكمة بصورة “رصينة” لتحقيق عنصر الهيبة المطلوبة أمام الشعب.

الحديث عن كسر البروتوكول الرسمي في الدولة السورية أقرب للترف الفكري وفيه شيء من السطحية، ليس لأن المأساة الإنسانية في البلاد تفوق ذلك أهمية، بل لأن الموضوع في جوهره لا يتعلق بدولة طبيعية تحترم القوانين والتقاليد الرسمية، بل بـ “سوريا الأسد” حيث لا قانون سوى سلطة آل الأسد ومحيطهم من أجل الحفاظ على أبدية وجودهم في الحكم، والتي يعيش فيها المتنفذون في النظام فوق مستوى القوانين الأخرى التي وضعت لاستغلال المدنيين بقبضة حديدية تحقيقاً لنفس الهدف، في تشابك عميق بين المنافع الاقتصادية والسياسية والمعيشية في البلاد.

والحال أن الخرق الوحيد الذي ظهر في الزيارة، هو الشورت الذي ارتداه حافظ الصغير رغم أن القوانين السورية تمنع الشباب السوريين من ارتدائه في الجامعات أو الدوائر الرسمية والأمنية، ولا يعتبر ذلك عفوياً أو حباً للأناقة المعاصرة لدى حافظ بكل تأكيد، بل هي رغبة واضحة من صانعي الدعاية الأسدية في مخاطبة جيل مختلف من السوريين، من الفئات العمرية الأصغر سناً.

وبذلك يشارك حافظ في لعبة دعائية يتم فيها تقسيم أدوار البروباغندا الناعمة ضمن أسرة الأسد من أجل تلميع صورة بعضهم البعض من جهة، وتوجيه الخطاب نفسه إلى فئات متنوعة من الجمهور من جهة ثانية، لصالح الشعار الأكبر: “الأسد للأبد” ويمكن تلمس ذلك اليوم بالقميص الأبيض الذي ارتداه حافظ وطبع عليه شعار حملة والده الانتخابية الأخيرة “سوا”، وتحتها عبارة “من أجلك سورية”.

وقد لا تكون عبارة “التاريخ يكرر نفسه” صحيحة تماماً، لكنها تصبح في سوريا واقعاً لا مفر منه، مع فكرة الأبدية التي بني عليها النظام الأسدي، خصوصاً أن التاريخ يبقى في إطار الحاضر لا الماضي طالما أنه مستمر من دون أي تغيير أو انتقال للسلطة فعلياً، ولهذا تذكّر الدعاية المروجة لحافظ الصغير ودفعه نحو الواجهة الإعلامية الرسمية تدريجياً تمهيداً لليوم الذي يصل فيه إلى السلطة، بطرق الدعاية الأسدية منذ السبعينيات عند انقلاب حافظ الأب الذي أوصله إلى الرئاسة، وصولاً للدعاية التي مهدت لتوريث الحكم للابن الثاني بشار بعد وفاة الابن الأكبر باسل.

إذاً، لا جديد في سوريا، هي ثقافة “الأسد إلى الأبد” تكرر نفسها مع استماتة النظام في إلغاء أي سردية بديلة له بغض النظر عن مدى جودتها، ومع إعادة تدوير الشعار وأدوات وجوده يوماً بعد يوم ضمن الواقع السوري المظلم إثر مآلات الحرب المستمرة في البلاد والتي أفضت إلى “انتصار” النظام حتى الآن، ربما لا يكون ضرباً من التنجيم أو التطيّر القول أن حافظ الصغير سيكون رئيساً لسوريا، ولو بعد حين.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى