صفحات الرأي

الربيع العربي الحالي بين الإسلام والعلمانية

 


كامل عباس

ومع أن للعرب تاريخ موغل في القدم، أنتج حضارة عريقة كان لها دور ريادي في دفع حضارة الجنس البشري إلى الأمام، إلا أن هذا الدور ضعف كثيرا بعد انطلاقتها لأولى ككل الحضارات الشرقية، والسبب يعود لكون تلك الحضارة قد بدأت حول الأنهار كالنيل في مصر والرافدين في العراق، مما استدعى ظهور مركز يُنظِّم ويشرف على توزيع المياه ويعمل على شق الترع، وبناء القناطر، والجسور، وضبط مياه النهر، والاحتياط ضد سني الفيضان أو الجفاف . هذا المركز تطور مع الزمن إلى حكومة مركزية قوية تجمع بيدها كل السلطات وتقوم بتنظيم أعمال الصيانة والسخرة وبث الرعب في نفوس الناس لإرغامهم على القيام بتلك الأعمال، يقف على رأس  الحكومة  فرد قوي يجمع بيده كل السلطات . تلك البنية الراكدة – إذا صح التعبير – كانت وما زالت تنتج الجهل والتخلف والاستبداد، وتجدد شبابها بين الحين والآخر، أما المحاولات التي أرادت كسر تلك الحلقة المغلقة والخروج من الشرنقة فقد باءت بالفشل .

كان أهم تلك المحاولات على الإطلاق  دعوة الرسول العربي الكريم ومحاولتها قطع سرة العرب عن الاستبداد الشرقي  وإنهاء حكم السلالات المرزول واستبداله بالشورى، لكن المحاولة باءت بالفشل أخيرا –  كما هو معلوم –  حيث تمكنت القوى الاستبدادية من العمل من داخل الإسلام  وتكييفه بالنهاية ليصبح  داعما لحكم السلالات وربما بشكل  أكثر سوءا من السابق .

نحن أمام محاولة جديدة تذكرنا بالإسلام الأول على يد الرسول العربي .

نزلت  الجماهير العربية أوائل عام2011 إلى الشارع تتحدى حكامها المستبدين في انتفاضات عارمة، وتتلقى رصاص أجهزتها الأمنية بصدورها من اجل استرجاع كرامتها المهدورة ، وربما تواتيها الريح لتكسر حلقة الاستبداد وليعود العرب للمساهمة بقوة في صنع حضارة جديدة للإنسانية أقل بؤسا وأكثر نعيما .

لكن احتمال إجهاض المحاولة على يد القوى الطبقية المتضررة منها في الداخل العربي وفي الخارج العالمي قائم حقا .

إن الجناحين الرئيسيين في حركة الشارع العربي اللذان يعبران تعبيرا حقيقيا عن  القوى الطبقية التي لها مصلحة بالنهضة، وبالتالي القطع مع الاستبداد، هما الإسلاميين والعلمانيين، ولكن لسوء الحظ ما يفرقهما عن بعضهما أكثر مما يجمعهما، ولكل منهما أخطاء تكاد تكون قاتلة، مع أن التيارين يلتقيان في الغاية وهي: العمل من أجل الإنسان وكرامته وحقوقه. وان اختلفا  في الوسيلة، (الإسلاميون وسيلتهم الضمير والعلمانيون وسيلتهم العقل ) . وقد تتمكن القوى الطبقية الاستبدادية بمالها من أجهزة سلطوية، وخبرة هائلة في قمع  الثورات، ودعم خارجي . من الإيقاع بين الجناحين على قاعدة قسم المجتمع من جديد إلى فسطاطين، فسطاط الملحدين وفسطاط المؤمنين، والمشكلة أن ماضي التيارين وأخطاؤهما يساعد على ذلك . على سبيل المثال لا الحصر .

من أخطاء العلمانيين وهي كثيرة

1-    الانطلاق من الايدولوجيا، فما زال أغلب العلمانيين ينظرون إلى كل متدين بكونه رجعي ويتعاملون مع التيارات الإسلامية على هذه القاعدة .

2-   محاولة سحب التجربة الغربية مع العلمانية – التي تكللت بالنجاح هناك –  سحبا ميكانيكيا إلى بلادنا .وهي لا تصح أبدا في الديار العربية وضارة أيضا . ديارنا لا تحتاج إلى فصل الدين عن الدولة . بل نحتاج إلى فصل الدولة عن الدين، إلى ترك الدين يتحرك ضمن طريقه الخاص الذي يخدم قضية الإنسان، إلى الاعتماد على طاقة الإيمان الكبيرة عند جماهيرنا العفوية المتدينة من اجل أن تساعد الطريق العقلي وتسنده في خلق تنمية عريضة لمصلحة المجتمع . إلى دولة مدنية تعددية بدل الدولة العلمانية

أما أخطاء الإسلاميين فهي كثيرة أيضا في مقدمتها :

محاولة عزل العلمانيين عن الشارع العربي بالاعتماد على شعور جماهيرنا العفوية الدينية تجاه كل ملحد كونه لا يحلل ولا يحرم – كما تتوهم –  وعدم الاعتراف بالآخر الذي يتجلى برفع شعار الإسلام هو الحل عند الكثير من التيارات الإسلامية .

أن أمام الثورات العربية مصاعب كبيرة يمكن تذليلها ولكن هذه الصعوبة قد تقضي على ثوراتها، ومن اجل تذليلها لا بد من عزل المنافقين الذين يتاجرون بالإسلام عند الإسلاميين والانتهازيين المشابهين للمنافقين عند العلمانيين الذين يفضلون مصلحتهم  الخاصة على المصلحة العامة .

تبدو المشكلة جلية حاليا في كل البلدان العربية التي يزهر فيها الربيع وخاصة مصر وتونس وسوريا . انه صراع على السلطة شهدناه في فلسطين بين فتح وحماس والذي أضر بالقضية الفلسطينية جدا وأوصل الثوار هناك إلى دولتين على جزء يسير من الأراضي الفلسطينية، وهاهي ثورة مصر تحاول راب الصدع بينهم خدمة لقضيتهم ولقضية العرب أيضا ..

في سوريا بلدنا الحبيب يحاول المغرضون إجهاض الربيع بالولوج من هذا الباب، وليس عبثا أن الشارع السوري يرددا العبارة التالية:

هل الصراع في سوريا بين الإسلاميين والعلمانيين أم بين السلطة والشعب ؟

مؤسف جدا أن نسمع قولا كالتالي يردده مثقفون يساريون لهم باع طويل في خدمة قضية النهضة العربية

( أنا لا أشارك  في مظاهرة تخرج من الجامع !!!!!! )

كامل عباس – اللاذقية  – 17 /6/ 2011

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى