صفحات الرأيعلي العبدالله

الردة وحرية الاعتقاد/ علي العبدالله

 

 

أعاد بروز داعش، وممارساته ضد المسلمين من العلمانيين والديمقراطيين وأبناء المذاهب غير السنية الذين اعتبروا مرتدين يقام عليهم الحد تنفيذا لأحكام الشرع الإسلامي، النقاش حول الردة وموقف الاسلام من ارتداد المسلم عن دينه، وموقفه من الامر.

ما موقف الاسلام من ارتداد مسلم عن دينه، وهل وضع لذلك حدا هو القتل؟.

واقع الحال ان قضية الردة ليست بجديدة على الاجتماع الاسلامي فقد كانت حاضرة في معظم فترات التاريخ الاسلامي وذلك لارتباطها بطبيعة الدولة الاسلامية حيث ان الدين علة وجودها وأساس المواطنة فيها، ولاعتبار الحفاظ عليها وعلى تماسكها مرتبطا ببقاء الالتزام بالدين وتعاليمه ومعاييره الاخلاقية والاجتماعية. وقد كان لافتا ان يشهد موقف الفقهاء من القضية تشديدا وتضييقا على حرية الرأي والاعتقاد بالتوازي مع ضعف الدولة وتآكل قدراتها وحدودها لتحصين المجتمع وتعزيز الدولة.

وان النص المؤسس: القرآن الكريم قد تعاطى مع ظواهر ارتداد عرفتها التجربة الاسلامية في مراحلها الأولى، وكان جازما وحاسما في الاقرار بحرية الاعتقاد وبحق الانسان في اختيار عقيدته الدينية وتحمل مسؤولية اختياره يوم الحساب، الآخرة او يوم القيامة، وآياته التي قرر بها هذا الحق واضحة وصريحة ولا تحتاج الى شرح او تفسير او تأويل قال تعالى:”لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي”( البقرة: 256) وقال:” وقل الحق من ربك فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”( الكهف:30) وخاطب النبي في آيات عديدة محددا مهمته ودوره قال:” وما ارسلناك إلا مبشرا ونذيرا”(الاسراء:105) وقال:” فأصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين”(الحجر:94) وقال:”فان تولوا فإنما عليك البلاغ المبين”(النحل:82) وقال:” ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”( يونس:99) وقال:”قل يا ايها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما انا عليكم بوكيل”(يونس:108) وقال:” فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمصيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الاكبر ان الينا ايابهم ثم ان علينا حسابهم”( الغاشية:21 – 26).

وقد حاجج اصحاب موقف قتل المرتد ان هذا قبل ان يدخل الانسان الاسلام اما بعد ان يدخل فيه فيختلف الموقف ويكون للارتداد تبعات وعقاب هو القتل بعد الاستتابة.

غير ان للقرآن الكريم موقفا واضحا وحاسما على الضد من هذا الرأي، فقد ذكر الردة والارتداد في آياته ولم يرتب على الموقف حدّا بل جعل أمر المرتدين لله يحاسبهم يوم القيامة قال تعالى:” ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون”(البقرة:217)، تقول الآية ارتد ومات كافرا ولم تقل ارتد وقتل، وقال أيضا:” يا أيها الذين آمنوا من يرتد عن دينه فسوف يأتي الله قوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على المشركين”(المائدة:54) وقال:” يحلفون بالله ما قالوا كلمة الكفر ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا ان أغناهم الله ورسوله من فضله فان تابوا يك خيرا لهم وان تولوا يعذبهم الله عذابا اليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الارض من ولي ولا نصير”( التوبة:74). آيات واضحات حاسمات جازمات ان لا حد للردة في القرآن الكريم، وان الحكم في قضية الاعتقاد عائد الى الله، او حق الله بتعبير الفقهاء، وموعد الحكم فيها يوم القيامة “ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والمجوس والذين أشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شيء شهيد”(الحج:22)

وقد جاء فعل الرسول عليه الصلاة والسلام مؤكدا لهذا التوجه من حرية الاعتقاد وحق الانسان في اختيار عقيدته وان أمر محاسبته عائد الى الله عز وجل وموعده يوم القيامة وقد تجلى ذلك في وقائع كثيرة منها ارتداد عبدالله بن سعد ابن ابي سرح، كان من كتبة الوحي وقال بعد ارتداده “ما يدري محمد إلا ما كتبت له”، وعودته الى مكة وتحريضه قريشا على النبي والمسلمين فأهدر النبي دمه ولما فتحت مكة لاذ المرتد بعثمان بن عفان( شقيقه بالرضاعة) فأخفاه عثمان حتى هدأت الأوضاع وأخذه الى النبي وطلب له الامان فأمنه الرسول وعاد فأسلم. وواقعة ارتداد عبدالله بن جحش الذي ارتد بعد هجرته الى الحبشة وتنصّر فلم يطالب به النبي كي يقيم عليه الحد ولم يطلّق منه زوجه أم حبيبة، كما فعل القضاء في مصر مع الدكتور نصر حامد ابو زيد، التي بقيت على الاسلام وعادت الى المدينة بعد وفاته وتزوجها النبي. ففي الحالة الأولى هدر دم المرتد لأنه دخل في عداوة مع الاسلام وأخذ يحرّض المشركين على قتاله بينما كانت الحالة الثانية اختيار عقائدي دون عداوة، او حرابة كما يحب الفقهاء القول، فلم يتخذ ضده اجراء. وارتد اثنا عشر مسلما بعد صلح الحديبية وخرجوا من المدينة الى مكة ولم يعترضهم النبي او يطلب من المسلمين قتلهم، وقد جاءه رجل عجوز يوما وقال له يارسول الله ارتد والدي وتنصّرا أأدعهما يدخلان النار فقرأ عليه النبي “لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي”. اما حكايته مع المنافقين وارتدادهم اليومي، عملا بنصيحة بعض اليهود كي يثيروا الريبة بالإسلام ويشككوا المسلمين في عقيدتهم وصدق نبيهم فيرتدوا، فمشهورة وقد تجاوز عن افعالهم.

تبقى قضية حروب الردة التي يعتمد عليها دعاة حدّ المرتد باعتبارها سابقة في الاسلام المبكر ونفذها الخليفة الأول ابو بكر الذي يحظى بمكانة واحترام كبيرين لدى المسلمين السنة. والواقعة للدارس الفطن واضحة ولا تخدم موقف دعاة حدّ المرتد لأنها جاءت على خلفية لا ترتبط بحرية الاعتقاد او الارتداد عن الدين بل جاءت على خلفية تمرد الاطراف على المركز ورفضهم الاعتراف بالخليفة بعد وفاة النبي ورفضهم دفع الزكاة لبيت مال المسلمين، والحوار الذي دار بين الخليفة ابي بكر وعمر بن الخطاب يقدم صورة واضحة للموقف حيث قرر الخليفة قتال المرتدين على رفضهم الخضوع للمركز وتقديم الزكاة لبيت مال المسلمين وكان موقف عمر ان يتساهل الخليفة في الامر فرد عليه بقولته الشهيرة:” والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه للنبي لقاتلتهم فيه” وأشار الى تفريقهم بين الصلاة والزكاة، ما يعني انهم على الاسلام وان ردّتهم غير دينية، سياسية ان جاز التعبير، وتمردهم على المركز فيه هزّ لسيادة الدولة وتشكيك بشرعيتها. فحالة المرتدين هنا تشبه انفصال بيافرا عن نيجيريا ومحاولات الايرلنديين الانفصال عن بريطانيا والباسك عن اسبانيا والكيبكيين عن كندا والكورسيكيين عن فرنسا، ورد الدول الحديثة عليها كان مثل رد ابي بكر حيث اعتبرتها خيانة عظمى وواجهتها بالعنف.

لا يمتلك دعاة حدّ المرتد اساسا اصوليا او تاريخيا لتبرير موقفهم وان كل الاسس والمرتكزات التي استندوا اليها اما احاديث آحاد مثل الحديث المنسوب الى ابن عباس والذي نصه “من بدل دينه فاقتلوه”، وقد سبق للفقهاء الاتفاق على عدم الاخذ بأحاديث الاحاد في مسائل الاصول والعقيدة، او اجتهادات مرتبطة بذهنية فقهية بخلفية قبلية/ بدوية لا تتقبل التعدد والاختلاف، او مرتبطة بخوف على الدولة والدين ومحاولة لتحصينه بمعاقبة كل “جحد لمعلوم من الدين”، كما يقول الفقهاء، والتعسف في تفعيلها على طريقة ابن تيمية الذي افتى بقتل المسلم الذي لا يصلي كسلا والمسلم الذي يؤخر الصلاة عن موعدها بسبب انشغاله بالعمل بعد ان يستتابا فان لم يتوبا قتلا، وقتل العلماء الذين يخالفونه الرأي، وقتل ابناء الطوائف التي تخالفه المذهب قال:” ومن لم يندفع فساده في الارض إلا بالقتل قتل مثل المفرق لجماعة المسلمين والداعي الى البدع في الدين” ( كتاب الفقه – الجهاد ص 108 و 109). ذريعة طريفة تعكس الاستخفاف بالنفس البشرية التي حرم الله قتلها وجعل قتلها يساوي قتل الجنس البشري:” من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون”(المائدة:32).

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى