صفحات سوريةفواز القادري

الرهان على سلميّة الثورة السوريّة

 

 


فواز قادري

منذ بدايات الثورة السورية، حاول النظام جاهداً

إخراجها عن مسارها السلمي، بجرائمه غير المسبوقة التي ارتكبها في درعا، ولاحقاّ في أماكن مختلفة من سوريّة،

على الأخص مدينة جسر الشغور التي نزح سكانها، وتُركت شبه خالية. نستطيع أن نتفهّم محاولات النظام اليائسة وإصراره المستميت على كذبة “المؤامرة وتوابعها” لكونه لا يملك أيّ مبرّر حقيقيّ لجرائمه، أمام صديقه قبل عدوّه، ولكنّنا، في نفس الوقت لا نفهم سبب هذا التكالب من جهات عديدة مختلفة، رموز مقاومة وشخصيات سياسيّة، وصولاً إلى مثقفين سوريين وعرب يردّدون كذبة النظام، طالعاً على نازل.

من هؤلاء المتبنّين لخرافة النظام، عثرنا في “الفيس بوك” على تعليق وجدنا فيه تعبيراً موجزاً، يلخّص كذبة النظام الذي حاول من خلالها، تبرير مجازره التي لا يصدّقها عقل ولا يحتملها بشر( فقط في الجامعة العربية يحتملون ذلك!) كاتب هذا التعليق سوري نشيط وصاحب موقع حقوقي وثقافي”نساء سورية” وسجين رأي سابق يُدعى بسام القاضي، بسام عرفناه مدافعاً شرساً عن حقوق المرأة، ولكنّه في حالة سورية الراهنة صار مدافعاً عن النظام بطرق ملتوية، بتأكيده المستميت على جوهر مقولة النظام”عصابات مسلّحة ومؤامرة خارجية” دون أن يقدم دليلاً مقنعاً على ذلك، واضعاً قتلة الأطفال ومرتكبي جرائم الإبادة، مع “عصابات” متخيّلة، في سلة واحدة، ومهاجماً في نفس الوقت، كلّ من يطالب بسقوط النظام، فهومعارض يقف في الوسط!، كما يقول عن نفسه، في أكثر من مقالة، بين الشارع الثائر والنظام، على سبيل المثال طلب من الآخرين التوقيع على” بيان حول الوضع سورية”

يقول فيه “على المظاهرات أن تتوقف فورا لمدة خمس عشرة يوما تشكل نوعا من فرصة للنظام السوري أن يثبت جدية القرارات التي اتخذها، وينجز الإجراءات الأخرى الموعودة”.

يطلب بسام من الناس تجريب المجرّب، التجريب الذي سينهي كلّ ما أنجزته الثورة السورية. في وقت وصلت فيه مجازر النظام إلى حالة أكبر من أن تترك أمكنة لمتفرجين، أو الذين يقفون في الوسط، أو الذين يضبّبون المشهد الفاجع في سوريّة، المتباكون على قطرة ماء مهدورة، في الوقت الذي يجري فيه ردم النبع كلّه!، يراوغون ويخلطون الأوراق حين يتطلب الأمر تحديد الفاعل الوحيد أكثر من أيّ وقت مضى.

سنكتفي بإيراد مقطع صغيرآخر للسيد بسام القاضي، يعبّرعن موقفه في كتاباته كلّها، مهمها تلوّنت موضوعاته، والذي جاء كتعليق على كتابة الصديق الشاعر فرج بيرقدار على الفيس بوك ايضاً.

كتب فرج:

” لا جهات أجنبية ولا سلفيين ولا إرهابيين ولا بطيخ القصة وما فيها أن النظام السوري جُنَّ جنونُه”

يعلّق بسام على فرج: “أننا في حرب ضروس بين النظام بكل آلته الحربية، وبين عصابات إجرامية

منظمة ومسلحة جيداً”

ويكمل في قسم آخر من تعليقه”

” أرى أعدادا أكبر هي تريد إصلاحات جذرية وعميقة وترفض شعار إسقاط النظام كلياً ”

لا أعرف لماذا السيد بسام مرتعب من شعارإسقاط النظام، الشعار الوحيد الذي يردّده المنتفضون، من أصغر قرية في حوران، إلى ابعد قرية في شمال شرق سورية، وكيف يستطيع الجزم، هكذا، برخاوة من يستلقي على العشب، في نهار غائم، محاولاً فرز النجوم التي تصطفّ بجانب الشعب، من تلك التي تقف بجانب النظام: “أرى أعداداً كبيرة هي مع النظام قلباً وقالباً”

لو كان السيد بسام القاضي يعيش في المريخ، ولا يصله غير بث قناة الدنيا والفضائيّة السورية” رغم انتاقده الشديد للقناتين، لعذرناه، ولنسينا قوله الذي يردّ به على نفسه: “كيف يمكننا أن نعرف فعلاً ما يريده الشعب؟” في جملته الأولى أعلاه، يجزم بشعبيّة النظام الكبيرة، ولكن عندما يتطلب الأمر منه رؤية عشرات الألوف، (لن نقول مئات الألوف) في عشرات القرى والبلدات والمدن التي تتضاهر أسبوعيّاً، (لن نقول كامل أيام الأسبوع) وتهتف طوال الوقت: ” الشعب يريد إسقاط النظام” و ” الذي يقتل شعبه خائن” “واحد واحد الشعب السوري واحد”، كما تتطّلبه جملته الثانية، يكتفي بترديد ما يقوله النظام على طريقته هو. وفي كتابات أخرى، يتبنى رواية النظام بحذافيرها، عن قتل بعض رجال الأمن وعناصرمن الجيش، (لابدّ من التأكيد هنا، نحن ضدّ كل أشكال القتل، من حيث المبدأ!، دون أن ننسى احتمال وجود حالات من الدفاع عن النفس حين تستباح البيوت، وحالات أخرى ليست أكثر من حالات فرديّة لا تحتمل تفسيرات، يقاتل النظام من أجل زرعها في عقول الناس، بكل وسائل كذبه المعروفة وغير المعروفة، لتبرير جرائمه، ولن نتردد بإدانة أيّة حالة قتل يكون دافعها طائفيّ أو إنتقامي، حفاظاً على سلميّة الثورة وأخلاقيّاتها) على أيدي مسلحين هبطوا من السماء! بينما الحقيقة التي صار يعرفها الجميع، عن هؤلاء الجنودالذين قُتلوا، لرفضهم إطلاق النار على المتظاهرين العزّل، وعلى النساء والأطفال والشيوخ، ودخولهم في مواجهة مع عناصرمن الأمن تتولّى قتل الجنود الذين يرفضون هذه الأوامر، (العصيانات الكثيرة لأفراد من الجيش في جسر الشغور، وغيرها، كان آخرها المجموعة التي واجهت رجال الأمن بعد إعلانها الانشقاق والوقوف مع المتظاهرين. خير دليل على كذب النظام وصدق المتظاهرين، شهادة عشرات النازحين إلى الأراضي التركيّة. يحاول بسّام تجاهل الفرق الكبير، بين من ينزل إلى الشارع متظاهراً ضدّ النظام ودمه على كفه، وبين من ينزل مؤيّداً، خوفاً من استدعاء أمني، أو خشية فقدانه لعمله، أو بسبب الرعب المزمن الذي تربّى عليه، أو لأسباب أخرى مختلفة. بسّام لكونه مهتمّاً بالشأن العام، وله كتابات في هذا، لابدّ أن يكون مطّلعاًعلى كذب النظام، وعلى جرائمه الكثيرة والغير مسبوقة، على الأقل ما ظهر منها للعيان: الأعداد الكبيرة من الشهداء والمعتقلين، العائلات التي تقدّربالآف، تلك التي نزحت إلى البلدان المجاورة، قتل الأبقار، وحرق البيادر، أطفال يتقافز الخوف من عيونهم الصغيرة، شيوخ ونساء جرّبوا الموت، عاشروه، نام معهم في فراش واحد، وقاسمهم طعامهم وماءهم القليل، ولا بأس أن نذكّره بحصار المدن والبلدات والقرى التي لم تستطع حتى الطيور من الدخول إليها، وأن نردّد مع الكثيرين: غياب الإعلام الآخر، من صحافة وتلفزة، هو الذي أتاح للنظام المزيد من الكذب والتهويل، نظام يعيش في عصره الخاص، ووهمه أيضاً، نظام يكذب بشكل مفضوح ويطلب من الآخرين تصديق رواياته المخترعة، تلك التي لم تقنع أحداً، حتّى من كانوا أقرب المقرّبين إليه ( المثال التركي والقطري و بعض الصحفة اللبنانيّة) هذا النظام هو الذي يدفع بالبلد إلى المزيد من القتل

والدمار، ولا يفكّر إلّا ببقائه مهما كلّف ذلك من أرواح، وهو الذي يمهّد بجرائمه التي لم يعد يحتملها العالم، للتدخل الخارجي الذي يرفضه الشعب السوريّ المصرّ على نضاله السلمي؛ في الداخل المنتفض والخارج المعارض هنك إجماع على رفض أيّ تدخل أجنبي. الشعب الذي يردّد شبابه الذين هم أساس هذه الثورة :”سلميّة سلميّة” كامل الوقت، في شوارع وساحات المدن والبلدات والقرى. نأمل من هؤلاء الشباب الذين أثبتوا للعالم وعيهم الكبير لما ينجزونه، أن يبقوا على يقظتهم، وأن لا يقعوا في فخاخ النظام الكثيرة التي من خلالها يحاول القضاء على سلميّة الثورة. بصدورهم العارية، وبأرواحهم الفتيّة، وبالحلم الذي يتشِكل في عيون الأطفال، في كلّ بيت، وكلّ زاوية، تتفتّح في بلادنا الآن، وردة الحريّة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى