صفحات الثقافة

الروائي اليهودي الأمريكي فيليب ميلتون روث: هوس البحث عن الهوية الشخصية والثقافية لإنسان العصر/ محمد محمد الخطابي

 

 

فقد الأدب الأمريكي المعاصر أحد وجوهه البارزة، وهو الكاتب اليهودي الأمريكي فيليب ميلتون روث، الذي رحل عن عالمنا بتاريخ 22 أيار/مايو الجاري 2018 عن عمر يناهز 85 عاماً.

وُلد فيليب روث في نيوجيرسي في أمريكا في 19 آذار/مارس 1933 وهو الابن الثاني لعائلة يهودية هاجرت إلى أمريكا من منطقة غاليتسيا في أوكرانيا. وهو حاصل على العديد من الجوائز الأدبية المهمة في بلاده في مقدمتها الميدالية الذهبية للرواية عام 2001 وهو أعلى تكريم أدبي تمنحه الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب، كما أنه حاصل على الميدالية الوطنية للفنون وجائزة «قلم فولكنر»، وجائزة «بوليتزر»، والعديد من الجوائز الأخرى خارج بلاده كذلك.

كان فيليب روث قد تلقى تعليمه في مدارس نيويورك العامة وحصل على درجة البكالوريوس من جامعة باكنيل، وعلى الماجستير من جامعة شيكاغو ولم يكمل دراسته لنيل درجة الدكتوراه. عمل بتدريس اللغة الإنكليزية، ثم قام لاحقاً بتدريس الكتابة الإبداعية في جامعتي أيوا وبرنستون وتقاعد من مهنة التدريس في 1992 ليتفرغ نهائياً للكتابة.

وحصد روث أكبر قدر من الجوائز والتقدير في تاريخ الأدب الأمريكي الحديث، ابتداء من جائزة آغا خان في 1958 مروراً بجوجنهايم في 1960 وجائزة فوكنر في 1992 وجائزة كارل كابيك في 1994 وجائزة بوليتزر عن رواية «أمريكان باستورال» عام 1997، كما فاز بجائزة فرانز كافكا في 2001 وجائزة مديتشي الفرنسية في 2002 وميدالية مؤسسة الكتاب الوطنية في العام نفسه وجائزة سايدوايز في 2005. وأول ما نشره روث كان مجموعة قصص قصيرة تحمل عنوان «غودباي كولومبوس» «وداعاً كولومبوس». وفاز عنها بجائزة دائرة نقاد الكتب الوطنية.

حصوله على جائزة أمير أستورياس

بعد فوز الكاتب والمغني الكندي اليهودي ليونارد كوهين في دورة عام (2011) بجائزة «أمير أستورياس في الآداب الإسبانية»، التي تعتبر من أهم الجوائز الأدبية التي تنظم في إسبانيا إلى جانب جائزتي «سيرفانتيس» و«بلانيتا»، كان قد فاز الكاتب الأمريكي اليهودي كذلك فيليب روث بهذا التكريم للعام التالي (2012).

وكان من بين 24 كاتباً وشاعراً مرشحين لنيل هذه الجائزة في تلك السنة منهم: الكاتبة الكندية أليس مونرو، والهولندي كاييس ناتيبون، والبرتغالي أنطونيو لوبو أتونيس، والأمريكي جونتان فرينزن، والإيرلندي جون بانفيل، والإسباني أنطونيو غالا. إلا أن الكاتب الأمريكي روث ظفر بهذا التكريم وتسلم جائزته المرفقة بخمسين ألف يورو، وبمنحوتة خاصة صممها الفنان الكتلاني جوان ميرو خلال مراسيم التسليم التي كانت قد أقيمت في شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2012 في مدينة أوفييدو في شمال إسبانيا من يد العاهل الإسباني فيليبي دي بوربون الذي كان لما يزل آنذاك أميراً وولياً للعهد، حيث كانت هذه الجائزة الكبرى تحمل اسمه في ذلك الوقت، وأصبحت اليوم تحمل اسم كريمته الأميرة ليونور.

وهو ينتمي إلى ما يُسمى «بالمدرسة اليهودية للرواية الأمريكية»، وكان من أهم كتاب الرواية في أمريكا في النصف الثاني من القرن العشرين. وكان منافسه القوي في الحصول على هذه الجائزة المهمة الكاتب الياباني هاروكي موراكامي.

وفيليب روث هو رابع كاتب أمريكي يحصل على هذه الجائزة بعد أرثر ميلر 2002 وسوزان سونتاغ 2003 وبول أوستر 2006. ومن الكتاب المعروفين الذين حصلوا على هذه الجائزة كذلك قبله، خوان رولفو، وماريو بارغاس يوسا، وخوسيه كاميلو سيلا، وكارلوس فوينتيس، وأوغوستو مونتيروسو، وإسماعيل قدري، وأمين معلوف، كما ظفرت بهذه الجائزة كذلك عام 2003 الكاتبة المغربية الراحلة فاطمة المرنيسي مناصفةً مع الكاتبة الأمريكية سوزان سونتاغ وسواهم.

بين العقل والعاطفة

يرى بعض النقاد أن أعمال هذا الكاتب تعكس حالات الهلع والمخاوف والهواجس، ومظاهر البؤس والشقاء التي تعاني منها مجتمعاتنا الحالية، وكانت لجنة التحكيم لجائزة أمير أستورياس قد أشادت بـ«كتابته السلسة والرفيعة، وبشخصيات رواياته وأحداثها وحبكتها التي تشكل رؤية شاملة للواقع المعاصر الذي يتخبط في صراع دائم بين العقلانية والعواطف». كما نوهت اللجنة بـ«مستواه الأدبي ونظرته العميقة للواقع المعاش، هذه النظرة التي تقف حيرى بين ما هو عقلاني وعاطفي حيال الاضطرابات التي تميز الأزمنة الحاضرة». وتشير لجنة التحكيم إلى «أن الأعمال الروائية لفيليب روث تندرج في إطار التقليد الأدبي الأمريكي العريق المقتفي لخطوات جون دوس باسوس وسكوت فيتزجيرالد وإرنست همنغواي ووليام فولكنر وسول بيلو وبرنارد مالامود وسواهم.

كاتب كلاسيكي مرموق

كان معظم النقاد يصفون فيليب روث كأحد الكتاب الكلاسكيين المرموقين المعاصرين في الولايات المتحدة الأمريكية، وتشير ديانا سورينسن عميدة كلية العلوم الإنسانية والفنون في جامعة هارفارد الأمريكية في هذا القبيل إلى أنه «كان يعتبر امتداداً للكتاب الكلاسيكيين الأمريكيين الكبار منذ عقد الثلاثينيات، وأن أعماله تتميز بالجدية، والعمق، والشمول، والتماسك». كما أشادت سورينسن بطابعه النقدي المشرب بفكره اليهودي ذي الصلة الوثقى بالفكر السياسي والاجتماعي، ما يجعله في معظم رواياته وأعماله يركز على التحليل الدقيق للمشاكل المعاصرة «وهكذا فإن أعماله تعالج مشاكل وقضايا تمتد من الأزمات التي عرفها عهد بيل كلينتون إلى المشاكل أو المشاغل المتعلقة بمعضلة التقدم في السن، وإلى تركيزه على الهوية اليهودية ذاتها، ففي كل رواية يطرح سلسلة من القضايا والتساؤلات ويعالجها».

احتقاره المرأة

وضمن مقال نشرته «القدس العربي» بتاريخ 4/3 يوليو/تموز 2010 تحت عنوان «صورة نمطية للمرأة في أدب اليهود الأمريكيين» كتبه محمود قرني حول الباحث الجامعي أحمد الكحكي بخصوص رسالة الماجستير التي قدمها في كلية الآداب جامعة عين شمس في القاهرة حول «الأدب اليهودي واحتقار المرأة في الولايات المتحدة الأمريكية» جاء ما يلي: «ويتطفل نيل بطل «وداعاً كولومبوس» لفيليب روث على عشيقته وعائلتها، ويحاول أن يتملكها لما في ذلك من فرصة للترقي الاجتماعي. ويظهر احتقار المرأة خاصة غير اليهودية في رواية فيليب روث كذلك «شكوى برتنوي»، حيث يرصد الباحث هذا الاحتقار للمرأة في تعمد بطل الرواية مضاجعة النساء غير اليهوديات، واعتبار ذلك انتقاماً من المجتمع الأمريكي وطبقاته الاجتماعية المختلفة، بالإضافة الى ما يرصده الباحث من عداء روث الشديد للديانة المسيحية، فقد بلغ به الأمر أن سمى إحدى عشيقاته «القردة» حتى لا يتلفظ باسمها وهو «ماري». ويقول الباحث في السياق نفسه: «إن كراهية أبطال فيليب روث لأمهاتهم تأخذ شكلا آخر من السخرية الشديدة منهن وممن يحاول التمسك به في التراث اليهودي. ويدلل على ذلك بقصته القصيرة، «هداية اليهود»، حيث يسخر البطل من الطريقة التي تصلي بها أمه عشية ليلة السبت، حيث يشبه الصلاة بالدجل. وفي قصته «وداعا كولومبوس» يسخر البطل من عمته لكثرة اهتمامها باتباع التعاليم اليهودية في طهي الطعام وتقديمه لأسرتها، ولا يرى فيها أكثر من كونها امرأة مجنونة. أما في روايته «شكوى برتنوي» فيرصد الباحث وضوح فكرة كره اليهودي لأمه، لأنها كانت السبب الرئيسي في اعتلاله النفسي، حيث تفانت صوفي برتنوي في رعاية ولدها وحبه وتفضيله على أخته ومراقبته طوال الوقت، ونتج عن ذلك محاولة برتنوي التخلص من سيطرتها عن طريق الجنس، خاصة مع غير اليهوديات كي يتجنب الزواج منهن، لكنه عندما يحاول الهرب من هذه الحياة ويذهب الى إسرائيل يفشل في مجامعة فتاة إسرائيلية تشبه أمه، وهنا يكمن المغزى الصهيوني للقصة حيث تركله هذه الفتاة وتأمره بالعودة حيث كان يعيش في شتات أمريكا».

من أهم أعماله

من أعمال روث الأولى «وداعاً كولومبوس» الصادرعام 1959 وهو كتاب يتضمــــن عدة قصص حول حياة اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية، حقق به الكاتب نجاحاً أدبياً كبيراً، ثم جاءت كتبه الأخرى مثل «الهروب» 1962، الذي يعالج فيه إشكالية احتضار شاب يهودي يتصارع أو يتأرجح بين العقل والعاطفة، ثم روايته الشهيرة «شكوى برتنوي» التي تحولت إلى فيلم عام 1972، ومن أشهر أعماله كذلك روايته «بورتنويز كمبلينت» التي وضعها عام 1969 وهي تسلط الضوء على حياة شاب يهودي ينتمي للطبقة الوسطى في مدينة نيويورك.

ومن أهم أعماله الروائية كذلك: «الحيوان المُحتضر» (الصادرة عن الهيئة المصرية للكتاب في 24 أبريل/نيسان 2011 وترجمها إلى اللغة العربية مصطفى محمود . وتبدو هذه الرواية وكأنها سيرة ذاتية يرويها رجل في السبعين من عمره، يغوص بذاكرته في صلاته وعلاقاته بالنساء اللائي مررن به في حياته، هجر زوجته بعد أن أنجب منها طفلاً وحيداً، وتبدو هذه الرواية وكأنها تعالج إشكالية الجسد والجنس في حياة الإنسان المعاصر، ابنه البالغ من العمر 48 سنة على العكس من والده استمر مع زوجته، على الرغم من أنها كانت صعبة المراس، حادة الطباع، كما أنه جعل نصب حياته معنىً وهدفاً لم يكونا موجودين في حياة أبيه الذي على عكس ابنه هجر زوجته تحت وطأة نزواته. وعلى الرغم من وضع الكاتب كلمة «حيوان» في عنوان كتابه، إلا أنه لا تتم الإشارة البتة إلى أي حيوان داخل الرواية، ربما كان ذلك رمزاً مبطناً للشبقية الحيوانية لدى شخوص الرواية.

ويعتبر الناقد هارولد بلوم الكاتب فيليب روث من أهم الكتاب والروائيين المرموقين في القرن العشرين في أمريكا، وتعكس نصوصه هوسَه وقلقه حيال الهوية الشخصية والثقافية والإثنية للإنسان في الوقت الحاضر. وضع روث أكثر من 30 كتاباً، وفي سنواته الأخيرة، وقع تحت سياط أزمات منتصف العمر، إلا أنه لم يتخل عن التزامه بالغوص في أسرار النفس البشرية وكوامنها، وقد تميزت أعماله في هذه الفترة من حياته بجرعات كبيرة من السخرية والتهكم والدعابة.

روث والفن السابع

وقد نقلت بعض الأعمال الروائية للكاتب فيليب روث إلى الشاشة الكبيرة منها روايته «شكوى برتنوي» أو «الثدي» و«اللطخة البشرية» هذا الفيلم شارك فيه ممثلون كبار أمثال أنطوني هوبكينز، ونيكول كيدمان، وفيلم «وداعاً كولومبوس»، يُضاف إلى هذه الأفلام الفيلم الأخير «إيليجي» عن روايته «الحيوان المُحتضر» (بطولة بين كينجسلي والممثلة الإسبانية الشهيرة بينيلوبي كرُوز) فضلاً عن «أمريكان باستورال» من إخراج فيشر ستيفنز.

وكان الكاتب الإسباني خوان خيسوس مارسيلو قد عاتب القائمين على جائزة «أمير أستورياس» الإسبانية العريقة كونها لم تمنح هذه الجائزة لأي كاتب باللغة الإسبانية منذ عام 2000 حيث حصل عليها آنذاك الكاتب الغواتيمالي الساخر أوغوستو مونتيروسُو. كما علق العديد من القراء المتتبعين لهذا الأمرعلى شبكات التواصل الاجتماعي معاتبين لجنة التحكيم أن كيف منحت هذه الجائزة – على حد تعبير أحدهم- «لكاتب ذي ميول صهيونية خاصة حيث كانت قد مُنحت هذه الجائزة نفسها قبل فيليب روث، لكاتب يهودي آخر كذلك وهو ليونارد كوهين. وقال ناقد إسباني آخر متأسفاً ومتحسراً: «يبدو أنه ليست المؤسسة السويدية المسؤولة عن منح جائزة نوبل العالمية وحدها واقعة تحت تأثير النفوذ الصهيوني، بل مؤسسة أمير أستورياس الإسبانية كذلك».

القدس العربي

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى