صفحات الحوار

الروائي خالد خليفة: هل نحن سوريون أم مجموعة طوائف؟

 

 

علياء تركي الربيعو

خالد خليفة، روائي سوري من مدينة حلب. كتب خليفة روايات عدة من بينها “دفاتر القرباط”، “مديح الكراهية”، “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة”، ومؤخراً صدرت روايته “الموت عمل شاق”، كذلك تُرجمت روايته إلى اللغات الفرنسية والإنكليزية وغيرهما. كما عُرف أيضاً بكتابة سيناريوهات بعض الأعمال الدرامية مثل فيلم “باب المقام” ومسلسل “سيرة آل الجلالي”، يعتبره النقاد من الروائيين السوريين الذين أسهموا في تحديث الرواية السورية من خلال اللغة والسرد والموضوعات التي يشتغل عليها. هنا، يحدثنا خالد عن الرواية العربية وجوائزها، الكتابة في زمن الحرب وقضايا أخرى.

*من أول روايتين لك “حارس الخديعة” و”دفاتر القرباط”، إلى آخر عملين “الموت عمل شاق” و”لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة”، تتوسطها “مديح الكراهية”، كتبت الكثير عن مدينة حلب، ألا تشعر بالملل من الكتابة عن مكان واحد؟

-ما زلت أعتقد أن حلب ليست مكاناً واحداً، إنما عالم متكامل، بعدة طبقات ومجموعة هائلة من الألوان، لذلك لم أكتب إلا القليل بعد عن حلب، ومنذ البداية حسمت خيار الكتابة عن أمكنة افتراضية، وما زلت مؤمناً بأن المكان الذي لا أتنفس رائحته لا يصلح للكتابة، لذلك لم أكتب سوى ربع ما أريد كتابته عن حلب وريفها، الأمكنة التي أدعي بأنني أعرفها جيداً، ولدي يقين بأنه لن يتاح لي سنوات كافية لأنهي كتابتي عن حلب، لذلك تنتظر دمشق التي عشت فيها أكثر من ربع قرن دورها حتى الآن، لأنتهي من تدوين الصور اللامتناهية التي ما زالت تزدحم فيها أحلامي عن حلب، رغم أن علاقتي مع المدينة كانت دوماً ملتبسة تتأرجح بين الكراهية والقبول والعشق. ولا أستطيع شرح تلك المشاعر المتناقضة لأي شخص، لذلك كانت الكتابة نوعاً من محاولات الشفاء.

*يقال إن الروايات عادة ما تحمل سمات من شخصية الروائي وتعكس بعضاً من تجربته الخاصة، ما هي حدود الواقعي والمتخيل في أعمالك؟

-حقيقة لا أعرف، وكثيراً ما فكرت بأن كل الشخصيات تحمل جزءاً مني، لكن فيما بعد يصيبني الإحباط بأنني لم أبدأ بكتابة ذاتي في رواياتي، رغم الحزن الشديد والعار الذي تشعره شخصياتي، أنا شخص يحب الحياة الدنيا وملذاتها، ولدي حياة سرية كاملة لم أبدأ بتفكيكها حتى الآن. لطالما عانيت من شرح ذاتي، لذلك أصبحت يائساً من كتابة خصائص هذه الذات أو تضمينها في رواياتي.

أزمة هوية سورية

*في روايتك الأخيرة، يظهر البعد الطبقي للصراعات التي فجّرتها الثورة على نحو بارز، بين الفقراء والأغنياء، بين المعدمين وذوي الامتيازات الخاصة والرفيعة، هل تعتقد أن سورية ستعيش أزمة هوية وتعايش في مرحلة ما بعد الحرب، بعد كل الدمار والتخريب اللذين لحقا بها؟

-طوال عمرها كانت الأزمة الرئيسية غير المرئية في سورية هي أزمة الهوية، ودوماً كانت تفرض هويتها قسراً، لكن بعد الثورة وتدمير كل موانع التعبير بدا سؤال الهوية واضحاً، وتستطيعين مراقبته عبر وسائل التواصل الاجتماعية، وسيستمر هذا النقاش والبحث عن الهوية في سورية، لكن الديمقراطية قد تساعد السوريين على إيجاد هوية مشتركة للعيش، حتى لو كانت مؤقتة، فالسؤال من نحن؟ هو السائد اليوم، هل نحن عرب، مسلمون، مسيحيون، أكراد، تركمان… مجموعة طوائف وقوميات، أم نحن سوريون، وما هي ملامح الهوية السورية الجديدة؟ هذا هو السؤال الرئيسي الذي فجرته الثورة، والشيء الرئيسي بأنه لن يستطيع أحد فرض هوية زائفة على مجموع السوريين، كما لن يستطيع أحد أن يمتلك سلطة توزيع جلاءات الوطنية كما فعل النظام عبر خمسين سنة.

*في رواياتك غالباً ما تطرح أسئلة عن الحياة والتعصب والموت والحيرة، هل وجدت أجوبة لها بين استبداد المتشددين الدينيين واستبداد الحاكمين المتسلطين؟

-لا يمكن إيجاد أجوبة وسط هذا الركام، وأشعر بنفسي أصلاً غير معني في البحث عن الأجوبة، بل بالعكس، تعمقت أسئلتي وحيرتي، لكن سؤال الموت الذي ما زال يلازمني، كان سؤالاً شخصياً وما زال، لكنه وسط الموت اليومي للسوريين تولدت أسئلة جديدة عن القتلة، العيش مع القتلة هو ما يحرضني دوماً على إعادة إنتاج الأسئلة، حين أرى بشراً تقاسمت معهم الأحلام والخمر والأسرار يحرضون على القتل بهذه الطريقة الفاشية، ويهللون لطائرات النظام التي لم تتوقف على قصف كل المدن الثائرة، وحلب خصوصاً، أفكر جدياً بقيمة ما عشناه، وما زال الذهول يصيبني حتى هذه اللحظة من النشوة التي ترافقهم. وأعيد السؤال: هل حقاً كنا رفاقاً في يوم من الأيام أم أن الأمر عبارة عن صور مزيفة عشناها ولم تكن يوماً من يومياتنا إنما جرى تزويرها قسراً؟

*في خضم المأساة السورية المستمرة سنوات، أين يقف المثقف والمبدع، وكيف يرسم الحد بين الاندفاع العاطفي والمحافظة على مستوى الإبداع ذاته؟

المثقف والمبدع دوماً، وليس في ظروف استثنائية كالتي نعيشها وعشناها في السنوات الست الماضية، يجب أن تكون حدوده واضحة في علاقته مع القمع والقتل ومصادرة الحريات، لذلك أي تحريض من المثقف والمبدع على القتل يفقده الكثير من عمقه المعرفي، لكن اليوم وفي الحساب الأخير الجردة النهائية لن تكون لمصلحة المثقف عموماً.

*إلى أي حد تختلف صورة الوضع في سورية التي تراها بنفسك، عن تلك التي ينقلها لنا الإعلام أو أدب المنفى؟

-لا يوجد حتى الآن ما يسمى بأدب المنفى، المنفيون الجدد لم يستقروا في منافيهم بعد، لذلك الصورة في الإعلام ومنذ اليوم الأول للثورة، كانت مغايرة ومختلفة عن الأرض وما يجري عليها، كانت المحطات التلفزيونية تنقل ما يناسبها، ما تريده، ما يرغب الممول في بثه لذلك طمست الكثير من تفاصيل وحقائق الثورة، خاصة أن الإعلام البديل كان من الصنف ذاته، مؤدلج، وقاصر، ولديه أجندات وأحلام.

*هل تحظى الرواية السورية، برأيك، باهتمام جيد من قبل المعنيين بالشأن الثقافي، من دور

نشر وغيرها؟

-الرواية السورية، كما الرواية العربية اليوم، مرحب بها في كل المنابر، لكن النقص الهائل في نفوذ المثقفين السوريين في أمكنة معينة كلجان تحكيم الجوائز، أو أقسام الثقافة في الصحف المهمة، يولد شعوراً بالمظلومية لدى الكاتب السوري، وهي حقيقة، خاصة أن السوريين عموماً لا توجد في ثقافتهم فكرة العصبية، ولدي أمثلة كثيرة في أمكنة أعرفها جيداً، لكن هذه المظلومية بدأت تأخذ بعداً أكثر شراسة، خاصة مع تمركز الكثير من المهاجرين في منافيهم الجديدة، وبداية تصدير صورة لا تعبر عن حقيقة النتاج السوري. القصة طويلة، ولكن دوماً هناك قانون أبدي ما دمت مهاناً في بلدك، فستكون مهاناً في أي مكان من العالم.

*عملت سابقاً على كتابة أعمال درامية، كان أشهرها مسلسل “سيرة آل الجلالي”. ما المثير أكثر في الكتابة، المسلسل أم الرواية؟

-بالتأكيد الرواية هي الأكثر عمقاً وإثارة، لكن هذا لا يقلل من روعة الكتابة للدراما، خاصة أن نتائجها مباشرة، تلمسها فوراً ولا تحتاج إلى اختبارات الزمن، الدراما تعيش وقتاً قصيراً، لكنها أيضاً متعة خالصة خاصة، إذا كان الكاتب يحاول أن يتقنها بشكل جيد. إنها تمرين جيد على العمل الجماعي.

*تتزاحم الروايات وتصدر بالعشرات وتركض باتجاه الجوائز، فكيف نصف المشهد الروائي وجوائزه: ازدهار أم ابتذال أم ماذا؟

-ازدهار إذا أردت الاختصار، لكن هذا الازدهار ليس بالضرورة تلمس نتائجه بشكل مباشر، وكما تعرفين بأن الكم يولد النوع، ورغم ولادة بعض الجوائز العربية ميتة إلا أنها ضرورة للوصول إلى معرفة القائمين على التسويق القوانين الناظمة لدعم العمل الثقافي، ومن يعتقد بأنه من الممكن إنتاج حالة ثقافية كاملة ونزيهة في ظل وجود هذا العدد الهائل من الفاسدين والقائمين على المنابر والمتحكمين في الجوائز يكون مخطئاً، لا يمكن إزاحة الفساد دفعة واحدة، خاصة أن حرية التعبير في الوطن العربي ما زالت تعاني من مشاكل كثيرة، ليس أقلها المنع.

*ما هو عملك القادم؟ وهل ستكون حلب مسرحه وبلد شخوصه أيضا؟

-ما زال مبكراً الحديث عن الرواية الجديدة، لكنها رواية عن الحب، وحلب أيضاً فضاؤها الرئيسي.

ضفة ثالثة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى