صفحات العالم

السباق بين تعريب وتدويل حل الأزمة السورية


محمد السعيد ادريس

بكل المقاييس لا يمكن وصف القرار الصادر عن الاجتماع الطارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية يوم السبت 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري الذي نصّ على “تعليق” مشاركة وفد الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة وكل المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتباراً من يوم الأربعاء 16 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري إلى حين قيامها بالتنفيذ الكامل لتعهداتها التي وافقت عليها بموجب خطة العمل العربية لحل الأزمة السورية، إلا بأنه بحق “القرار المفاجأة” .

قد تكون هناك أسباب كثيرة لاعتبار هذا القرار مفاجأة لكن يمكن تحديد سببين رئيسيين يمكن أن يكونا معاً مدعاة للتفكير في إجابة للسؤال المهم: سوريا إلى أين بعد هذا القرار؟ هل إلى انفراج للأزمة، أم إلى المزيد من التأزيم؟ وربما التعجيل بالتدخل الدولي الذي تنقسم حوله كل الأطراف سواء أطراف المعارضة السورية أو الأطراف العربية والأطراف الدولية أيضاً .

السبب الأول أن القرار جاء على عكس التوقعات التي رجحت حدوث تقدم في العلاقة بين الجامعة العربية وسوريا على ضوء مجموعة من التحركات التي سبقت الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب كان أبرزها بالطبع قيام يوسف أحمد مندوب سوريا الدائم لدى الجامعة بتقديم مذكرة رسمية إلى الأمانة العامة للجامعة تتضمن ترحيب سوريا وتعاونها التام مع الزيارة المنتظرة لبعثة من الجامعة . وكانت اللجنة العربية المعنية بالأزمة السورية برئاسة رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني قد قررت تشكيل بعثة من جامعة الدول العربية وإرسالها إلى سوريا للإطلاع على حقيقة الأوضاع هناك وتقديم تقرير بهذا الشأن إلى اللجنة العربية . وفي المذكرة الرسمية السورية التي سلمها يوسف الأحمد “أكدت سوريا التزامها بخطة العمل العربية التي أقرها مجلس الجامعة بتاريخ 2 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وأنها جادة في تنفيذ بنود الخطة وقد قامت فعلاً بتنفيذ معظمها”، معتبرة أن زيارة بعثة جامعة الدول العربية إلى سوريا ستسهم في الوقوف على حقيقة التزام سوريا بالخطة، وفي الكشف عن دوافع وأجندات بعض الأطراف الداخلية والخارجية التي تسعى إلى إفشال خطة العمل العربية . وفي حديث مع وكالة الأنباء السورية (سانا) أشار أحمد إلى أن الهدف من إفشال خطة العمل العربية هو “التهيئة لاستدعاء خيار التدخل التخريبي السافر لبعض القوى الدولية في الشأن السوري الداخلي”، مؤكداً أن “دعوة المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية المسلحين في سوريا إلى عدم تسليم أسلحتهم ووصف وزير الخارجية الفرنسي (آلان جوبيه) خطة العمل العربية بالميتة، يشكلان دليلاً قاطعاً على تورط هذه الأطراف في تأجيج الأوضاع داخل سوريا وعلى رفضها لأي دور عربي إيجابي يسعى إلى تهدئة الأوضاع فيها .

السبب الثاني أن القرار الذي جاء على عكس التوقعات على ضوء المحتوى المشار إليه بالمذكرة السورية، أي تجديد القبول السوري بالخطة العربية والشروع بتنفيذها إضافة إلى الاستعداد لاستقبال وفد من الجامعة لمتابعة تطورات هذا التنفيذ تضمن بنوداً غير معتادة في عرف النظام العربي وعلاقته بالدول الأعضاء وبالذات ذلك الحرص الشديد من النظام على أن ينأى بنفسه عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء . فالقرار يعد نقلة غير مسبوقة في موقف النظام العربي وجامعته العربية من أحداث وتطورات تجري داخل الدول الأعضاء وبالذات في العلاقة بين الدولة وشعبها أو بين الحاكم والمحكومين . فالقرار تضمن دعوة الدول العربية إلى سحب سفرائها من سوريا، ودعا الجيش السوري إلى عدم إطلاق النار على المدنيين (أي التمرد على أوامر السلطات السورية)، وهدد بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية .

الأكثر من ذلك أن مسودة القرار كانت قد نصت على “تجميد” عضوية سوريا في الجامعة العربية وليس “تعليق” هذه العضوية فقط، ولكن جرى تخفيف القرار بسبب اعتراض عدد من الدول على تلك المسودة، أي أن نية اللجنة العربية كانت المزيد من التشدد، ناهيك عن أن القرار تضمن النص على توفير الحماية للمدنيين السوريين وكلف الأمين العام للجامعة العربية بالاتصال الفوري بالمنظمات العربية المعنية وفي حال عدم توقف أعمال العنف على الأمين العام أن يقوم بالاتصال بالمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، بما فيها الأمم المتحدة، وبالتشاور مع أطياف المعارضة السورية لوضع تصور بالإجراءات المناسبة لوقف الأحداث الدامية .

السببان المشار إليهما يثيران تساؤلات كثيرة حول المستقبل في سوريا وبالذات في ظل ما يبدو من تسابق على سيناريوهين لحل الأزمة أولهما عربي والآخر دولي .

أحد التفسيرات يقول إن صدور القرار العربي متجاوزاً التجاوب السوري مع خطة العمل العربية من أجل سوريا جاء حرصاً على إنجاح الحل العربي والحيلولة دون فرض الحل الدولي، بدليل أن القرار لم يقطع الطريق أمام إنجاح التجاوب السوري مع الخطة العربية حيث أمهل القرار السلطات السورية أربعة أيام (حتى يوم 16 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري) للتنفيذ الكامل لتعهداتها التي وافقت عليها بموجب خطة العمل العربية .

إن “الحل العربي ما زال ممكناً رغم كل تعقيداته، وهو الحل الذي طرحته “هيئة التنسيق السورية” التي تمثل المعارضة الداخلية ويرتكز على إنجاح المبادرة العربية من أجل تحقيق هدفين: أولهما قطع الطريق على التدخل العسكري الخارجي . وثانيهما، فتح أبواب التغيير الديمقراطي الشامل وبناء الدولة الديمقراطية الحديثة . وفد الهيئة الذي جاء إلى القاهرة والتقي بالأمين العام للجامعة العربية وتعرّض إلى اعتداء سافر من بعض أطراف المعارضة المطالبين بالتدخل العسكري الدولي تحت مسمى “فرض حظر جوي على سوريا” كان مطلبه الأوحد “ألا يفلت الملف السوري من يد الجامعة العربية”، لكن أياً كانت قدرة الجامعة على ذلك يبقى النظام السوري المسؤول الأول عن فلتان الملف إلى يد كل المتربصين بسوريا إذا لم ينجح الحل العربي .

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى