صفحات سوريةمنذر خدام

السوريون وخطة كوفي عنان


منذر خدام

هل النظام السوري جاد حقيقة في تطبيق خطة عنان لحل الأزمة في سورية؟ سؤال يتردد دائما في كل النقاشات التي تدور في الداخل السوري بين مختلف فئات الشعب حول المخارج المحتملة والممكنة من الوضع الراهن الذي أوصل النظام الحاكم سورية إليه. ومع أن جميع من وجهت إليهم السؤال في محاولة لاستقصاء تفاعلهم مع الأزمة أبدى جدية واهتمام ملحوظين بالسؤال، غير أن الأجوبة عنه كانت مختلفة.

في بداية الانتفاضة السورية لم يبد كثير من السوريين تأثرا ظاهرا بها رغم الدهشة التي كانت ترتسم على الوجوه في تعبير استغرابي عن تجرؤ بعض السوريين على التمرد على نظام حكم آل الأسد المعروف عنه شدة البطش بكل من يخرج عن نطاق طاعته. لكن اليوم وبعد أن دخلت الثورة إلى كل بيت سوري بطريقة أو بأخرى وصار الجميع يعيشونها واقعا في حياتهم سواء من الناحية الأمنية أو الاقتصادية أو الاجتماعية،أو الثقافية لم يعد القول بوجود فئات صامتة يعكس واقع الحال، بل صار الجميع مهتما بالبحث عن حلول تنقذ البلد. لقد صار تعبير ” إنقاذ البلد” التعبير الأكثر تداولا في مختلف النقاشات التي تدور اليوم في أوساط السوريين، بعد أن رأوا حجم الدمار الذي تسببت به الآلة العسكرية والأمنية للنظام في مختلف مناطق سورية، وبعد أن رأوا وعاشوا كوارث القتل والتشرد والاغتصاب والتيتم.

من الناحية الإجرائية وجهت السؤال السابق الذكر إلى عدد من السوريين العاملين في مجالات عدة، بعضهم أساتذة جامعات وآخرون محامون أو تجار أو طلبة جامعات وغيرهم، منهم من يحسب نفسه على الحراك الشعبي، ومنهم من يحسب نفسه على النظام، وآخرون يصطنعون الحياد. ورغم تنوع الأجوبة، خصوصا في تفاصيلها، إلا أنه يمكن تصنيفها ضمن مجموعات أربع: بالنسبة للمحسوبين على الحراك الشعبي يجمعون على ضرورة إسقاط النظام كمدخل لإنقاذ البلد، لأنهم يعتبرونه المسؤول عن كل ما تعانيه سورية اليوم، وإنهم لن يقبلوا حلا وسطاً خصوصا بعد التضحيات الجسام التي قدموها على طريق الثورة. ومع أن جميع أجوبة هذه الفئة تتفق في الاتجاه، إلا أنه من المثير التوقف عند بعض التفاصيل. مثلا فئة الشباب المتظاهر التي لا تهتم كثيراً بالسياسية، وتنظر إلى التظاهر بشيء من القداسة، وإلى الساحات التي تتظاهر فيها بنوع من الرمزية والتفاخر حتى صار الناس يحسبون إلى ساحاتهم، فإنها تحلم بتوقف الحل الأمني من أجل أن تملأ الساحات، ويذهب بها الحلم إلى حد اقتحام قصور الرئاسة. هذه الفئة على عداء لا جسر له مع النظام، وهي لا تصدق بأن النظام يمكن أن يوافق على خطة عنان أو أي خطة أخرى، فهو لا يعرف سوى القمع والمزيد منه بحسب رأيها. لقد أدهشني حقيقة حماس الشباب والصبايا الذين التقيت بهم للاستمرار بالتظاهر رغم أن الكثير منهم قد اعتقل وعزب في أقبية أجهزة الأمن السوري، واللافت أيضا أنهم جميعا يعدون من أجيال البعث، بل اغلبهم بعثيون.

على النقيض تماما من مواقف شباب وصبايا الثورة يقف زملاؤهم من المحسوبين على النظام، خصوصا أولائك الذين نجح النظام في دفعهم للمشاركة في قمع التظاهرات عبر التنظيمات شبه العسكرية المعروفة بالشبيحة. ومع أن أطراف هذه المجموعة بدأت تتآكل تحت ضربات المسلحين التابعين للحراك الشعبي والجيش الحر، وسقوط ضحايا كثر في صفوفها، وأن علامات التردد صارت بادية على الكثيرين ممن يحسبون على هذه الفئة، إلا أنهم على صعيد النقاشات فإنهم لا يزالون يحاجون بوجود مؤامرة دولية على سورية، وان لا خيار أمام النظام سوى الحسم العسكري. ويتطرف بعضهم فيقول بلا حمص أو حماه أو غيرها من المدن السورية، وليسقط مليون سوري أو أكثر في سبيل أن يبقى القائد فلا مشكلة لديهم. انطلاقا من ذالك فإن خطة عنان بالنسبة لهؤلاء ليست أكثر من فرصة للحسم العسكري الذي صار في نهاياته على حد زعمهم. وإذا كان يمكن تفسير مواقف هؤلاء الشبيحة الميدانيين وحتى تفهم سلوك غالبيتهم ممن جاؤوا من حالات جنائية نتيجة لعفوا السلطات عنهم، ومن ثم تجنيدهم في قواتها الأمنية أو شبه الأمنية، فإنه مما يدعوا للغرابة حقا ًمواقف آخرين محسوبين على النظام ويعدون من المثقفين أو الأكاديميين. بعض هؤلاء وإن كانوا قلة لا يختلفون عن الشبيحة الميدانيين إلا في كونهم يمارسون التشبيح الفكري أو الثقافي. ففي أي نقاش يدور حول الأزمة السورية سرعان ما يتخلون عن رصانة المثقف والأكاديمي المفترضة، ليمارسوا التهديد والوعيد، واتهام المخالفين لهم بالرأي بأنهم عملاء للخارج. هؤلاء مثلهم مثل الشبيحة الميدانيين لا يؤمنون سوى بالحسم العسكري حتى ولو أدى إلى حرب أهلية، وإن مبادرة عنان بالنسبة إليهم ليست أكثر من مناورة سياسية لكسب الوقت. على يسار هؤلاء تقف مجموعة أكبر تبدي حرصا على إنقاذ البلد، مع أنها تحمل المسؤولية للخارج وللعصابات المسلحة فيما آلت إليه الأوضاع في سورية، إلا أنها تقر بضرورة إصلاح النظام، وأن السلطة وفي مقدمتها الرئيس جادون في تحقيق ذلك. واللافت أن هؤلاء يقبلون بفكرة إسقاط النظام، ويحاجون بأن الرئيس أول من أسقط النظام من خلال الإصلاحات التي قام بها، بإصداره قانوناً للأحزاب ودستوراً جديداً وغيرها من القوانين الإصلاحية بحسب زعمهم.

يلفت الانتباه مواقف فئة التجار، فهم يركزون على ضرورة عودة الاستقرار إلى البلد، واستئناف الدورة الاقتصادية بصورة طبيعية، إذ أن ضعف الطلب في السوق وانخفاض القوة الشرائية لليرة السورية قد أثرت كثيرا على نشاطها وأرباحها. لقد استطاع النظام على مدى أربعين عاما تدجين هذه الفئة خصوصا الشرائح الأكثر ثراء منها من خلال إشراكها في عمليات الفساد المنظم، ولذلك فهي ترد له الجميل من خلال وقوفها إلى جانبه تدعمه.

يمكن القول بصورة عامة إن الفئات الشابة هي الفئات الأكثر جذرية في مواقفها من النظام، إنها الثورة، لكنها في الوقت ذاته تبدي فقرا مدهشا في التعبير السياسي عن مطالبها. في الجانب الأخر ينشغل السياسيون على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم في البحث عن مواقع لهم في الثورة، بدلاً من أن تكون الثورة ذاتها همهم الأول، يلخص واقع الحال هذا بصورة مكثفة القول الشائع بأن الثورة السورية لا تزال جسدا بلا رأس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى