صفحات العالم

تخوف الملك والهاوية السورية


عدنان سعد الزعبي

المشهد السوري وتصاعد الأحداث بشكلها المأساوي ووصول الوضع لحالة اللاّعودة وتطبيق مبدأ كسر العظم والهرولة المسرعة نحو الحرب الأهلية وبالتالي زوال الضوابط الأمنية ومحاولة تصدير هذه الأزمة إلى خارج الحدود السورية أمور جعلت الملك ينظر بقلق شديد لما آلت إليه ، ويتخوف من الوصول للهاوية التي عندها لا تنفع التمنيات ولا الخطابات ولا العمل السياسي .

الملك الذي نظر إلى المشهد من الناحيتين الداخلية والخارجية وجد توافقاً واضحاً نحو التصعيد وتأجيج الصراع ، ليس فقط من الاطراف المتنازعة داخل الشقيقة سورية بل من الموقف الدولي غير الجاد في التعامل لحل الأزمة الذي عبر عنه كوفي عنان بشكله الواضح والصريح . فقضية الأطراف السورية وصلت لعقدة كُنْ أو لا تكن ، وهو منحى خطر، لأن الغاية هي البقاء والوجود ، وهذا يعني أن المفهوم المكافيلي أصبح متاحاً كونه يحلل الوسائل والطرق أياً كان نوعها ، وتعطي الشرعية لمن كان ليفعل أي شيء في سبيل البقاء .

الملك بتحليله واقع الأحداث الذي يوافقه فيه كل من يتعمق بالمشهد السوري خرج بحقائق مفادها أن الحل السلمي قد فات أوانه ، خاصة أن النظام السوري لم يلتزم حقيقة في البداية بخطة عنان بوقف القتال واللجوء للحوار السياسي. فرغم أن النظام السوري وافق على خطة عنان إلا أن شيئا لم يطبق على أرض الواقع ، بحجة أن النظام يريد إخراج ما سُمُّو بالارهابيين من سورية ، لكنه لم يستوعب وللأسف أن حبل لعبة الأمم قد اقترب من عنقه ، في حين لم تستطع قوى الشعب الثائر والجيش الحر ومن تبعهم لاحقا والذين تلقوا الدعم السياسي واللوجستي وفيما بعد العسكري من الانتظار طويلا بعدما كثف السوريون حملتهم العسكرية ضد هؤلاء الثائرين ، فاستمر الصراع وتصاعد ومورست أعتى أساليب الدمار والقتل والتنكيل على حساب الشعب السوري .

حالة الألم والحسرة التي تنتاب الملك والشعب والأمتين العربية والاسلامية من الحالة السورية وعلى الشعب السوري تبلورت أيضا من حالة الجمود التي تميز من يحيط الرئيس الاسد والذين يشكلون النظام السوري وهم في معظمهم خلايا عسكرية تَسمّروا في مواقعهم وآرائهم ورفضوا التزحزح أو التحرك ولو خطوة واحدة ، إلا في اتجاه واحد معتقدين أن المسألة لن تخرج عن ما جرى في عام 1979 ، فحلت الكارثة ، متناسين أو غير مدركين تغيرالظروف والأحوال ، ولم يُقدّروا الواقع السياسي المحلي والدولي .

تَخوُّف الملك لم يكن جراء تدفق أفواج البشر أو من تضاعف التحديات الاقتصادية والسياسية في المنطقة ، بل من خطر يكمن في واقع تدويل الأزمة واعتبار ما يُجرى في سورية مبررا لصراع إقليمي يقوم على التكتل الذي تدعم أطرافه الدول الكبرى روسيا والصين تساندهما إيران والبرازيل وفنزويلا من جهة وأوروبا ودول الخليج وبعض الدول العربية من جهة أخرى ، وهذا يعني إطالة أمد الأزمة ومزيداً من الانتكاسات ، خاصة وأن إسرائيل المتربصة هي المستفيد الأكبر من كل تأجيج يحصل في المنطقة ، وبطبيعة الحال سيكون الأردن أكثر المتأثرين من النتائج .

التخوف الثاني يأتي من ترسانة الأسلحة الموجودة في سورية وخاصة الأسلحة غير التقليدية من بيولوجية وكيميائية ، لمن ستؤول وكيف ستستخدم ومتى وأين ؟ والخوف الأكثر والأكبر عندما تقع مثل هذه الأسلحة بأيدي جماعات تريد تهديد المنطقة ، وبالتالي الهيمنة عليها وتحقيق مآربها بعيدا عن المسؤولية وحجم الدمار الذي سينشأ . أما التخوف الثالث فهو من استغلال الوضع لمعالجة ملفات خطرة كالملف النووي الإيراني ، وبالتالي إدخال المنطقة في أتون عسكرية لا شك أنها ستخلط الأوراق وتضعنا في متاهة طويلة الأمد .

تخوف الملك وحيرته كبيران ومُحقّان . فالواقع غير مبشر والتعنت وصل حدّه وسقفه الأعلى ، ولا شك أن النتائج ستكون وخيمة وأعتى ليس على سورية وحدها بل على المنطقة بأسرها . والسؤال الأهم هل نحن مستعدون لما هو أسوأ ؟ وهل هناك سيناريوهات وضعها الأردن لمواجهة أي احتمال ؟ وهل الاكتفاء بدور المتفرج والنار تزحف نحونا هو من مصلحة الأردن ؟ وهل سيستمر صمود الأردن أمام الضغوطات العربية والدولية بالشأن السوري . نعم لا نقبل الدور الذي يورطنا في قضية عربية ، فقد حُرّمت علينا دماء ابنائنا وابناء جلدتنا حرمة شهرنا هذا . وموقفنا الشريف هذا ، ولكن لا بد من وقاية خير من قنطار علاج .

العرب اليوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى