صفحات العالم

السياسة التي غابت.. كيف لها أن تعود؟

 


غازي دحمان

ليست أزمة سوريا وليدة اللحظة المأزقية التي تشهدها البلاد، بل هي نتيجة غياب السياسة واختفائها عن هذا الحيز المكاني منذ عقود طويلة، ولعل سبب تأخر ظهور هذه الحقيقة بشكلها الساطع والقاطع، يرجع في جزء كبير إلى تنازل الطرف الآخر (الشعب) عن دوره السياسي في المشاركة في العملية السياسية.

اليوم، تخلّق فجأة الطرف الآخر، وبات يطالب بمكان له على الخريطة السياسية، ليكتشف الأزمة على حقيقتها، ليس هناك من مجال سياسي يتسع لمكونات سياسية، بل ليس هناك من خريطة سياسية ليُصار إلى دمج تضاريس سياسية جديدة في طبوغرافيتها، أي أن البلاد بلا بنية سياسية تحتية، وكأن سوريا، التي احتفلت بعيد استقلالها الخامس والستين، تتخلّق الآن كدولة !.

لقد كشف الحراك الشعبي، ليس قصور الحياة السياسية في سوريا، بل فراغها وإنزياحها إلى أمكنة أخرى، ولكن بعنوان سياسي خادع، فمن غير المعقول أن تكون تلك الحزمة من الضوابط، المتكونة من قانون طوارئ جامد، ومحكمة أمن دولة بلا رقيب، وحزب يقود الدولة والمجتمع من دون أن يقر له أحد بذلك، وأجهزة أمنية تسير شؤون البلاد على هواها، من غير المعقول أن هذه آليات للاشتغال السياسي، هذه آليات عطالة سياسية بامتياز.

وعلى مدار عقود، جرى اختزال السياسة السورية، في مجالها الخارجي، وجرى تضخيم الإنجازات في هذا المجال ورفعها إلى درجة الإعجاز، وصار يُحكى عن الحكمة التي تنقذ البلاد كل مرة من المؤامرات والشرور المستطيرة، في حين يدرك العارفون في السياسات الدولية والإقليمية أن سوريا هبة الجغرافية الإقليمية المعقدة، ربما بقدر ما هي مصر هبة النيل، إضافة إلى حقيقة أن مهارات السياسات الخارجية في بلدان مثل بلدان الشرق الأوسط تقتصر على القدرة على المساومة واللعب على الأوراق بهدف الحفاظ على أوضاع معينة، ولا تشكل قيمة مضافة لتطور البلدان وتقدمها كما هي الحال في العالم المتقدم، إضافة لما سبق، يملك صانع القرار في بلداننا مجالاً رحباً ومريحاً في إطار صنع السياسة الخارجية حيث لا وجود لجهة تراقب وتحاسب، كما أنه (صانع القرار) يملك تفويضاً مريحاً لبناء التحالفات وصياغة التعاقدات والتفاهمات من دون الحاجة إلى تفويض من أي جهة.

أما السياسة الداخلية، وهي الأب الشرعي للسياسة، فقد جرى إيكالها في سوريا إلى أجهزة الأمن، التي تتحكم بكل مفاصل الحياة بما فيها من شؤون محلية وخدمية وإعلامية وحزبية، وتتكفل بإخراج المشهد السوري على هواها ومقاسها، وأكثر من ذلك، راحت تتحكم بإدارة وضبط الصراعات والتحركات المجتمعية بطريقة أمنية، على خطورة هذا النمط من الإدارة، وما يحمله من تنازعات هائلة في طاقاته الكامنة والآيلة للتفجر في لحظات معينة!.

واليوم يكمل الأمن السوري مهمة إدارة السياسة الداخلية في البلاد، بهدف إعادة تقويم إعوجاج الشارع وضبط حراكه وإعادته إلى حالة الرشد والصواب، بل إن تصرفاته تتضمن شرعية شعبية ما دام يقوم بتلبية نداء الناس الذين يطالبونه بنجدتهم في درعا وحمص وبانياس…!، غير أن الأمن يعمل على قاعدة (المهم أن لا يرى العالم)، أما عن شرعية سلوكه، وحجم التداعيات التي سيرتبها على مستقبل سوريا فذلك أمر ليس بذي أهمية!.

والحال، فإن السياسة التي غابت عن الوقائع السورية ولا تزال، لا يضمن أحد عودتها في هذا المناخ، وما مخطط له الظهور على وقع هذا الهياج الأمني ونتيجة له، هو سياسة أمنية تقول للسوريين هذه البلاد التي تتعرض للمؤمرات وتناصر المقاومات وتتصدر قائمة الممانعات ليست كمصر أو تونس، إنها بلاد محمية من الله… يا الله؟.

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى