صفحات الثقافة

السينما النبيلة


نديم جرجوره

أفلام عدّة مثيرة لمتعة المُشاهدة. مؤخّراً، كرّرتُ مراراً تعبير “متعة المُشاهدة”. أفلام عربية وأجنبية عدّة جعلتني أستعيد متعة كهذه. الفضل لصانعيها. لحساسية اشتغالاتهم البصريّة، المفتوحة على معالم وتفاصيل. الاشتغال بحدّ ذاته حماسيّ. مُشاهدة أفلام كهذه كفيلةٌ بزرع راحة داخلية، وإن مؤقّتة. لا شيء أبديّ. خصوصاً الانفعال. لا شيء مؤقّت. خصوصاً الأفلام الناضحة جمالاً. مُشاهدة أفلام كهذه دافعةٌ إلى التمتّع بلحظات لا مثيل لها خارج المُشاهدة. لا مثيل لها في حياة منذورة للقهر والشقاء. لا مثيل لها في وجدان راغب في انشراح. في إحساس منتش بصُوَر سينمائية تمنح المتعة هذه، وتُعين مُشاهدها على النهوض من كبوة الحياة والموت، المُحاصرة عيشاً في أوهام الخلاص.

مهرجانات عدّة تعكس شيئاً من هذا. الخيارات، إذا التزمت معايير الإبداع، نافذة على حراك حيوي داخل الجغرافيا العربية وخارجها. المغرب مثلٌ عربيّ أول وأساسي. تنويعات جمّة اخترعها سينمائيون مغربيون في مقارباتهم شؤون الفرد والجماعة. في اختباراتهم أشكال القول والتعبير أيضاً. الحدث العربي الراهن مادة خصبة لصناعة صُوَر سينمائية. الأفلام المقبلة من الجزائر وتونس لافتة للانتباه. ليست البراعة السينمائية فيها مُطلقة. لكن شيئاً جميلاً صُنع هناك، لفهم حدث أو حالة. لمعاينتهما. لفهمهما. بل لمحاولة فهمهما. الكمية المقبلة من المغرب مؤخّراً مُرادفة، إلى حدّ بعيد، لنوعية محرِّضة على المُشاهدة. على متعة المُشاهدة. على النقاش. على متعة النقاش أيضاً. صُوَر ملوّنة بالقهر والألم. لكنها طالعة من المعاني السامية للسينما. لمفردات الاشتغال في صناعة السينما. أكاد أقول للمعاني “النبيلة” للسينما. ليس النبل هنا بمفهوم أخلاقي تقليدي، بل بالتزام إبداعي برحابة السينما. بطيشها. بتمرّدها. بخروجها على المألوف. بمحاربتها المعتاد.

النُبل سمة شبه مفقودة. بعض السينما العربية أعادها إلى جوهرها. النُبل، عندما تكون الصورة متناغمة وركائزها المطلوبة. منسجمة ومتطلّبات الإنتاج السليم: نصّ متماسك. توليف نابضٌ بحيوية النصّ. إضاءة متلائمة والمناخات المعتَمَدة في سرد الحكاية، وسلوك الشخصيات. أداء محقونٌ بغليان الداخل وغضبه وتمرّده. إلخ. هذا كلّه ليس حكراً على أفلام مغربية. أو على أفلام مقبلة من دول المغرب العربي فقط. في الآونة الأخيرة، برزت الأفلام هذه في مهرجاني أبو ظبي والدوحة. قبلها، تجلّى الفلسطيني إيليا سليمان في اختراع أجمل الصُوَر لقول أقسى التحدّيات. غسان سلهب أحد أجمل السينمائيين اللبنانيين المثابرين على ابتكار الجديد. لا مجال لمزيد من الأسماء في خانة ضيّقة كهذه. الأسماء وأفلامها أكبر من أن تُحصَر بكلمة. الأسماء، أحياناً، دعوة إلى المُشاهدة. الأفلام، أحياناً، تحريض على المواجهة. تحريض على قبول الاستفادة من صورة أو لحظة أو متعة. تحريض على مقارعة الذات أيضاً، من خلال الآخر. من خلال آخر مؤثّر وفاعل، سواء حصل الاتفاق ونصوصه أم لا. سواء حصل التواصل مع نصوصه أم لا.

الفيلم سيّد اللعبة. أما الباقي، فتفاصيل.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى