صفحات المستقبل

الشبيحة الالكترونيون


كرم يوسف

حملت الثورة السورية على امتداد عمرها المقاس دماً منذ لحظة انطلاقتها الكثير من النكبة، لإنسان هذا الوطن، إذ زجت ذاكرته في حومة التعامل مع أقسى الصور، والمشاهد، وأكثرها عنفاً، وكارثية، دون أن تحدث عنده ماهو جديد على صعيد الصورة البشرية الممثل بها، أو أن تحلّ وتأخذ مكاناً أكبر لديه، وهو يشاهد أخاه السوري مفقوء العينين، أو مقطع الأوصال، وعلى ميعاد دائم مع براميل الـTNT المحملة بالموت وجرات الغاز مؤخراً ، وهو ما لم يكتف به النظام، الذي لجأ ومنذ أولى لحظات انطلاق الثورة السورية، إلى تشويهها، ووصفها بأعمال شغب، وتقزيمها ما أمكن له ذلك، وإلباسها كل ثوب قميء ، غيرلائق.

لم ينته هذا التشويه والتشويش على امتداد عمر الثورة إطلاقاً، ولو للحظة ، وكان هذا من أساسيات ومرتكزات النظام القديمة، و المعهودة للتعامل مع أي حدث ، سواء أكان ذلك قبل الثورة، أو بعدها ، ولا شكَّ أن التشويه، هنا، وبعد الثورة لم يقتصر على الحال الذي كان عليه قبل الثورة، بل أخذ آليات وأوجهاً جديدة، كان أهمها على الإطلاق، أولئك الذين أُفرزوا لمتابعة المحطات الفضائية، وهو ما حدث مع الكثير من القنوات التي كانت تقدم برامج حيّة، عن الثورة، فيدخل موالٍ للنظام على الخط، ويتفوه بشتائم بشعة جداً، بحق ضيوف الحلقة المعارضين، من دون أن تنجو القناة، ومقدّمها، من شتائمه .

لجأ النظام أيضاً إلى شكل آخر، مما يسمى بالتشبيح الإلكتروني، إذ فرز الآلاف، من رجال مخابراته، وحزبه لمهمَّات خطيرة، وهي إنشاء صفحات شبيهة للثورة، وشبكاتها على شبكات التواصل الاجتماعي، ونشر في الفترة الأولى منها أخباراً مؤيدة للثورة، ومن ثم بدأت تلك الصفحات تنفث زعافها الحقيقي، و وصل الأمر إلى درجة إصدار بيانات على هذه الصفحات، ما سبب مشاكل حقيقية لأصحابها، ولقيادات، و جهات ومنظمات سياسية كثيرة، اضطر أصحابها، لإصدار بيانات يوضحون فيها عملية قرصنة أسماء، مشابهة، لصفحاتهم على شبكات التواصل، لتوضيح التشبيح الإلكتروني الحاصل بحقهم، وهو ما حصل مع شبكة شام وأوغاريت الإخباريتين واللتين لا تزال إلى الآن ، الصفحات المشابهة لهما بغية تشويش المتصفح والصفحة نفسها، قائمة ومتابعة لأعمالها.

وعمد النظام إلى تسريب مقاطع فيديو خاصة لشخصيات سورية معارضة، كثيرة، كان قد صورها في فروع التحقيق، مثلما حصل مع الشخصية المعارضة هيثم المالح، وهي في مواقف محرجة، تحت الضغط والتهديد، مع اللجوء في الوقت نفسه، إلى توظيف أقلام في الصحافة المكتوبة، سواء أكانت من قبل السوريين،أو من قبل من يشاطرون الأسد مشروع المقاومة، لأجل عدم ترك هذا الباب يطرق فقط بيد للثوار والمعارضة .

بتطور مجريات الثورة، تطورت الفكرة مع رجالات النظام إلى شكل آخر وجديد للتشبيح الإعلامي والإلكتروني الذي انتهى بتأسيس جيش تحت مسمى الجيش السوري الإلكتروني على الإنترنيت لتدمير الصفحات المناصرة للثورة ، كما حصل مع صفحة اتحاد تنسيقيات شباب الكرد في سوريا والتي بلغ عدد معجبيها أكثر من 13 ألف زائر، قبل أن يقوموا بإنشاء صفحة جديدة بعد اختراق صفحتهم، كما رسخ هؤلاء الجنود الإلكترونيون للإبلاغ عن صفحات الثورة بأنها مسيئة، ليتم إغلاقها من قبل شبكات التواصل الإجتماعي ، وهو أيضاً الأمر الذي أحدث إرباكاً كثيراً للعديد من متابعي أخبار الثورة.

كما أن هذا الجيش الإلكتروني التابع لأفرع السورية المخابراتية المكلف بمتابعة صفحات التواصل الاجتماعي زجّ بكثير من الشخصيات المناصرة للثورة السورية في السجون، لمجرد قيامها بإبداء إعجاب بصفحة للثورة ، حتى بات الإعجاب بأي من هذه الصفحات شكلاً نضالياً لسوريي الداخل وإشعاراً بالموت ، لا بل أن بعض متابعي أخبار الثورة-العاديين- كانت قلوبهم تنبض أضعاف حالتها الاعتيادية، أثناء زيارة أي صفحة للثورة ، حتى دون القيام بتسجيل الإعجاب بها باسم مستعار، ومن مقهى انترنيتي،إذ قام النظام السوري بإغلاق أي مقهى لا يدون ثبوتيات أي شخص يتصفح الإنترنيت منها، بالإضافة إلى تسجيل ساعات تصفحه، ليتمّ فيما بعد إفراغها لدى فرع الأمن العسكري الموكول بهذه المهمة ويقود الناشطين إلى سجون النظام.

النظام السوري يخوض بالإضافة إلى الحرب الميدانية، حرباً إلكترونية ضارية ، تتعلق بوجوده أو زواله ، ولأجل هذا الأمر، فقد استعان بخبرات إيرانية وأوربية، واقتنى كل أجهزة المراقبة التي تتيح رصد تصفح الإنترنيت في كل لحظة، وفي كل مكان من سوريا، وهو ما وثق من خلال بيع شركات إيطالية وألمانية هذه التقنيات للنظام ، بعيد انطلاق الثورة، بالإضافة إلى تبرع الحليف العراقي نوري المالكي بأجهزة مراقبة إنترنيتية للنظام،كانت أمريكا قد أعطتها للعراق.

بسبب جنود النظام الإلكترونيين أو مايسمى بالجيش السوري الإلكتروني ، دخل الكثيرون السجون، ومنهم من خرج ميتاً، ومنهم من لم يخرج بعد، ومنهم من سيكون مجهول المصير، فسجون النظام لم تخلق كي يخرج منها الحي إلا مشوهاً أو معاقاً أو ميتاً أو مجهول المصير كما حدث ولا يزال يحدث مع الآلاف من الثوار السوريين.

كاتب من سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى