صفحات سوريةوهيب أيوب

الشعبُ السوري وامتحانُ التاريخ

 


وهيب أيوب

ما كان للذئب أن يصبح ملِكاً لو لم نكن أغناماً

“شكسبير”

ماذا يعني اعتقال آلاف السوريين وقتل مئات تلو مئات….؟ الحقيقة، لا شيء، فالسوريّون الـ 23 مليوناً يعيشون في سجنٍ كبير منذ عدة عقود من حكم البعث الاستبدادي الفاسد، بعد أن حوّل حافظ الأسد، منذ انقلابه عام 70، سوريا إلى مجرّد مزرعة لعائلته وأتباعه، وقضى على كل حياة سياسيّة ممكنة، عقب إنشائه أكثر من ستة عشر جهاز أمن يحكم من خلالها البلد، مُقصياً جميع مؤسّسات الدولة، التشريعية، التنفيذيّة، القضائية والإعلامية، وتحويلها لمجرّد واجهة وغطاء للنظام الاستبدادي الذي يرأسه.

وريثه بشار الأسد، أتى بطريقة غير شرعيّة كوالده؛ ليُتابع حكم سوريا بذات الأدوات ونفس الترِكة التي خلّفها له الوالد، فورِث جميع صلاحياته أمام تصفيق “مجلس الشعب” المُرتزِق وأركان نظام أبيه الذين ارتضوا الذلّ والمهانة للسوريين عن بكرة أبيهم.

ما كان لهذا الشاب الوريث الغرّ أن يجري إصلاحاتٍ جذريّة على نظام الحكم، دون إذن من أتوا به على رأس السلطة، الذين نصّبوه أميناً عاماً لحزب البعث، وهو لم يكتب كلمة واحدة في هذا المجال، ولا يعرِف أصلاً! ثم ترقيته لرتبة فريق وقائد أعلى للجيش والقوات المسلّحة، وهو لم يخض حتى مباراة في الملاكمة؛ فما بالك بمعارك حربيّة! وطبعاً رئيساً للجمهورية وقائداً مُلهماً فذّاً، لا حياة للسوريين من دونه.

قطعا، ما كان لهذا أن يحدث، لولا وجود جيش من المنتفعين والمُصفّقين الذين رفدوا هذا النظام بتأييدهم ومساندتهم له؛ وهم من جميع الألوان الطائفية والقومية في سوريا وليسوا من طائفة واحِدة، كما يحلو للبعض وصفه، مُعلّلين ضعفهم وتخاذلهم ومساهمتهم بانتهاك حقوق الشعب والدوس على كرامته، بأن يرموا بالحمل عن كاهلهم ليلقوه على فئة واحدة، وهذا محض افتراءٍ وتمويه للحقائق، وها هي الأحداث تثبت حقيقة ما نقول.

فحلب ثاني كبرى المدن السوريّة، ما زالت تراقب الأحداث عن بُعد ولم يخرج منها سوى المئات؛ وكأن الأحداث تجري في الواق الواق وليس في سوريا وعلى دماء الشعب السوري، الذي يُقتل علناً في الشوارع والبيوت وتُنتهك أبسط حقوقه لمجرّد التظاهر السلمي للمطالبة بالحريّة والعيش الكريم، كما باقي الشعوب. فهل ما زالت الأموال والمصالح تُقايض بالحريّة والكرامة، ويفوق سعرها الدماء..؟

ودمشق العاصمة، وسكانها الذي يفوق الخمسة ملايين، ما زال معظمهم يشرب النرجيلة ويلعبون الطاولة والشدّة ويرتادون سوق الحميدية، ويبرّدون عن قلوبهم بـ بوظة بكداش ويشترون الخضار الجاهزة من سوق التنابِل…!

وجبل العرب، البلد الذي خرج منها قائد الثورة السوريّة سلطان الأطرش، ما زال أهله يرقبون بالمناظير من جبالهم، كيف يقتّل ويُحاصر جيرانهم أهل درعا وقراها المجاورِة، بل أنّهم يقمعون من يحاول رفع صوته في منطقتهم، منتظرين تجاه الريح واللحظة المناسبة للقفز من السفينة التي قد تغرق، ولكن دون دفع الثمن حتى الآن.

هل من الممكن إسقاط هذا النظام الشرِس دون أن يتحرّك هؤلاء وبالملايين ليساندوا إخوانهم في باقي المحافظات السورية المنتفضة من أجل الحرية والديمقراطية، ودولة المساواة والقانون، الدولة المدنية التي تضمن حقوق كافة الشعب السوري على قدم المساواة..؟

إن الذين ينتظرون الإصلاح من هذا النظام، أو أن يقدّم لهم حريّتهم وكرامتهم دون أن يدفعوا الثمن مقابل ذلك، ليسوا إلا حالمين، أو في أحسن الحالات واهمين؛ فهذا النظام غير قابلٍ للإصلاح، لأنّه منخورٌ بالفساد من رأسه حتى قدميه، ومُشبعٌ بالعنجهيّة والغطرسة والعنف، مما لا يسمح له بالتنازل أو الرضوخ لإرادة الشعب. هذا الشعب الذي ينظر إليه النظام على أنّه مجرّد أغنامٍ في حظيرته ليس أكثر. والنظام أصلاً مذهول من هذه “الأغنام” كيف لها بأن ترفع الصوت وتتحدّث بالحريّة.

إن دعاوى إصلاح النظام وليس إسقاطه، بعد سلوكه الوحشيّ والهمجيّ والإجرامي، وتماديه غير المقبول في قتل شعبه وإذلاله على هذا النحو المُشين، ليس إلا تعبيرا عن واقع الخذلان الذي يلقاه المنتفضون من باقي أبناء الشعب السوري الصامتين المتفرّجين، لأن أي احتمال لاستمرار هذا النظام، سيعني سقوط السوريين في امتحانهم التاريخي الفاصل، وأن فوز النظام في معركته الدموية ونجاحه في إخماد الاحتجاجات قبل أن تتحوّل لثورة حقيقيّة تؤدّي لقيام سوريا جديدة، فإنّه يعني ببساطة، انتظار السوريين لـ حافظ بشار الأسد الثاني ليحكمهم وهو في سن العشرين وليس الـ 34، فليس هناك أسهل تعديل الدستور!

ففي النموذجين التونسي والمصري أبلغ الدروس والعِبَر لباقي الشعوب المنتفضة. فذينك النظامين سقطا، وها هم يُحاكمون هم وأركان أنظمتهم التي تهاوت، وما زال لهم أتباع يحاولون الالتفاف على الثورة من خلال ثورة مُضادة يستعيدون بها جاهدين ما فقدوه. فكيف لنظامٍ كالنظام السوري أن يتمّ إصلاحه بذات الأشخاص الفاسدين المستبدّين؟ هذا ضربٌ من المُحال، ولا يمكن حدوثه!

ما زال النظام السوري يحاول دفع السوريين إلى نموذج القذّافي، فهذا يسهّل عليه استخدام العنف المسلّح على نطاقٍ أوسع وأكثر دمويّة، ولا حلّ لمواجهته إلاّ باستفاقة الشعب السوري بأكمله وخروجه للشوارع بمظاهراتٍ مليونيّة وسلميّة، تُجبره على إلقاء السلاح وتسليم السلطة دون المزيد من الضحايا والمعتقلين والمشردين.

هذا هو امتحان التاريخ الأخير للسوريين، في هذه المرحلة على الأقل؛ فإما أن يرتضوا بالعيش كالعبيد، كما شاهدنا في البيضا ودرعا وباقي أنحاء سوريا، وإما أن ينتزعوا حريّتهم، ولا يسمحوا أو يقبلوا بعد اليوم، للذئب أن يكون ملِكاً.

/ الجولان السوري المحتل

خاص – صفحات سورية –

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى