صفحات سورية

هل هي تصفية حسابات ؟


الطاهر ابرهيم

الهجمة على قرارات الرئيس المصري محمد مرسي الاخيرة بدت كأنها تصفية حسابات من خليط من المصريين من أقصى اليمين الى أقصى اليسار.

لم تكن هذه أول مرة يفاجئ بها الرئيس المصري محمد مرسي شعب مصر ونخب مصر، وقد يكون صرْفُ النائب العام عبد المجيد محمود من منصبه لفت أنظار المراقبين من غير المصريين، لأنه لم يمض إلا أربعون يوما على محاولة الرئيس تعيينه سفيرا في الفاتيكان(11 تشرين الاول الماضي) كأسلوب لإزاحته من منصبه، ما جعل منتقدي الرئيس المصري تقوم قيامتهم باعتبار أن القانون المصري يمنع إقالة النائب العام، ما أدى إلا تراجع الرئيس عن قراره في ذلك الحين.

لكن تعيين نائب عام جديد لم يكن هو القضية الوحيدة، فقد أعلن المتحدث  باسم الرئيس “رزمة” قرارات دستورية لها حق النفاذ ما اعتبرته نخب مصرية تحصينا لقرارات الرئيس في مواجهة القضاء الذي أبطل قرارات عدة سابقة للرئيس، فما هي أهم تلك القرارات؟

لعل أهم ماأثار بعض النخب المصرية الليبرالية واليسارية التي تسمي نفسها مدنية قرارُ الرئيس مرسي انه: “لا يجوز لأي جهة قضائية حل مجلس الشورى (الغرفة الثانية من البرلمان المصري) أو حل الجمعية التأسيسية المناط بها وضع مشروع دستور جديد للبلاد”. كذلك: “أن تكون قرارات رئيس الجمهورية الصادرة منذ توليه السلطة رسمياً في30 حزيران 2012 “نهائية ونافذة ومحصّنة، لا يجوز الطعن عليها بأي طريق وأمام أي جهة”.

 وقد اعتبرت النخب المصرية القرار الأخير تحصينا لقرارات الرئيس مرسي ضد إلغائها من قبل المحاكم المصرية. ولم تنظر تلك النخب إلى أن القرارات مؤقتة ريثما يتم انتخاب مجلس شعب بعد إقرار الدستور الجديد، فينظر هذا المجلس في قرارات الرئيس، فيعدلها أو يلغيها. أما القرارات الأخرى التي أصدرها فكانت ولا تزال مطالب لجميع مكونات الشارع المصري في ميدان التحرير.

ولم يكن تعيين نائب عام جديد ليزعج إلا “الفلول” الخائفين من تحريك قضايا ضدهم. فقد اتهم النائب العام  السابق عبد المجيد محمود بأنه كان يغض الطرف عن بلاغات بحق الفاسدين في العهد السابق. كما اتهم بأنه كان سببا بشكل أو بآخر في تبرئة جميع المتهمين بقتل ضحايا موقعة الجمل في 3 شباط 2011. حتى لقد تندر المصريون بعد أن أطلقت المحكمة سراح جميع المتهمين، فقالوا: إذن فمن قتل الضحايا إلا أن يكونوا قتلوا أنفسهم؟ لأن كل المتهمين “أخذوا براءة”.

والعجيب الغريب أن بعض من تداعوا للنزول إلى ميدان التحرير واحتجوا على “إعادة التحقيقات في جرائم قتل والشروع في قتل وإصابة متظاهري الثورة المصرية من جانب كل من تولى منصباً خلال حكم النظام السابق” كان ذلك مطلبا لهم ولمعظم فصائل الثورة منذ اليوم الأول لإطاحة الرئيس حسني مبارك، فلما أعلن مرسي ذلك اعترض عليه المعترضون.

كان واضحا من خلال القراءة السريعة لقرارات مرسي والاحتجاج عليها، أن الاعتراض منصب بالدرجة الأولى على شخص الرئيس لكونه ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، فليست القضية “رمانة” بل “القلوب مليانة”.

يمكننا أن نتفهم قيام مرسي بإصدار القرارات التشريعية. فبعد أن ألغت المحكمة الدستورية مجلس الشعب المنتخب المختص بالأمور التشريعية أصبح الرئيس صاحب الحق بذلك، وقد كان إلغاء مجلس الشعب في وقت غير مناسب، كما اتضح أنه كان لأسباب شكلية.

كما يمكن تفهم قرار مرسي بتحصين الهيئة التأسيسية لكتابة الدستور استباقا لحكم المحكمة الدستورية العليا المرتقب الذي قد يقضي بحلها، بعد أن أحالت القضية إليها الدائرة الأولى في محكمة القضاء الإداري في 30 تشرين أول الماضي، لأن الرئيس أراد أن ينتهي من إصدار الدستور والاستفتاء عليه، حتى يتمكن الشعب المصري من انتخاب مجلس الشعب وفقا لهذا الدستور.

لا يُقبل اعتراض من اعترض على فتح المحاكمة مرة ثانية لإعادة محاكمة من تسببوا في مقتل الذين قتلوا وجرحوا أثناء فاعليات الثورة في كانون الثاني وشباط من عام 2011، خصوصا في موقعة الجمل، لأن ذلك كان مطلبا لأهالي الضحايا، بل مطلبا لمعظم الشعب المصري.

يبقى الاختلاف مقبولا في النصّ على أن قرارات الرئيس منذ توليه السلطة وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد: “تكون نهائية ونافذة وغير قابلة للطعن عليها بأي طريق وأمام أي جهة”. فلو علمنا أن هناك 43 اعتراضا قدم إلى المحكمة الإدارية لإلغاء الهيئة التأسيسية لكتابة الدستور فقط لتبين لنا أن قرارات الرئيس ستصبح ألعوبة بين أيادي هواة المحاكم. وما يخفف من وقع القرار هذا أنه قرار مؤقت محكوم بانتخاب مجلس الشعب بمدة قد لاتتجاوز ستة أشهر.

إضاءات

– ربما كان من الأجدى للرئيس مرسي لو أنه، بدلا من أن يخرج ليخطب في المتظاهرين من أنصاره، القى خطابه من مكتبه عبر التلفزيون الرسمي والقنوات الفضائية، فقد بدا بذلك كأنه رئيس لفئة من المصريين دون الأخرى.

– لاحظ مراقبون أن الرئيس محمد مرسي كان يصدر دائما قراراته الجريئة بعد أحداث مؤثرة ترفع من أسهمه عند المصريين مثلما تم عندما أطاح وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي ونائبه سامي عنان بعد مقتل جنود في سيناء بهجوم إرهابي لم يكشف النقاب عمن قام به حتى الآن. كما أن الإعلان الدستوري الجديد جاء بعد النجاح الكبير للرئيس المصري في إبرام التهدئة بين حماس وإسرائيل، حتى أن الرئيس الاميركي باراك أوباما أشاد بجهوده في إنجاز التهدئة.

– لم يكن من أخلاقيات الثوار الذين ثاروا ضد فساد عهد حسني مبارك القيام بأعمال تخريب للمنشآت حتى لو كانت تابعة لحزب الحرية والعدالة، ما يدل على أن الفلول من أنصار النظام السابق دخلوا على الخط، وبقوة، وقاموا بأعمال التخريب.

– كان لافتا بشكل فاقع محاولة محمد البرادعي الاستقواء بواشنطن على الرئيس مرسي عندما ناشد يوم 24 تشرين الاول الجاري اميركا أن تضغط على الرئيس المصري لإلغاء الإعلان الدستوري الأخير.

يبقى أن نقول أن الهجمة على قرارات الرئيس المصري الأخيرة بدت كأنها تصفية حسابات من خليط من المصريين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. فهل يحني الرئيس رأسه للعاصفة كما فعل سابقا، أم سنشهد عملية شد للحبل بين الإخوان المسلمين وخصومهم؟

عضو تنظيم الاخوان المسلمين السوريين

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى