صفحات سورية

الشعب السوري و إرادة التغيير

 


محمد محمود بشار

الانتفاضات و الثورات الشعبية التي عمت أرجاء العالم العربي منذ بداية هذه السنة الجديدة، أنهت عقود من الحكم الدكتاتوري في تونس و مصر، و هزّت عرش آخرين مايزالون قابعين في قمة الهرم السطوي.

و على الرغم من خصوصية كل بلد، فإن هذه الثورات الشعبية في طريقها إلى الانتشار في جميع البلدان العربية.

يسأل الكثيرون: لماذا لم ينتفض الشعب السوري كما انتفض الشعب في مصر و تونس و غيرهما من البدان العربية؟

الشعب السوري لا يقل عزيمة و إرادة عن باقي شعوب المنطقة، إلا أن خصوصية الانظمة الحاكمة في كل بلد عربي، و التجارب المريرة التي خاضها الشعب مع النظام الحاكم في سوريا، كذلك سياسة البعث التي تتركز على إبعاد و فصل المجتمع عن مركز القرار و النشاط السياسي، كل هذه العوامل و غيرها أخرت الانتفاضة في سوريا.

لكن الدعوة إلى التغيير التي أطلقها بعض رموز المعارضة، و تراكم التجارب النضالية ضد الاستبداد في سوريا، و كذلك قدرة الشباب السوري على مواكبة الثورة المعلوماتية و استفادتهم قدر الامكان من خدمات الشبكة العنكبوتية بشكل عام و صفحات الفيسبوك بشكل خاص، ساهمت في إطلاق الشرارة الأولى للحراك الجماهيري المناهض للاستبداد و الدكتاتورية.

و على الرغم من سياسات حزب البعث الحاكم، و قمعه لأي حراك سياسي معارض، فأن الشعب السوري استطاع ان يتناغم مع بعضه البعض. فقدم على مر تلك العقود التي قضاها تحت حكم و رحمة البعثيين، لوحة فسيفسائية بالغة الجمال في التعايش المشترك و تقبل الآخر المختلف قومياً و دينياً و مذهبياً.

حيث نجد الكردي و العربي و الآشوري و الأرمني و الشركسي يعيشون في مدينة واحدة، و تربطهم الكثير من الصلات و الوشائج و العلاقات، و من دون أي مشكلة اجتماعية تُذكر.

و على الرغم من محاولات النظام الحاكم لضرب القوميات و الأديان ببعضها البعض، إلا أن وعي الشعب السوري و ايمانه بضرورة التعايش المشترك، كان العامل الأساس في إفشال كافة المخططات الساعية إلى خلق الفتن و الضغائن بين مكونات المجتمع السوري. حيث لم يكل الشعب السوري عن العطاء و الابداع، فقدم العديد من الأسماء اللامعة في كافة المجالات الأدبية و الفكرية و الفلسفية و الفنية و العلمية، و كذلك استطاعت أغلب الحركات السياسية المعارضة من الحفاظ على نهجها و نضالها السلمي في وجه السياسات القمعية التي يمارسها النظام الحاكم في سوريا منذ عقود.

إن الإنسان بطبيعته متعطش للحرية، و إن الضغظ التي مارسته و ماتزال تمارسه السلطات السورية، قد خلق في داخل كل سوري إرادة لا تقهر باتجاه التغيير.

و لابد أن تلتقي هذه الإرادة نحو التغيير بالميل نحو الحرية، و عندها ستنهار كل جدران الخوف و الرعب التي عمل حزب البعث على بنائها منذ عام 1963.

و لكن الشيء الملفت للنظر في التجربة النضالية السورية ضد الاستبداد و مقارعة الدكتاتورية، و في هذه المرحلة بالذات، هو أن الدعوة إلى الانعتاق و الحرية تأتي من خلف القضبان، من داخل السجون و المعتقلات، حيث يقبع المناضلون اللذين لم تنل سنوات السجن و أساليب التعذيب و الترهيب من إرادتهم الفولاذية.

 

تحية إلى كل مناضل و مناضلة في غياهب السجون السورية…

تحية إلى كل منفي مازال يتوق للعودة إلى الوطن بكل حرية…

* السليمانية ـ العراق.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى